السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته
أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج١٠، ص(٢٣٦):
﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (٩٠)﴾
تبين هاتان الآيتان جانباً من قصة شخصيتين آخريين من أنبياء اللّه العظماء، وهما زكريا ويحيى (عليهما السلام). فتقول الأولى: وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين.
لقد مرت سنين من عمر زكريا، واشتعل رأسه شيبا، ولم يرزق الولد حتى ذلك الحين، ثم أنّ زوجته كانت عقيماً، وقد كان يأمل أن يرزق ولداً يستطيع أن يكمل مناهجه الإلهية وأعماله التبليغية، ولئلا يتسلط المنتفعون على معبد بني إسرائيل، فينهبوا منه أمواله وهداياه التي ينبغي إنفاقها في سبيل الله.
وعندئذ توجه إلى اللّه بكل وجوده وسأله ولداً صالحاً.. ودعا الله دعاء يفيض تأدبا، فبدأ دعاءه بكلمة "رب"، الرب الذي يشمل الإنسان بلطفه من أول لحظة.
ثم أكد زكريا (عليه السلام) على هذه الحقيقة، وهي أني إن بقيت وحيداً فسأُنسى، ولا أُنسى وحدي، بل ستنسى مناهجي وسيرتي أيضاً، أكد كل ذلك بتعبير لا تذرني من مادة (وذر) على وزن (مرز) بمعنى ترك الشيء لقلة قيمته وعدم أهميته.
وأخيراً فإن جملة وأنت خير الوارثين تعبر عن حقيقة أنه يعلم أن هذه الدنيا ليست دار بقاء، ونعلم أن الله خير الوارثين، ولكنه يبحث - من جهة عالم الأسباب - عن سبب يوصله إلى هذا الهدف.
فاستجاب اللّه هذا الدعاء الخالص الملئ بعشق الحقيقة، وحقق أمنيته وما كان يصبوا إليه، كما تقول الآية: فاستجبنا له ووهبنا له يحيى ومن أجل الوصول إلى هذا المراد أصلحنا زوجته وجعلناها قادرة على الإنجاب (وأصلحنا له زوجه).
ثم أشار اللّه سبحانه إلى ثلاث صفات من الصفات البارزة لهذه الأسرة فقال:
(إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) والخشوع هو الخضوع المقرون بالاحترام والأدب، وكذلك الخوف المشفوع بالإحساس بالمسؤولية.
إن ذكر هذه الصفات الثلاث ربما تكون إشارة إلى أنّ هؤلاء عندما يصلون إلى النعمة فلا يبتلون بالغفلة والغرور كما في الأشخاص الماديين من ضعفاء الإيمان، فهؤلاء لا ينسون الضعفاء المحتاجين على كل حال، ويسارعون في الخيرات، ويتوجهون إلى اللّه سبحانه في حال الفقر والغنى، والمرض والصحة، وأخيراً فإنهم لا يبتلون بالكبر والغرور عند إقبال النعمة، بل كانوا خاشعين خاضعين أبداً.
وأما سؤالكم الثاني نرجو إرساله بصورة مستقلة فضلاً منكم كي نكون في خدمتكم.
ودمتم موفقين.