سند نهج البلاغة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أما بعد هنا سأورد بعض الأقوال المآثورة والمقتبسة من نهج البلاغة للإمام علي (عليه السلام) وأرجو منكم تفسيرها لي في ضوء اعتقادنا نحن الشيعة بأحقية الامام علي (عليه السلام) بالخلافة من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله): (( دعوني وألتمسوا غيري، فأن أكون لكم وزيرا خير لكم من أن أكون لكم أميرا ))(نهج البلاغة 1/ 182 خطبة 92) وقوله في نهج البلاغة أيضا: (( والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها ))(نهج البلاغة 2/ 184 خطبة 205). وكذلك قوله (عليه السلام): ((إِنَّهُ بَايَعَنِي القَومُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ وَعُثمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُم عَلَيهِ، فَلَم يَكُن لِلشَّاهِدِ أَن يَختَارَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَن يَرُدَّ، وَإنَّمَا الشُّورَى لِلمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ، فَإِنِ اجتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَسَمَّوهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لِلَّهِ رِضىً، فَإِن خَرَجَ عَن أَمرِهِم خَارِجٌ بِطَعنٍ أَوبِدعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَاخَرَجَ مِنهُ، فَإِن أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى))(نهج البلاغة3/ 7 باب كنيته (6)). ودمتم في رعاية الله لخدمة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) .
الأخ محمد المحترم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
1- قال أميرُ المؤمنين (عليه السلام) للناس ذلك بعد خراب البصرة أي بعد أن تركوه وخذلوه ولم يأتمروا بأمر الله ورسوله وتغير حال الناس واختلافهم وظهور الفتن فيهم والفساد العظيم ما أدى ذلك كله إلى حصول جفوة وخلل في العلاقة بين الناس وأمير المؤمنين (عليه السلام) وعدم فهمهم لذلك المنصب العظيم حينها ومقارنته (عليه السلام) بغيره من الخلفاء الآخرين وجعله في مكانة غير مكانته ومنزلة غير منزلته ودور غير دوره الحقيقي الذي أراده الله تعالى له في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ولذلك فالإمام (عليه السلام) بالخيار بين القبول والرفض لكون ولايته على الناس أمر شرعي له شرائطه ومصالحه، فالإمام بالخيار بعد تخلي الناس عن ولايته وإمامته بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مباشرة، لكونه أعلم بالمصالح والمفاسد في تولي الخلافة بعد حدوث أمر عظيم وفتنة كبيرة وهي قتل الخليفة عثمان وتكفيره ومنع دفنه في مقبرة المسلمين وذلك ما جعل غائلة بني أمية تضطرم وشررهم يستطير.
وكذلك أراد الإمام (عليه السلام) برفضه التولي عليهم بيان عزته وعدم تربصه للآخرين وعدم اصطياده بالماء العكر وعدم تورطه في تلك الفتنة وعدم قيامه بالانقلاب وعدم حبه للخلافة وعدم حرصه على الإمارة رغم كل حقه فيها الثابت لكل أحد. وهذا عين ما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع الأنصار إذ لم يتول عليهم إلا بعد أن طلبوه وألحوا عليه بالهجرة إليهم وبايعوه مرتين.
ولذلك قال (عليه السلام) ما قاله في أكثر من موضع ومنها ما أوردتموه هنا كما سنورده ونوضحه في النقطة الثانية.
ثم إن الإمام (عليه السلام) هنا يحكي واقعاً هو يقدِّرُه ويبين أمراً ويذكر به وهو أنهم لا يطيعونه ولا يستطيعون تحمل عدالته وقراراته وولايته التي ستكلفهم الكثير وتفقدهم الأكثر؛ كالمناصب والأموال والتفضيل والامتياز على غيرهم مما ابتدعه من سبقوه (عليه السلام).
ولذلك نقول: إن للإمام (عليه السلام) تقدير المصلحة والمفسدة في قبول ولاية الناس أو رفضها مع ثبوت إمامته ومنزلته الإلهية كإمام وخليفة شرعي لرسول الله وهادٍ للأمة.
كما وصفه تعالى في كتابه بقوله: (( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَومٍ هَادٍ )) (الرعد:7).
حيث وردت الأحاديث والآثار التي تفسر الهادي بعلي (عليه السلام).(انظر: المستدرك على الصحيحين 3: 129 كتاب معرفة الصحابة، فتح الباري 8: 285 كتاب التفسير، سورة الرعد، تفسير الثعلبي 5: 272، تفسير ابن كثير 2: 520، وغيرها).
وبعد أن عرف الإمام (عليه السلام) بغضهم له وعدم طاعتهم إياه كأمير كما يشهد بذلك آخر إمارة وولاية له عليهم في فتح اليمن كان (عليه السلام) يقترح عليهم أن يكون لهم وزيراً وناصحاً فيحقق لهم راحتهم وأمانيهم حينئذٍ لكونه ناصح أمين وأعلم الناس (عليه السلام).
أما إذا أصبح أميراً فسوف يتبرمون منه ولا يرتاحون لولايته ولا يطيعون أوامره.
أما غيره من الأمراء فيمكن أن ينفعهم دنيوياً ومادّياً بشكل كبير وعند الشدائد يستغيث ويستنجد بأمير المؤمنين (عليه السلام) كما اعترف أبو بكر ذلك ومن بعده عمر، حيث قال وردد كثيراً مقولة ((لولا علي لهلك عمر)) و((لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن)).(انظر: صحيح البخاري 8: 21 باب لا يرجم المجنون والمجنونة، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12: 205، انساب الاشراف 2: 99 ترجمة الإمام عليّ(عليه السلام)، المناقب للخوارزمي: 101 الحديث (104)، الاستيعاب 2: 1103 الرياض النضرة 3: 161، نظم درر السمطين: 130، تفسير الرازي 21: 22، وغيرها).
والواقع يصدّق مقولة أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه حيث أنه كان مستشاراً وناصحاً للأمة وللخلفاء عند الملمات والمهمات فاستقام أمر الأمة به وانتفعوا به (عليه السلام) كثيراً, ولكنه لما تولى عليهم بعد عثمان أمطروه بالحروب والفتن والاعتراضات والتمرد والنكث والخروج حتى قتلوه (عليه السلام) في محراب صلاته سلام الله عليه.
2- أما قوله (عليه السلام) : (والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة, ولكنكم دعوتموني إليهما وحملتموني عليها).
فهي كقوله (عليه السلام): (ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز).(نهج البلاغة 1: 37 خطبة (3) الشقشقية).
وقوله (عليه السلام) كما ينقله ابن عباس بقوله: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) بذي قار وهو يخصف نعله, فقال لي: ما قيمة هذه النعل؟ فقلت: لا قيمة لها. فقال (عليه السلام): (والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أُقيم حقاً أو أدفع باطلاً).(نهج البلاغة 1: 80 خطبة (33))).
وقوله (عليه السلام): (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك