ابو محمد الخزرحي - الكويت
منذ 4 سنوات

 شروطها

أقول: بخصوص إثبات النبوّة لا سيّما نبوّة النبي مُحمّد (ص) يستدل المُتكلّمون عليها عقليّاً بأنه (ص) ادعى النبوّة و أتى بالمُعجز تصديقاً لدعواه, و لا يصح أن يُصدّق الله الكاذب, فيلزم من ذلك صدق نبوّته, و يرد على ذلك إشكالات عديدة نتمنى منكم الإجابة عليها نذكر منها: أولاً: يعترض البعض بقوله: أن في نظام المُعجزات يناقض دعوى العدالة الإلهيّة, فأكثر المعجزات يراها فئة محدودة من الناس دون غيرهم, فهؤلاء الذين يرون المُعجزة يكون عندهم مُعطيات و حُجج أكثر من غيرهم ممِنْ لم يروها, و بالتالي من حق من لم يرَ المعاجز أن يريه الله بعض المعاجز كما أرى غيره من الناس, و إلا سيكون الله غير عادل من جهة أنه أقام الحُجة على بعضٍ دون بعض, فأعطى فئة من الناس (و هم الذين شاهدوا المُعجزة) مُعطيات و دلائل أكثر من غيرهم, و بهذا نقض لدعوى العدالة الإلهيّة. ثانياً: يعترضون كذلك: بأن كثير من الأديان تدعي ظهور معجزات لها حتى الآن, فكل طائفة دينيّة و مذهبيّة تدّعي ظهور المعاجر لها, فمن نُصدّق؟ و على أي أساس و معيار؟ فالشيعة يدّعون ظهور الكرامات و المعاجز لأئمتهم و الصوفيّة لأوليائهم و النصارى ليسوعهم, و هلم جراً, و إذا أردنا تصديق كُل أحد يلزم الإيمان بكل الأديان و المذاهب معاً, و هذا أمر واضح البُطلان. ثالثاً: البعض يقول: هل هناك معجزات لمُحمّد منقولة بطرق موضوعيّة موثوقة أو محسوسة لكي تكون حُجة على الجميع؟ بمعنى آخر هل هناك معجزات لمُحمّد نقلها غير أتباعه من المُسلمين؟ لأن أتباعه مُتهمون بالمحسوبيّة و المُحاباة له, فلا يُمكن تصديقهم في نقلهم لمعاجزه, ثم إنه حتى لو صدقناهم في نقل معاجزه, فهل هناك معجزات له منقولة بطرق موثوقة قطعيّة عن طريق المُسلمين كأن تكون له مُعجزة (أو عِدة معاجز) منقولة بالتواتر القطعي؟ أم أن كُل معجزاته منقوله بطرق آحاد ظنيّة؟ و إذا كانت كُلها جاءت من طُرق آحاد ظنيّة, فهل يُعقل أن نبني ديناً كاملاً على أخبار ظنيّة منقولة عن طريق أتباع مُحمّد المحسوبين عليه؟! بصورة أوضح نُريد إثبات مُعجزات قطعيّة منقولة بطُرق تفيد الاطمئنان بحصول مُعجزات لمُحمّد أو نُريد مُعجزات خالدة محسوسة تصلح لأن تكون حُجة على كل أحد. رابعاً: يقولون أيضاً: ثم مَنْ قال أن مُحمّداً لم يكن ساحراً كما قال المُشركون؟ فلعل مُعجزاته المُدّعاة هذه عبارة عن سحر فعلاً, فمَنْ يُدرينا أنها لم تكن كذلك؟ إذا قلتم القرآن شهد بعكس ذلك, فإن القرآن لا يكون حُجةً إلا بعد إثبات معاجزه لإثبات نبوّته, فالاستدلال بالقرآن على صحة معاجزه يلزم الدور الباطل عقليّاً. خامساً: يعترضون كذلك بقولهم: ثم إنه حتى لو حصل و اتفق أن حصلت له مُعجزة واحدة مثلاً, فهذا لا يعني بالضرورة صدق نبوّته, فلكي تكون الحُجة بالغة يجب حدوث تواتر بهذه المُعجزات لكي يحصل الاطمئنان بأنها مُعجزات فعلاً و ليست خدع أو حركات بهلوانيّة أو سحر أو حذلقة. الطلب النهائي: نُريد دليلاً قطعيّاً موضوعيّاً حقيقيّاً لإقناع أي أحد بنبوّة النبي مُحمّد (ص), و إذا كان أمر إثبات نبوّته (ص) متوقفاً على إثبات معجزاته, فنُريد إثباتاً مُعتبراً قطعيّاً لهذه المُعجزات.


