logo-img
السیاسات و الشروط
maryam ( 17 سنة ) - العراق
منذ 8 أشهر

تفسير الطغيانين في القرآن الكريم

السلام عليكم ﴿وَقَضَيْنَا إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كبيرًا...عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً﴾ أيعتبر وعداً على أن بني اسرائيل سيطغون مرتين في الأرض؟ والمرة الأولى التي تحققت سابق العهد بقتلهم الأنبياء والصالحين؟ وممكن نعتبر طغيانهم الآن وسيطرتهم الباطنية على العالم مع احتلالهم لأرض القدس هو الطغيان الثاني؟ وإذا اعتبر هذا الطغيان الثاني فما يصير بعده؟


وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب ابنتي الكريمة، جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج٨، الصفحة(٤٠٧) وما بعدها: الإفسادان التأريخيان لبني إسرائيل: تحدثت الآيات أعلاه عن فسادين اجتماعيين كبيرين لبني إسرائيل، يقود كل منهما إلى الطغيان والعلو، وقد لاحظنا أنّ اللّه سلط على بني إسرائيل عقب كل فساد رجال أشداء شجعاناً يذيقونهم جزاء فسادهم وعلوهم وطغيانهم، هذا مع استثناء الجزاء الأخروي الذي أعده الله لهم. وبالرغم من اتساع تاريخ بني إسرائيل، وتنوع الأحداث والمواقف فيه، إلا أنّ المفسرين يختلفون في كل المرات التي يتحدث القرآن فيها عن حدث أو موقف من تاريخ بني إسرائيل وعلى سبيل التدليل على هذه الحقيقة نتعرض فيما يلي للنماذج الآتية: أولاً: يستفاد من تاريخ بني إسرائيل بأن أول من هجم على بيت المقدس وخربه هو ملك بابل "نبوخذ نصر" حيث بقي الخراب ضارباً فيه لسبعين عاماً، إلى أن نهض اليهود بعد ذلك لإعماره وبنائه. أما الهجوم الثاني الذي تعرض له، فقد كان من قبل قيصر الروم "أسييانوس" الذي أمر وزيره "طرطوز" بتخريب بيت المقدس وقتل بني إسرائيل، وقد تم ذلك في حدود مائة سنة قبل الميلاد. وبذلك يحتمل أن تكون الحادثتان اللتان أشارت إليهما الآيات أعلاه هما نفس حادثتي "نبوخذ نصر" و "أسييانوس" لأن الأحداث الأخرى في تاريخ بني إسرائيل لم تفن جمعهم، ولم تذهب بملكهم واستقلالهم بالمرة، ولكن نازلة (نبوخذ نصر) ذهبت بجمعهم وسؤددهم إلى زمن "كورش" حيث اجتمع شملهم مجدداً وحررهم من أسر بابل وأعادهم إلى بلادهم وأعانهم في تعمير بيت المقدس، إلى أن غلبتهم الروم وظهرت عليهم، وذهبت قوتهم وشوكتهم (١). لقد استمر بنو إسرائيل في مرحلة الشتات والتشرد إلى أن أعانتهم القوى الدولية الاستعمارية المعاصرة في بناء كيان سياسي لهم من جديد. ثانياً: أما "الطبري" فينقل في تفسيره عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن المراد في الفساد الأول هو قتل بني إسرائيل لزكريا (عليه السلام) ومجموعة أخرى من الأنبياء (عليهم السلام)، وأن المقصود من الوعد الأول، هو الانتقام الإلهي من بني إسرائيل بواسطة (نبوخذ نصر) وأما المراد من الفساد الثاني فهو الفوضى والاضطراب الذي قام به "بنو إسرائيل" بعد تحريرهم من بابل بمساعدة أحد ملوك فارس، وما قاموا به من فساد. أما الوعد الثاني، فهو هجوم "أنطياخوس" ملك الروم عليهم. وبالرغم من انطباق بعض جوانب هذا التفسير مع التفسير الأول، إلا أن راوي الحديث الذي يعتمد عليه "الطبري" غير ثقة، بالإضافة إلى عدم تطابق تاريخ "زكريا" و "يحيى" مع تاريخ "نبوخذ نصر" و "أسييانوس أو أنطياخوس" إذا يلاحظ أن "نبوخذ نصر" عاصر "أرميا" أو "دانيال" النبي كما يرى بعض المؤرخين، وقيامه قد تم في حدود (600) سنة قبل زمان يحيى (عليه السلام)، لذلك كيف يقال: إن قيام نبوخذ نصر كان للانتقام من دم يحيى (عليه السلام)؟! ثالثاً: وقال آخرون: إن بيت المقدس شيد في زمن داود وسليمان (عليهما السلام)، وقد هدمه "نبوخذ نصر" وهذا هو المقصود من إشارة القرآن إلى الوعد الأول. أما المرة الثانية، فقد بني فيها بيت المقدس على عهد ملوك الأخمنيين ليقوم بعد ذلك "طيطوس" الرومي بهدمه وخرابه (الملاحظ أن "طيطوس" يطابق "طرطوز" الذي ذكر في التفسير السابق) وقد بقي على خرابه إلى عصر الخليفة الثاني عندما فتح المسلمون فلسطين (٢). والملاحظ في هذا التفسير أنه لا يفترق كثيراً عما ورد في مضمون التفسيرين أعلاه. رابعاً: في مقابل التفاسير الآنفة والتفاسير الأخرى التي تتشابه في مضمون