logo-img
السیاسات و الشروط
محمد ( 18 سنة ) - العراق
منذ 7 أشهر

عبس وتولى

سلام عليكم ما معنى (عبس وتولى) في القرآن الكريم سورة عبس؟ في تفسير السيد محمد حسين الطباطبائي.


وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب ولدي العزيز، جاء في تفسير الميزان للسيد محمد حسين الطبطبائي الجزء ٢٠ صفحة(٣٠٢): (بحث روائي) في المجمع: قيل: نزلت الآيات في عبد الله بن أم مكتوم وهو عبد اللّه بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي. وذلك أنه أتى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وأبي وأمية بن خلف يدعوهم إلى اللّه ويرجو إسلامهم فقال: يا رسول اللّه أقرئني وعلمني مما علمك الله فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) لقطعه كلامه وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والعبيد فأعرض عنه وأقبل على القوم الذين كان يكلمهم فنزلت الآيات. وكان رسول اللّه بعد ذلك يكرمه، وإذا رآه قال: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، ويقول له: هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين. أقول: روى السيوطي في الدر المنثور القصة عن عائشة وأنس وابن عباس على اختلاف يسير وما أورده الطبرسي محصل الروايات. وليست الآيات ظاهرة الدلالة على أن المراد بها هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه بل فيها ما يدل على أن المعني بها غيره لأن العبوس ليس من صفات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الأعداء المباينين فضلاً عن المؤمنين المسترشدين. ثم الوصف بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة كما عن المرتضى رحمه الله. وقد عظم اللّه خلقه (صلى الله عليه وآله وسلم ) إذ قال - وهو قبل نزول هذه السورة -: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ والآية واقعة في سورة (ن) التي اتفقت الروايات المبينة لترتيب نزول السور على أنها نزلت بعد سورة اقرأ باسم ربك، فكيف يعقل أن يعظم اللّه خلقه في أول بعثته ويطلق القول في ذلك ثم يعود فيعاتبه على بعض ما ظهر من أعماله الخلقية ويذمه بمثل التصدي للأغنياء وإن كفروا والتلهي عن الفقراء وإن آمنوا واسترشدوا. وقال تعالى أيضاً: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين﴾ (الشعراء: 215) فأمره بخفض الجناح للمؤمنين والسورة من السور المكية والآية في سياق قوله: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ النازل في أوائل الدعوة. وكذا قوله: ﴿لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين﴾ (الحجر: 88) وفي سياق الآية قوله: ﴿فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين﴾ (الحجر: 94) النازل في أول الدعوة العلنية فكيف يتصور منه (صلى الله عليه وآله وسلم) العبوس والاعراض عن المؤمنين وقد أمر باحترام إيمانهم وخفض الجناح وأن لا يمد عينيه إلى دنيا أهل الدنيا. على أن قبح ترجيح غنى الغني وليس ملاكاً لشيء من الفضل على كمال الفقير وصلاحه بالعبوس والاعراض عن الفقير والإقبال على الغني لغناه قبح عقلي مناف لكريم الخلق الإنساني لا يحتاج في لزوم التجنب عنه إلى نهي لفظي. وبهذا وما تقدمه يظهر الجواب عما قيل: إن اللّه سبحانه لم ينهه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن هذا الفعل إلا في هذا الوقت فلا يكون معصية منه إلا بعده وأما قبل النهي فلا. وذلك أن دعوى أنه تعالى لم ينهه إلا في هذا الوقت تحكم ممنوع، ولو سلم فالعقل حاكم بقبحه ومعه ينافي صدوره كريم الخلق وقد عظم اللّه خلقه (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل ذلك إذ قال: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ وأطلق القول، والخلق ملكة لا تتخلف عن الفعل المناسب لها. وعن الصادق (عليه السلام) - على ما في المجمع - أنها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء إبن أم مكتوم فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه. وفي المجمع وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا رآى عبد الله بن أم مكتوم قال: مرحبا مرحبا واللّه لا يعاتبني اللّه فيك أبداً، وكان يصنع به من اللطف حتى كان يكف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مما يفعل به». أقول: الكلام فيه كالكلام فيما تقدمه، ومعنى قوله: حتى أنه كان يكف " الخ " أنه كان يكف عن الحضور عند النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) لكثرة صنيعه (صلى الله عليه وآله وسلم) به انفعالاً منه وخجلاً. ودمتم في رعاية اللّه وحفظه.