وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ابنتي العزيزة، رزقكم الله الثبات على الدين الحق، وعدم الإنجرار وراء الهوى والرذيلة.
يا مؤمنة، مثلما ساحة الأبوين مقدسة وعظيمة، أيضاً عليهما واجبات وفروض يلزمهم القيام بها، وتقصيرهم في بعضها قد يعود بالسلب عليهم وعلى من يحيطون به من أهل بيتهم. ولذلك، التربية وممارسة دور الأبوة هي بحدّ ذاتها تحتاج إلى عالم وعارفٍ بفنون التربية، وبما يلزم في التربية، ونفس الأمر في ممارسة دور الأبوة، فليس كل من أنجب يستطيع ممارسة دور الأبوة، لأنها تحتاج إلى الإبداع في التصرف بين الأضداد، بين الشفقة والرحمة واللطف، وبين القوة والهيبة والرهبة والسطوة، ولذا ليس كلّ أبٍ ناجح، بل ما ندر منهم.
هذا، ولعل السبب الذي يدفع الأب لعدم إغداقه عليكم بالعطف والحنان، هو عدّة عوامل؛ منها، جهله بمثل حاجة الأبناء للعطف والحنان، أو لأنّه مرّ في سابق عهده في الطفولة بحرمان كبير من أبويه وظهر عليه ذلك عند كبره، أو لأنّ القساوة التي تلقاها من صدمات الحياة صنعت منه إنساناً جافاً وصعباً، أو لعل الجفاف العاطفي الذي يشعر به غيّر من مزاجه، وصار هكذا يتعامل معكم، ولعل هناك أسباباً غير ما ذكرنا.
وأما ما يمكن أن ننصحكم به، هو:
١- عليكم قبل كلّ شيء بتقبل الحال، والتعايش مع هذا الوضع، ولابديّة الصبر، حتى لا تندفع أنفسكم للقبول بأي بائعٍ وباذلٍ للعطف وإن كان منحرفاً عن طريق الحق، أو لمن يتصيد الفرائس التائهة عن قرارها الضائعة عن الصواب.
٢- ينبغي لكم أن تفيضوا من الحنان على أبيكم، فتقدموا له الإحترام والعطف واللطف، وتثيروا فيه العطف والحنان، حتى هو يميل بقلبه إليكم ليدّب فيه روح العطف ويمتلي بالحنان ليعود هو عليكم بالمثل، وهذا من العلاجات السريعة المفعول، ولها أسرار كبيرة وكثيرة، ولكن ينبغي الاستمرار والصبر وستجدون النتايج الطيبة.
٣- عليكم بتوجيه عاطفتكم إلى الأم كذلك ونثرها عليهم، وعلى بقية العائلة، بحيث أنتم تكونون مولّدين لكل عطفٍ وحنان، وكأنكم تمارسون الدور الأبوي الكبير، حتى يكون لكم الفاعلية الجيدة في نفوس الجميع، لأنهم يشكون من الجفاف العاطفي، ولكنهم لا يشعرون بذلك.
٤- ليكن لكم إفراغ لكل الطاقات والشحنات السلبية عند وقوفكم بين يدّي الله تعالى ومناجاته، والبكاء بين يديه، فإنه يعقب البكاء حالة من السكون والهدوء النفسي، والإشباع منه سبحانه، لأنه يكون عند المنكسرة قلوبهم، ولذلك يحصل إشباع من كل شيء عند مناجاته.
٥- عليكم بالقيام بأعمال قضاء الحاجة، مثل صلاة التوسل بالبتول عليها السلام، والاستمرار عليها، من أجل تحصيل الزوج المناسب، وتسهيل الأمور في ذلك، وكذلك التوسل بالسيدة أم البنين عليها السلام، وزيارة عاشوراء،
وغيرها من الكنوز التي لها مفعولاً عجيباً في قضاء الحوائج، ولكن بشروط رعاية ما يلزم ذلك من أمور معينة، حتى يجري مفعول هذا التوسل ويتحقق المراد.
والحمد لله خير مطلوب ومحبوب.