محمد الطائي - ايسلندا
منذ 5 سنوات

 ماهية الولدان المخلدون

هل الشعور بلذة النعيم او الإحساس بالعذاب متوقفان على وجود الجنة و النّار، و إذا كانتا ليستا من ذوات الأرواح إذ كيف تجيب النّار يوم القيامة كما في قوله تعالى: (( يَومَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتَلَأتِ وَتَقُولُ هَل مِن مَزِيدٍ )) (ق:30)، حيث انها تجيب ليس بلسان الحال لأنها جوهر قائم له ذات؟ نرجو منكم بيان هذه الإشكالات


الأخ محمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ذكر الشيخ أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد (ص 14 - 16) معنى مخاطبة الله تعالى للنار كما أشارت إليه الآية المباركة، وذلك في ذيل جوابه عن مسألة حول مخاطبة الحياء والدين، ونحن نذكر كلامه بطوله لمزيد الفائدة: مسألة: ان سئل سائل فقال كيف يحسن مخاطبة الحياء والدين وكيف يصح منهما النطق وهما داخلان في باب الاعراض التي لا تقوم بأنفسها ولا تصح الحياة والنطق منهما؟ الجواب: قيل له: هذا مجاز من القول وتوسع في الكلام، والمعنى فيه: أنهما لو كانا حيين قائمين بأنفسهما تصح المخاطبة لهما والنطق منهما لكان هذا حكمهما والمحكى عنهما جوابهما، وقد يستعمل العرب ذلك في كلامهما وهو نوع من أنواع فصاحتها قال الشاعر امتلأ الحوض وقال قطني ***** مهلاً رويداً قد ملأت بطني ونحن نعلم أن الحوض لا يصح منه النطق، ولكنه استعار النطق لأنه عنده لو كان في صورة ما ينطق لكان هذا قوله. خبر آخر: في هذا المعنى وهو المشتهر بين الخاصة والعامة من أن: ((أول شئ خلق الله تعالى العقل فقال له اقبل فاقبل ثم قال له أدبر فادبر فقال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك بك أعطي وبك امنع وبك أثيب وبك أعاقب وعزتي وجلالي لا أكملتك إلا فيمن أحببت))، فالمعنى فيه نظير ما تقدم هو ان العقل لو كان قائما بنفسه حتى يوجد مفردا لكان أول شئ خلقه تعالى لفضله ولأن منازل العالية لا تستحق إلا به ولو كان حيا قادرا لصح منه امتثال أمر الشارع إلى ما يؤمر به ولم يقع خلاف للمراد منه وهذا كله بينة على شرف العقل وجلالته وحث على وجوب الرجوع إليه والتمسك بحججه وفي القرآن لذلك نظائر. فصل: مما ورد في القرآن في هذا المعنى فمن ذلك قول الله عز وجل: (( إِنَّمَا قَولُنَا لِشَيءٍ إِذَا أَرَدنَاهُ أَن نَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )) (النحل:40)، فدليل شاهد بأن المراد بذلك ليس هو القول، ولا يصح فيه حقيقة الامر لأنه لو كان يأمر الشيء في الحقيقة بالكون كان لا يخلو من حالين: إما ان يأمره بذلك والشيء في حال عدمه أو في حال وجوده، ومحال ان يأمره وهو في حال عدمه؛ لان المعدوم في الحقيقة ليس بشيء فيتوجه إليه الامر، والذين يثبتون انه شيء في حال عدمه من المتكلمين لا يخالفون في أنه لا يصح ان يؤمر، ومحال أيضاً ان يأمره بالكون وهو في حال وجوده؛ لأن الموجود هو الكائن، ولا يقال للكائن كن كما لا يقال للساكن أسكن، وأيضاً فلو كان يأمره في الحقيقة بالكون لكان الشيء المأمور هو الذي يفعل نفسه ويكوِّنها، ولا