آرائها مع هذه التفاسير، نلاحظ أن هناك تفسيرا آخر يورده "سيد قطب" في تفسيره "في ظلال القرآن" يختلف فيه مع كل ما ورد، حيث يرى أن الحادثتين لم تقعا في الماضي، بل تتعلقان في المستقبل، فيقول: "فأما إذا عاد بنو إسرائيل إلى الإفساد في الأرض فالجزاء حاضر والسنة ماضية وإن عدتم عدنا" ثم يقول: "ولقد عادوا إلى الإفساد فسلط الله عليهم المسلمين فأخرجوهم من الجزيرة كلها. ثم عادوا إلى الإفساد وسلط الله عليهم عباداً آخرين، حتى كان العصر الحديث فسلط عليهم "هتلر" ولقد عادوا اليوم إلى الإفساد في صورة "إسرائيل" التي أذاقت العرب أصحاب الأرض الويلات. وليسلطن الله عليهم من يسومهم سوء العذاب، تصديقاً لوعد الله القاطع، وفاقاً لسنته التي لا تتخلف ... المزید وإن غدا لناظره قريب!" (٣). ولكن الاعتراض الأساسي الذي يرد على هذا التفسير، هو أن أيا منهما لم ينته بدخول القوم المنتصرين (على اليهود) إلى بيت المقدس حتى يخربوه؟ خامساً: الاحتمال الأخير الذي ورده البعض في تفسير الإفسادين الكبيرين لبني إسرائيل، يرتبط بأحداث ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث يقول هؤلاء: إن قيام الحزب الصهيوني وتشكيل دولة لليهود باسم "إسرائيل" في قلب العالم الإسلامي مثل الإفساد والطغيان والعلو الأول لهم، وبذلك فإن وعي البلاد الإسلامية لخطر هؤلاء الشعوب الإسلامية في ذلك الوقت إلى التوحد وتطهير بيت المقدس وقسماً آخر من مدن وقرى فلسطين، حتى أصبح المسجد الأقصى خارج نطاق احتلالهم بشكل كامل. أما المقصود من الإفساد الثاني حسب هذا التفسير، فهو احتلال اليهود مجدداً للمسجد الأقصى بعد أن حشدت "إسرائيل" قواها واستعانت بالقوى الدولية الاستعمارية في شن هجومها الغادر (عام 1967). وبهذا الشكل يكون المسلمون اليوم في انتظار النصر الثاني على بني إسرائيل، ليخلصوا المسجد الأقصى من دنس هؤلاء ويقطعوا دابرهم عن كل الأرض الإسلامية. وهذا ما وعد به المسلمون من فتح ونصر آت بلا ريب (٤). بالطبع هناك تفاسير وآراء أخرى في الموضوع صرفنا النظر عنها، ولكن ينبغي أن يلاحظ أن في حال اعتماد التفسيرين الرابع والخامس، ينبغي أن نحمل الأفعال الماضية في الآية على معنى الفعل المضارع. وهذا ممكن في أدب اللغة العربية، وذلك إذا جاء الفعل بعد حرف من حروف الشرط. ولكن يستفاد من ظاهر قوله تعالى: ﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً﴾ إن الإفساد الأول على الأقل والانتقام الإلهي من بني إسرائيل كان قد وقع في الماضي. وإذا أردنا أن نتجاوز كل ذلك، فينبغي أن نلتفت إلى أن قوله تعالى: ﴿بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد﴾ تفيد في أن الرجال الذين سيؤدبون "بني إسرائيل" على فسادهم وعلوهم وطغيانهم، هم رجال مؤمنون، شجعان حتى استحقوا لقب العبودية. ومما يؤكد هذا المعنى الذي غفلت عنه معظم التفاسير، هو كلمة "وبعثنا" و "لنا". ولكنا مع ذلك، لا نستطيع الادعاء أن كلمة "بعث" تستخدم فقط في مورد خطاب الأنبياء والمؤمنين، بل هي تستخدم في غير هذه الموارد أيضاً، ففي قصة هابيل وقابيل يقول القرآن الكريم: ﴿فبعث الله غراباً يبحث في الأرض﴾ (٥). وكذلك الحال في كلمة "عباد" أو "عبد" فهي تطلق في بعض الأحيان على الأفراد غير الصالحين من المذنبين وغيرهم، كما في الآية (٥٨) من الفرقان في قوله تعالى: ﴿وكفى به بذنوب عباده خبيراً﴾ والآية (٢7) من سورة الشورى، حيث يقول تعالى: ﴿ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض﴾ وفي خصوص المخطئين والمنحرفين نقرأ في الآية (١١٨) من سورة المائدة قوله تعالى: ﴿إن تعذبهم فإنهم عبادك﴾. ولكنا مع ذلك لا نستطيع أن ننكر - وإن لم تقم قرينة خلاف ذلك - أن العباد الذين بعثهم الله للانتقام من بني إسرائيل هم من العباد المؤمنين الصالحين. ودمتم موفقين. _________________________________ (١) يراجع تفسير الميزان، ج 13، ص 44 فما فوق. (٢) تفسير أبو الفتوح الرازي، ج ٧، ص ٢٠٩. (٣) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج 4، ص 2214 الطبعة العاشرة. (٤) يلاحظ هذا الرأي العدد (12) السنة (12) من مجلة " عقيدة ا لإسلام " وقد كتب البحث في عددين إبراهيم الأنصاري. (٥) المائدة، 31.

1