الاخ يوسف المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليس المراد بميزان الأعمال في يوم القيامة المعنى الاصطلاحي والمتبادر الى الذهن لوجوب التّناسب بين الميزان والموزون، وقد أشارت الآيات والروايات الى عدّة مصاديق للميزان في يوم القيامة منها:
هيئة الفرد وظاهره في المحشر:
تختلف صور الأفراد وأشكالهم الظاهريّة باختلاف أعمالهم الصالحة والفاسدة عند حضورهم في المحشر فتصبح هذه العلامات الظاهرية ميزاناً لمعرفة الفرد عند باقي الناس الموجودين في المحشر, وأما بالنسبة الى الله عز وجل فلا احتياج لأي علامة أو ميزان لأنه تعالى بكل شيء عليم, وقد وردت آيات وروايات متعددة حول ظاهر الأفراد في القيامة منها:
قوله تعالى: (( يعرَف المجرمونَ بسيمَاهم )) (الرحمن:41)
وقوله تعالى: (( وجوهٌ يَومَئذ مّسفرَةٌ ضَاحكَةٌ مّستَبشرَةٌ وَوجوهٌ يَومَئذ عَلَيهَا غَبَرَةٌ تَرهَقهَا قَتَرَةٌ )) (عبس:38 ـ 41)
وقوله تعالى: (( يَومَ تَبيَضّ وجوهٌ وَتَسوَدّ وجوهٌ )) (آل عمران:106)
وقوله تعالى: (( وَنَحشره يَومَ القيَامَة أَعمَى )) (طه:124)
وروى علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يحشر الله امتي يوم القيامة بين الأمم غراً محجّلين من آثار الوضوء) (دعائم الاسلام,1, 100)
وقال أبو عبد الله (عليه السلام): (ما من عبد يحشر الا وعيناه باكية إلا الباكين على جدي الحسين (عليه السلام)) (كامل الزيارات, 168)
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يحشر أمتي يوم القيامة على خمس رايات, فأول راية ترد على راية فرعون هذه الأمة وهو معاوية … وأما الخامسة فمعك يا علي تحتها المؤمنون وأنت امامهم) (الخصال: 575)
وقال علي (عليه السلام): (يحشر المرجئة عميانا) (علل الشرائع2/602)
وقال أبو جعفر (عليه السلام): (يحشر المكذبون بقدر الله من قبورهم قد مسخوا قردة وخنازير) (ثواب الأعمال: 212)
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الشاك في فضل علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحشر يوم القيامة من قبره وفي عنقه طوق من النار , فيه ثلاثمائة شعبة , على كل شعبة منها شيطان يكلح في وجهه ويتفل فيه) (الأمالي 145)
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يحشر المتكبرون في صور الذر يوم القيامة) (الفصول المختارة/95)
وورد عن البراء بن عازب قال: كان معاذ بن جبل جالساً قريباً من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في منزل أبي أيوب الأنصاري وسؤاله عن (( يَومَ ينفَخ في الصّور فَتَأتونَ أَفوَاجًا )) (النبأ:18)، فقال (صلى الله عليه وآله): (تحشر من أمّتي اشتاتاً قد ميّزهم الله تعالى من المسلمين وبدل صورهم, فبعضهم على صورة القردة, وهم القتات, وبعضهم على صورة الخنازير, وهم أهل السحت, وبعضهم منكسون أرجلهم من فوق ووجوههم من تحت ثم يسحبون عليها, وهم الآكلون الربا, وبعضهم عمى يترددون, وهم الجائرون في الحكم, وبعضهم بكم لا يعقلون, وهم المعجبون بأعمالهم, وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهم العلماء والقضاة الذين خالفت أعمالهم أقوالهم, وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم, وهم الذين يؤذون الجيران, وبعضهم مصلبون على جذوع من النار, وهم السعاة بالناس الى السلطان, وبعضهم أشد نتنا من الجيف, وهم الذين يتمتعون بالشهوات واللذّات ويمنعون حق الله في أموالهم, وبعضهم يلبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم, وهم أهل التجبر والخيلاء) (بحار الأنوار,108, 98).
صحيفة الأعمال:
بعد خروج الناس من القبور وإحضارهم الى موقف المحاكمة ووقوفهم بين يدي الله تعالى في يوم القيامة, تنشر الصحف فيأخذ كل انسان كتابه الذي دوّن فيه ما عمله من صغير وكبير, فمنهم من يفوز بتلقي الكتاب بيمينه ومنهم من يخسر ويتلقاه بشماله ويمكن تمييز الصالح من الطالح من خلال ميزان صحيفة الأعمال ووردت آيات وروايات حول هذه المسألة منها:
قوله تعالى: (( وَإذَا الصّحف نشرَت )) (التكوير:10)
وقوله تعالى: (( وَوضعَ الكتَاب فتَرَى المجرمينَ مشفقينَ ممَّا فيه وَيَقولونَ يَا وَيلَتَنَا مَال هَذَا الكتَاب لا يغَادر صَغيرَةً وَلَا كَبيرَةً إلا أَحصَاهَا وَوَجَدوا مَا عَملوا حَاضرًا )) (الكهف:49)
وقوله تعالى: (( فَأَمَّا مَن أوتيَ كتَابَه بيَمينه فسَوَف يحَاسَب حسَابًا يَسيرًا وَيَنقَلب إلَى أَهله مَسرورًا وَأَمَّا مَن أوتيَ كتَابَه وَرَاء ظَهره فسَوَف يَدعو ثبورًا وَيَصلَى سَعيرًا )) (الانشقاق:7ـ 11)
وقوله تعالى: (( انَّ رسلَنَا يَكتبونَ مَا تَمكرونَ )) (يونس:21)
وورد عن خالد بن نجيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (اذا كان يوم القيامة دفع الى الانسان كتابه, ثم قيل له: اقرأ, فقلت: فيعرف ما فيه؟ فقال: إن الله يذكره فما من لحظة ولا كلمة ولا نقل قدم ولا شيء فعله الا ذكره كأنه فعله تلك الساعة) (بحار الأنوار, 315,7)
وعن أبي جعفر (عليه السلام): (المؤمن يعطى كتابه بيمينه) (بحار الأنوار,7, 318)
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): (ان المؤمن يوم القيامة يعطى كتابا منشورا مكتوب فيه: كتاب الله العزيز الحكيم أدخلوا فلانا الجنة) (بحار الأنوار, 7, 325)
النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين:
إنّ اتباع النبي وأهل بيته (عليهم السلام) والسير على خطاهم والتخلّق بأخلاقهم والتمسّك بولايتهم والقرب المعنوي إليهم يعدّ ميزاناً لمعرفة الأشخاص في الدنيا وفي الآخرة, لأنّ من تقرب إليهم فقد تقرب الى الله والقرب والبعد من الله يتبع الإيمان والعمل الصالح، فلهذا اشارت الكثير من الروايات الى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته هم الميزان لأعمال العباد, منها:
قال الامام الباقر (عليه السلام): (مضيت مع والدي علي بن الحسين (عليه السلام) الى قبر جدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالنجف بناحية الكوفة, فوقف عليه ثم بكى, وقال: السلام على أبي الأئمة و….. وميزان الأعمال وسيف ذي الجلال و…). (مستدرك الوسائل, 10, 222)
وقال علي (عليه السلام): (انا موازين القسط ليوم القيامة) (حلية الأبرار, 2, 125)
وسئل الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى: (( وَنَضَع المَوَازينَ القسطَ ليَوم القيَامَة )) (الانبياء:47) قال: (الموازين الأنبياء والأوصياء) (الاعتقادات, 74).
ودمتم في رعاية الله