يصح من شيء ان يفعل إلا ان يكون حياً قادرا، ولا يصح منه ان يفعل الحكم المتقن إلا بعد كونه عالماً. وهذا كله على أن المعدوم لا يؤمر وان الشيء لا يفعل نفسه، ولم يبق إلا أن يكون ذلك مجازاً في القول، والمراد به الإخبار عن تيسر الفعل على الله سبحانه إذا اراده، وانه غير متعذر منه، ومتى أراد كونه كان بغير حائل ولا مانع، حتى كان الذي يريده لو كان حياً قادراً يصح ان يكون نفسه، ثم امره الله تعالى بذلك ليبادر إليه، ولم يتأخر عنه. ومثل ذلك قول الله عز وجل: (( ثُمَّ استَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرضِ ائتِيَا طَوعًا أَو كَرهًا قَالَتَا أَتَينَا طَائِعِينَ )) (فصلت:11)، وليس المراد أن السماء والأرض وهما جماد نطقتا، وإنما المعنى تيسر فعلهما وما اراده فيهما، فكأنهما لو كانتا حياً قادرا في حكم الاحياء القادرين الذين يصح منهم النطق والإتيان لقالتا: إذا امرنا بالاتيان آتينا طائعين، ونظير هذا في الكلام كثير. والناس يجعلون من تيسر منه الفعل كان فعله قد اطاعه ويقولون للشاعر الحاضر الخاطر: ان القوافي لتسمع وتطيع، وانك لتراها رأى العين، وانها لمحصورة بين يديك. ومرادهم انها لا يتعذر عليه متى رامها ولا يتوقف في شيء منها إذا قصدها، فكأنها لو كانت في حيّز ما ترى لرآها أو في حكم من يطيع لأطاعت أمره إذا امرها، فأما الإخبار عن السماء والأرض بأنهما قالتا: (( أَتَينَا طَائِعِينَ )) بلفظ التذكير، فيحتمل ان يكون المعنى: آتينا بمن فينا ومن يصح فيه التذكير. ومن ذلك قول الله عز وجل: (( يَومَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتَلَأتِ وَتَقُولُ هَل مِن مَزِيدٍ )) (ق:30)، وجهنم في الحقيقة لا يصح ان يخاطب ولا يقع منها القول، فالمعنى انها لو كانت في حكم من يخاطب ويصح منها القول لقالت: (( هَل مِن مَزِيدٍ )) ، وقيل في الآية بوجه آخر وهو: ان الذِّكر لها أو الخطاب في الحقيقة متوجه إلى خزنتها، وهم القائلون: (( هَل مِن مَزِيدٍ )) ، وإنما أضيف ذلك إليها كما يقال: قالت البلدة الفلانية، اي قال أهلها. قال الله تعالى: (( وَاسأَلِ القَريَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا )) (يوسف:82) والمراد أهلها، ومن ذلك قول الله عز وجل: (( يَومَ تَشهَدُ عَلَيهِم أَلسِنَتُهُم وَأَيدِيهِم وَأَرجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ )) (النور:24) وقوله جل اسمه: (( وَقَالُوا لِجُلُودِهِم لِمَ شَهِدتُم عَلَينَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيءٍ وَهُوَ خَلَقَكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ )) (فصلت:21)، فالقول عندنا: ذلك كله انه على الاستعارة ومجاز اللغة دون الحقيقة، والمعنى فيه: ان الجوارح لو كانت مما تنطق لنطقت على أصحابها بالشهادة وقالت: (( أَنطَقَنَا اللَّهُ )) ، وقد يجوز في ابعاض الانسان ما يقام الشهادة بفعله وان لم يكن نطق، والعرب تقول: رب عين أنطق من لسان، ويقولون: عيناك تشهد بسحرك ونظرك يدل على خبرك، والشواهد على هذا كثيرة وفيما ذكرناه كفاية. ودمتم في رعاية الله

2