الأخ أبا محمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذه شبهات لا تصمد أما النقد، وسنجيب عليها بحسب ما يقتضيه المقام هنا ونكل التفصيل إلى محله من كتب العقائد وعلم الكلام الشيعي. أولاً: دعوى مناقضة قانون المعجزات للعدالة إلالهية هو مجرد وهم ناجم عن عدم التدبر في كون المعاجز إنما يؤتى بها في مقام إثبات دعوى النبي لمن ينكر دعوته في عصره حال تكذيبه من باب الدليل على صدق نبوته، ولا يمكن طبقا للنواميس التي تحكم عالم الطبيعة وعالم الانسان أن يستمر تأثير المعجزة على طول خط الزمان، ولا أن تكون بمرأى ومسمع غير المباشرين لمشاهدتها، فقانون المعجزات إنما يطلب به تصديق دعوى النبي حال الدعوى، إذ هو خرق مؤقت للنظام وليس خرقا دائما له، وإلا لاختل نظام الكون وانتقض الغرض من بعثة الانبياء، بل يستحيل أمر الإيمان إلى الإلجاء، وعليه فإن العدالة والحكمة والمصلحة تقتضي كلها أن تكون المعجزة بمباشرة من شهدها من الناس، وأما من لم يشاهدها فيمكن له أن يعلم بها علما بديهيا بواسطة التواتر فإنه يمتنع اجتماع عدد كبير من الناس في التواطؤ على الكذب سواء أكانوا من الطبقة التي شهدت حصول المعجزة أم من الطبقات التي جاءت بعدها في الاجيال التالية، نعم ثمة معجزة إلالهية خالدة تتحدى جميع البشر بأن يأتوا بمثلها على طول الدهر ألا وهي القرآن الكريم. ثانياً: نفس قانون المعجزات كفيل بالتفريق بين المعجزة الحقة والمعجزة الباطلة، وقد شهد القرآن الكريم بمعاجز الانبياء والاوصياء عليهم السلام، والأديان السماوية التي يتقاسم اعتناقها أكثر سكان الارض اليوم قد جاء انبياؤها بمعجزات أريد بها تصديق دعوى نبوة الانبياء ووصاية أوصيائهم من بعدهم من دون الغاء دور سائر المعجزات الاخرى كل في زمانه وظرفه، فليس المطلوب منا أن نجعل المعجزات في جميع العصور طريقا إلى اعتناق دين دون آخرن فيحتج البعض مثلا بالقول: إن عصا موسى عليه السلام كانت معجزة باهرة وبالتالي فالدين اليهودي هو الدين الحق من بين سائر الاديان، لأنا نقول: إن المعجزة ليست طريقا للتدين مع غض النظر عن ظرف حصولها، بل هي طريق لتصديق دعوى النبي في زمان ما ومكان ما، فعلى سبيل المثال: الدين المسيحي يكون ناسخا لليهودية بالنسبة للاجيال التي عاصرت زمان المسيحية الممتد بين عيسى عليه السلام وأول بعثة محمد صلى الله عليه وآله، ويكون الدين الالهي المطلوب اعتناقه هو المسيحية وليس اليهودية، ومعجزات المسيح عليه السلام لا تكون منافية لمعجزات كليم الله موسى عليه السلام بحيث يحتج المعتنق للمسيحية بها على غيره من ابناء الديانات الاخرى، وهكذا الاسلام فإنه الدين السائد بعد زمان المسيحية فحكم من يريد التدين بدين معين في عصر الاسلام هو اختيار الاسلام وليس من سبقه من الاديان لانه هو دين العصر وهو خاتم الاديان، فمن يتخذ غير الاسلام دينا فكأنما قد كفر بآخر الاديان السماويةولو كان ايمانه بالنصرانية او اليهودية هو ايمان بدين إلهي موجود، إلا أنه ليس الدين المناسب للعصر الذي هو فيه، وهذا هو سبب ما ورد في قوله تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين) فهل المقصود بالخطاب هنا من اعتنق اليهودية والمسيحية في عصرهما أم من اعتنقهما في عصر الاسلام؟ لا شك ان المراد هو الثاني لأن مؤمني اليهود والنصارى في عصرهم قد اعتقدوا بالدين الإلهي وصدقوا النبي الذي اتى به، ولكن لا عذر لمعاصري الدين الاسلامي باعتقناق غيره من الأديان مع كونه دين العصر الذي هم فيه. ثالثاً: المعجزات المنقولة في كتب المعاجز بعضها منقول بطرق مستفيضة تفيد العلم، وبعضها أخبار أحاد ظنية، ولكن معجزة النبي الخالدة والشاهدة على صدق نبوته صلى الله عليه وآله أبد الدهر هي القرآن الكريم الذي عجز الجميع عن معارضته وهو لم يزل إلى الآن وسيبقى يحمل آية التحدي بأن يأتوا بسورة من مثله، فلو لم يكن معجزة إلهية لوجدت اليوم الألوف من السور التي تعارضه من قبل مناوئيه، وحيث لم نعثر على سورة واحدة قد جيء بها لمعارضته على مدى الزمان الممتد بعد البعثة وحتى يوم الناس هذا يحصل القطع بأن القرآن لا يمكن معارضته أبدا وهو معجزة إلهية خالدة جعلها الله تعالى شاهدة بصدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله على مدى العصور. وأما ما ذكرتموه من ان المعجزات النبوية قد نقلها اتباع محمد صلى الله عليه وآله وهي لا تثبت إلا لمن يعتقد بنبوته فهو صحيح، ولكن القرآن الكريم ليس من جملتها، وهو كتاب لم يزل معجزا ومن يتمكن من فهمه ويكون مطلعا على اساليب الفصاحة والبلاغة فلابد ان يخضع له، وكذلك ما يتعلق بما يتضمنه من الاسرار والإشارات العلمية والكلمات الحكمية والقصص واخبار الامم السالفة التي لم يرد ذكرها في اي كتاب آخر... فهذه كلها دلائل على إعجازه لمن له حس الانصاف المجانب للاعتساف. رابعاً: الذين اتهموا النبي صلى الله عليه وآله بالسحر من المشركين عدد قليل، وكثير ممن اتهمه قد آمن به بعد ذلك، بل قد شهد النصارى وهم خصماؤه العقائديون برجاحة عقله وطهارة نفسه وهابوا مباهلته، وشهد اليهود بذلك وصالحوه على الجزية، فضلا عن المؤمنين به وفضلا عن اقوال مشاهير التاريخ فيه الذين وصفوه بأنه أعظم شخصية على مدى العصور وفيهم علماء ومستشرقون ومفكرون. وحينما تأتي الشهادة بعظمة شخص بواسطة اشخاص متفرقين لا يجمعهم معه زمان واحد ولا معتقد واحد ولا انتماء قومي واحد فهو دليل على الحقيقة. واما السحر فهو مجرد مغمز يغمزه به اعداؤه ومن يروم الانتقاص منه. واما التفرقة بين السحر والمعجزة فهو من اوضح الواضحات، ذلك لان السحر هو فن الايهام والخداع ولا يتمكن الساحر بكل ما أوتي من وسائل الخداع والتمويه من خرق القانون الطبيعي ابدا، ومثاله حبال وعصي السحرة التي كان يخيل للناس على عهد موسى أنهى تسعى كالأفاعي، فالتقفتها عصا موسى واصبحت كأن لم تكن يعني انعدمت حبالهم وعصيهم من الوجود وعادت العصا كما كانت. خامساً: بالنسبة لمعجزة النبي صلى الله عليه وآله الخالدة القرأن الكريم فهي متواترة، فالقرآن قد وصل إلينا عن طريق التواتر، وقد ضمن الله تعالى حفظه عبر الاجيال والعصور، وبالتالي فهو دليل على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وآله بل وحتى صدق نبوة من اتى قبله من الانبياء، فهو الكتاب الوحيد من بين سائر الكتب السماوية الذي لم تطاله يد التحريف والتشويه والتلاعب، ولذلك فإن ما ورد فيه من تصديق للنبوات والمعجزات هو أعظم دليل على حصولها، ولولا القرآن الكريم لم يبق دليل يمكن الركون إليه في إثبات اية معجزة من المعجزات، ولاختلطت الحقيقة بالخيال والواقع بالاسطورة. وهكذا فقد تبين مما تقدم الدليل القطعي الموضوعي الذي طلبتموه على نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله. والحمد لله رب العالمين. ودمتم في رعاية الله