وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ابني العزيز، رزقكم الله التوفيق لمرضاته في كل شيء وعدم معصيته، حتى تكونوا مباركين في كل شيء.
يا مؤن، المباركة؛ هي النماء والزيادة والخير، وعند الأشخاص؛ هي حالة من التوفيق والنجاح الذي يرافق الإنسان في حياته، بحيث تكون أفعاله وأقواله محط خير ونعمة، وتؤثر بشكل إيجابي في نفسه وفي من حوله. لا تتعلق المباركة بالمال أو القوة فقط، بل هي حالة روحانية وفكرية وأخلاقية تعكس توازن الإنسان مع نفسه ومع المحيط الذي يعيش فيه. والأنبياء والأئمة عليهم السلام كانوا مباركين أينما كانوا وأينما حلّو، يقول تعالى: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (مريم 31)، والضابط في كونهم مباركين هو لكونهم يحملون أعلى درجات التمثيل لأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، ولذلك كان أكثر بركة هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام.
ولكي يصبح الإنسان مباركًا، يحتاج إلى التزام بعدة جوانب روحانية وعملية يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1. الإيمان بالله واتباع الدين الحق:
الإيمان الصادق بالله تعالى هو الأساس الذي ينبثق منه كل نوع من أنواع البركة. في القرآن الكريم، وردت العديد من الآيات التي تشير إلى أن البركة تكون في كل ما يفعله الإنسان عندما يتقي الله ويسعى لرضاه. قال الله تعالى:
“وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ” (الأعراف: 96).
إن تقوى الله والاهتمام بالعلاقة معه من خلال العبادة والطاعة تعني فتح أبواب البركة في حياة الإنسان، سواء في رزقه، أو في علاقاته، أو في صحته.
2. النية الصافية والإخلاص في العمل:
من أساسيات البركة أن يكون العمل خالصًا لوجه الله تعالى. الإخلاص في النية يجعل من أي عمل يقوم به الإنسان، مهما كان صغيرًا أو عاديًا، مصدرًا للبركة، حتى ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
“إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”
إذا كانت النية صافية من أجل خدمة الله وإفادة الآخرين، فإن الله يبارك في ذلك العمل ويجعل له أثرًا طيبًا.
3. الالتزام بالأخلاق الحميدة:
البركة لا تأتي إلا عندما يتحلى الإنسان بأخلاق عالية ومبادئ سامية، وهي صفات الله تعالى وأسمائه، ولكن بقدر الإنسان لا بقدر الله تعالى، ومن صفات الإنسان المبارك، الصدق، الأمانة، التواضع، العطاء، والتسامح، والشكر، ورد أنه قال تعالى: ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم 7)، والزيادة تكون مع الشكر، وهي نحو من البركة.
إظهار الشكر لله تعالى على نعمته، وشكر الناس على أفضالهم، يجعل الحياة أكثر بركة، كما أن الأخلاق الحسنة تفتح أبواب التوفيق والنجاح.
4. العمل بجدّية واتقان:
البركة لا تعني فقط التوفيق، بل تعني أيضًا اجتهاد الإنسان في عمله وحرصه على إتقانه، فعنه (صلى الله عليه وآله): إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن.
- الإمام الصادق (عليه السلام): لما مات إبراهيم ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في قبره خللا فسواه بيده، ثم قال: إذا عمل أحدكم عملا فليتقن.
- الإمام الكاظم (عليه السلام): قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود
العمل المتقن والسعي لإنتاج شيء ذو قيمة يجعل الإنسان مباركًا، حيث يبارك الله في جهده وعمله.
5. الاستفادة من الوقت:
الوقت هو أحد أغلى النعم التي يمكن للإنسان أن يمتلكها. واستثمار الوقت في الأعمال الصالحة والنافعة، سواء كانت للذات أو للآخرين، يعود بالبركة على حياة الإنسان، رسول الله (صلى الله عليه وآله): " في صحف إبراهيم " على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له " أربع " ساعات: ساعة يناجي فيها ربه عز وجل، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيما صنع الله عز وجل إليه، وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات واستجمام للقلوب وتوزيع لها.
والإنسان الذي يستغل وقته في الأمور التي تقربه من الله ويحقق فيها منفعة شخصية أو مجتمعية يكون أكثر بركة في حياته.
6. الاهتمام بالأسرة والعلاقات الإنسانية:
البركة تأتي أيضًا من الاهتمام بالعلاقات الإنسانية، لا سيما في الأسرة، ففي الكافي: عن علي، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الحكم الحناط قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الاعمار.
والاهتمام بالعلاقات الطيبة مع أفراد الأسرة، وحسن الخلق مع الزوجة، الأبناء، والأقارب، يعكس نوعًا من البركة في الحياة، كما أن التوفيق في العلاقات بين الناس يساعد على استقرار الشخص نفسيًا واجتماعيًا.
7. التصدق والعطاء:
من أهم أفعال البركة أن تكون يدك ممتدة بالعطاء. قال الله تعالى:
“مَن ذا الذي يُقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة” (البقرة: 245).
الصدقة والكرم في التعامل مع الآخرين وتقديم الدعم والمساعدة للمحتاجين من مصادر البركة، ويعود ذلك بمضاعفة الخير في حياة الإنسان.
8. الرضا بالقضاء والقدر:
الرضا بقضاء الله وقدره يُعد من أهم مفاتيح البركة. عندما يرضى الإنسان بما قسمه الله له من رزق وصحة وأحداث في حياته، فإن الله يبارك له في ذلك ويجعله راضيًا وقنوعًا بما لديه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن عظيم البلاء يكافى به عظيم الجزاء، وإذا أحب الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء فمن رضي فله الرضا عند الله عز وجل، ومن سخط البلاء فله السخط.
والإنسان المبارك هو الذي يستقبل الحياة بحسن ظن بالله، ويشكر الله في السراء والضراء، وهذا يُجلب له البركة في كل شيء.
9. الدعاء والاستغفار:
الاستغفار والدعاء هما طريقان رئيسيان لجلب البركة، قال تعالى عن نبيه نوح عليه السلام : ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10- 12]
وفي البحار، قال النبي صلى الله عليه وآله: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.
فالاستغفار لا يطهر القلب فحسب، بل يُزيل عن الإنسان الذنوب التي قد تعيق البركة، والدعاء بشكل عام يُعدُّ سلاحًا قويًا لجلب التوفيق في الدنيا والآخرة.
وعليه يا نور العين؛ الإنسان يصبح مباركًا عندما يعيش حياته وفقًا لأسس دينية وأخلاقية، ويجعل من العبادة والتقوى والتعاون مع الآخرين منطلقًا لكل عمل ينجزه. البركة لا تقتصر على جانب مادي أو دنيوي، بل تشمل الحياة الروحية والإنسانية بشكل متكامل. في النهاية، الشخص المبارك هو الذي يحقق توازنًا بين دينه ودنياه، ويظل دائمًا على اتصال بالله تعالى، متفائلًا، مجتهدًا، ومتسامحًا.
والحمد لله العلي العظيم.