سؤال ربما ينم عن جهل وعدم اطلاع كثير للتاريخ نرجو منكم توضيحه
احدهم يسأل كيف لفاطمة الزهراء (عليها السلام) أن تكون قدوة للنساء كافة وتكون سيدتهم وهي عمرها الشريف عند وفاتها 18 سنة هذا يعني انها كانت طوال عمره الشريف لحين وفاتها في عمر المراهقة وحتى حين زواجها كانت بعمر 10 سنوات
نرجو منكم تفسير هذا العمر وكيف تزوجت وهي بهذا العمر الصغير جداً وكيف تكون قدوة لنا كنساء كبار بالعمر
السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته
أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب
ابنتي الكريمة، إن الزهراء (عليها السلام) كانت إنسانة كاملة لما تحلت به من كمالات وبأعلى الدرجات على المستوى الظاهري والباطني.
واما العمر غلا مدخلية له بذلك بعد معرفتنا كون الشخص هو إنسان كامل معصوم من صغره، وأدل دليل على ذلك هو نبي الله عيسى (عليه السلام) حيث قال الله تعالى في سورة مريم: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)﴾
ويمكن لنا ان نثبت هذه الحقيقية من خلال القرآن الكريم، فهو مقياسنا في أساس التفاضل بين الناس بشكل عام، ومنه التفاضل النساء - وهو مطلوبنا - وذلك من خلال تتبع ذكر خصائص النساء الممدوحات فيه.
إن كل إنسان هو موجود من صُنع وخَلق الله تعالى، ولكن بعض الخلق ميزهم لميزة وخصوصية فيهم دون غيرهم.
فمنهم من خُلق بالحُسن العام الذي شمل كل البشرية في قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} (نوح: ١٧).
ومنهم من خصهم وزادهم بالخلقة فوصفهم بالإنبات الحسن في قوله تعالى:{ ... المزیدوَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} (آل عمران: ٣٧).
والزهراء (عليها السلام) من أهل الخلقة والانبات الخاص، فهي الحوراء الأنسية - كما تذكر بعض الروايات - فقد قدمت أصل تكوينها الملكوتي على الجانب الملكي فكان أصل تكوينها ومجيئها لعالم الدنيا كمولودة للنبي الأكرم (صلى اللّٰه عليه وآله) بطقوس ومقدمات خاصة.
جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله): «فاطِمَة خُلِقَتْ حورِيَّةٌ فِيْ صورة إنسيّة»(١).
ونذكر هنا عدة نقاط:
أولاً: من الشواهد على كمال الزهراء (عليها السلام) الخَلقي:
روى ابن شهر اشوب (في ذكر خصائص النساء في القرآن الكريم) أنه قال: "... والجمال لسارة زوج ابراهيم..."
وبالمقابل روى الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، إن فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً»(٢).
وعن عائشة انها قالت: "كنّا نخيط، ونغزل، وننظم الإبرة باللّيل في ضوء وجه فاطمة عليها السلام.(٣)
ثانياً: من الشواهد على كمال الزهراء (عليها السلام) الخُلقي:
وهنا عدة مستويات، نذكر منها التالي:
١- على المستوى العلاقة بالله تعالى.
بلحاظ ما جاء في المناقب نقارن بين الفاضلات من النساء مع الزهراء (عليها السلام):
قيل: إن التوبة من حواء، بقوله تعالى: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا) (الاعراف: 23)
والزهراء (عليها السلام) هي أعلى مقاماً، فهي تجاوزت مرتبة الغفران إلى الرضوان بل إن الله تعالى يرضى لرضاها كما روى الحاكم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال لفاطمة (عليها السلام): «إن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك»(٤).
وقيل الشوق من آسية، قال تعالى: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} (التحريم: ١١).
والسيدة الزهراء (عليها السلام) لم تطلب الجوار، بل لها ما لها من الشأن في موقف يوم القيامة من الشفاعة الكبرى، مثلاً كما في قوله:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (الأنبياء: ٢٨). فمن القابها أنها "الراضية المرضية".
ذِكرُ الله تعالى لمريم (عليها السلام)، قال تعالى:{يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (آل عمران: ٤٣).
بالمقابل الزهراء (عليها السلام) كانت تجسد مرتبة العبودية بكل وجودها وبأعلى الدرجات كما روي عن الحسن البصري أنه قال: "ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تتورم قدماها"(٥).
وفي آية: {كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ} روي أنها زلت في علي ابن ابي طالب وفاطمة وحسن والحسين (عليهم السلام)(٦).
٢- على المستوى السلوك الإنساني وإظهار الفضائل:
نكمل مع ما جاء في المناقب وهو قول ابن شهر آشوب في ذكر خصائص بعض النساء الإلهيات:
- الضيافة والكرم من سارة: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ}(هود: ٧١).
والزهراء (عليها السلام) من مصاديق قول الإمام الهادي (عليه السلام) في الزيارة الجامعة الكبيرة في وصفهم: «فعلكم الخير، وعادتكم الاحسان، وسجيتكم الكرم ...».
فالزهراء (عليها السلام) لم تكن مضيافة فقط، بل وتؤثر الآخرين على أقرب الناس إليها وهم أولادها كما في سورة الدهر التي نزلت فيها وفي أهل بيتها.
- الحياء من امرأة موسى، قال تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} (القصص: ٢٥).
وهذه الخصيصة في وصف حال الزهراء (عليها السلام) بأعلى مستوياتها، فعن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لها: لمَ حجبتهِ وهو لا يراك؟ فقالت (عليها السلام): إن لم يكن يراني فأني أراه، وهو يشم الريح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشهد أنك بضعة مني»(٧).
فالزهراء (عليها السلام) توصل لنا رسالة: أن العفة ليست مسألة مظهر خارجي تستر المرأة فيها جمالها، بل هي مسألة قلبية روحية، علينا أن نهتم بها كما نهتم بظاهرنا.
- الإحسان من خديجة، قال تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا} (الضحى: ٨) وكما في الحديث: «ما قام ولا استقام الدين إلا بسيف علي ومال خديجة»(٨).
فإذا كانت استقامة الدين بأموال السيدة خديجة (عليها السلام)، فالصديقة الزهراء (عليها السلام) بذلت كل وجودها ورحلت شهيدة دفاعاً عن الإمامة التي بها كمال الدين وحفظه.
- الصبر على الاختبارات الإلهية لأم موسى، قال تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (القصص: ١٠).
ويكفينا ما ورد في زيارتها صلوات الله عليها: «يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة»(٩).
إلى غير ذلك من المقامات التي صرحت بها الروايات الشريفة التي يطول بذكرها المقام، فعليكم بمراجة كتاب: (الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) ٢٥ جزء) المؤلف: إسماعيل الأنصاري الزنجاني الخوئيني.
ودمتم موفقين.
__________________________________
(١)مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص٢٩٦.
(٢)مقتل الحسين:ج١، ص٦.
(٣)فاطمة بهجة قلب المصطفى: ج١، ص٦١.
(٤)المستدرك: ج٣، ص١٥٤.
(٥) البحار ج٣٤، ص٤٨.
(٦) شواهد التنزيل: ج٢، ص٢٦٨.
(٧)الكافي: ج ٥، ص ٥٣٤.
(٨)البخاري باب: المغازي، ح٤١٥٤.
(٩) مفاتيح الجنان: ص٤٠٣.