م/ مهنا - لبنان
منذ 4 سنوات

 مسائل تتعلق بواقعة الطف

بسم الله الرحمن الرحيم أنا أخوكم في الله من لبنان, وقد حدث شيء أريد أن أطلعكم عليه, وهو أن جمعية يعود دعمها إلى الحركة الوهابية وبعض الجمعيات المتعصبة في مصر يسمون جمعيتهم هنا في لبنان ب "جمعية الاستجابة" ومن انشطتها محاربة البدعة في مدينة صيدا والتي معظم سكانها من المذهب السني, وبعد أن انتشر مذهب أهل البيت في هذه المنطقة رأى هؤلاء محاربة المستبصرين ولذلك سخّروا الكثير من الامكانيات حتى يوقفوا هذا الانتشار ومن هنا بدأوا بطبع كتب مجانية وكتيبات وتوزيعها مجاناً على الناس حتى لا يتأثروا بالامتداد الشيعي, ولقد وقع بيدي كتاب كان يوزع في العاشر من المحرم, والآن هم يوزعون منه بمناسبة الأربعين لاستشهاد الامام الحسين عليه السلام وهذا الكتيب أسمه "البرهان الجلي في مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما" وبما أني إذا أرسلت هذا الكتيب في البريد سوف يأخذ وقتاً طويلاً, وللسرعة رأيت أن أرسله لكم طباعة هنا على البريد الالكتروني, وحتى ترسلوا لي الرد بالطريقة التي تروها, حتى ندافع عن هذا المذهب الأحق بعون الله. وهذا الكتيب كتب فيه: (( بويع يزيد للخلافة سنة ستين للهجرة, وكان له من العمر أربع وثلاثون سنة, ولم يبايع الحسين بن علي ولا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم. ذكر ابن كثير عن عبد الله بن مطيع وأصحابه أنهم مشوا إلى محمد ابن الحنفية ( محمد بن علي بن أبي طالب أخو الحسن والحسين ) فراودوه على خلع يزيد فأبى عليهم, قال: ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمرة ويترك الصلاة. وبلغ الخبر أهل العراق أن الحسين لم يبايع ليزيد, فأرسلوا إليه الرسل والكتب أنا قد بايعناك ولا نريد إلا أنت, حتى بلغت أكثر من خمسمائة كتاب كلها جاءت من الكوفة. فأرسل الحسين رضي الله عنه ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ليتقصى الأمور ويعرف حقيقة الأمر. فلما وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة جاء الناس أرتالاً يبايعون مسلماً على بيعة الحسين رضي الله عنه, فتمت البيعة عند أهل الكوفة للحسين. فما كان من يزيد إلا أن أرسل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ليمنع مسألة الحسين أن يأخذ الكوفة لكي لا تعود الأمور كما كانت قبل عام الجماعة فيرجع القتال بين أهل العراق وأهل الشام, ولم يأمر عبيد الله بن زياد بقتل الحسين. وبعد أن استقرت الأحوال وبايع الناس لمسلم بن عقيل, أرسل إلى الحسين رضي الله عنه أن أقدم وأن الجو قد تهيأ. فخرج الحسين رضي الله عنه من مكة في يوم التروية قاصداً الكوفة. فلما علم عبيد الله بن زياد بذلك أمر بقتل مسلم بن عقيل, فما كان من الأخير إلا أن خرج مع أربعة آلاف من أهل الكوفة وحاصر قصر بن زياد، إلا أن اهل الكوفة ما زالوا يتخاذلون عن مسلم بن عقيل حتى بقي معه ثلاثون رجلاً من أربعة آلاف, فقتل رحمه الله يوم عرفة. وكان الحسين رضي الله عنه قد خرج قاصداً العراق يوم التروية, وكان كثير من الصحابة نهوا الحسين عن الخروج، منهم أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباي وكذلك أخوه محمد بن الحنفية وابن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم. قال الشعبي: " كان ابن عمر بمكة, فلما علم أنه توجه إلى العراق لحق به إلى العراق على مسيرة ثلاثة أميال فقال: أين تريد ؟ فقال: العراق, وأخرج له الكتب التي أرسلت له من العراق وأنهم معه. فقال له: هذه كتبهم وبيعتهم. فقال ابن عمر: لا تأتيهم, فأبى الحسين إلا أن يذهب، فقال ابن عمر: إني محدثك حديثاً: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والأخرة فاختار الأخرة ولن يريد الدنيا وأنك بضعة منه, والله لا يليها أحد منكم أبدا ولا صرفها الله عنكم إلا الذي هو خير لكم, أبى أن يرجع, فاعتنقه ابن عمر فبكى وقال: استودعك الله من قتيل. وكلمه أبو سعيد الخدري, قال: " يا أبا عبد الله إني ناصح لك وإني عليكم مشفق وقد بلغنا أن قوما من شيعتكم قد كاتبوكم من الكوفة فلا تخرج إليهم فإني سمعت أباك يقول: والله إني مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني.... ولما علم عبيد الله بن زياد بقرب وصول الحسين أمر الحر بن يزيد التميمي أن يخرج بألف رجل ليلقى الحسين في الطريق, فلقيه قريباً من القادسية, وأخبره بخبر مسلم بن عقيل وأن أهل الكوفة قد خدعوك وخذلوك, فهم الحسين رضي الله عنه أن يرجع, فتكلم أبناء مسلم بن عقيل قالوا: " لا والله لن نرجع حتى نأخذ بثأر أبينا. عند ذلك رفض الحسين رضي الله عنه الرجوع. وأراد أن يتقدم فجاء الحر بن يزيد فسايره وقال: إلى أين تذهب يا أبن بنت رسول الله ؟ قال إلى العراق, قال: ارجع من حيث أتيت أو اذهب إلى الشام حيث يزيد بن معاوية ولكن لا ترجع إلى الكوفة. فأبى الحسين, ثم سار إلى العراق والحر بن يزيد يمنعه، فقال الحسين: ابتعد عني ثكلتك أمك, فقال الحر بن يزيد: والله لو غيرك قالها من العرب لاقتصصت منه ولكن ماذا أقول وأمك سيدة نساء العرب. فعند ذلك امتنع الحسين عن الذهاب. ثم جاءت مؤخرة الجيش وكان مقدارها أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص وواجهوا الحسين في مكان يقال له كربلاء. ولما رأى الحسين رضي الله عنه أن الأمر جد قال لعمر بن سعد إني أخيرك بين ثلاث فاختر منها ما تشاء, قال: ما هي ؟ قال الحسين: أن تدعني أرجع أو تتركني إلى ثغر من ثغور المسلمين أو تتركني أذهب إلى يزيد. وأرسل عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد بالخبر, فرضي عبيد الله بأي واحدة يختارها الحسين, وكان عند عبيد الله بن زياد رجل يقال له شمر بن ذي الجوشن, قال: لا حتى ينزل على حكمك, فقال ابن زياد: نعم حتى ينزل على حكمي بأن يأتي إلى الكوفة وأنا أسيره إلى الشام أو إلى الثغور أو أرجعه إلى المدنية, وأرسل عبيد الله شمر بن ذي الجوشن إلى الحسين, إلا أن الحسين أبى أن ينزل على حكم ابن زياد. فتوافق الفريقين وكان مع الحسين اثنان وسبعون فارسا قال الحسين لجيش بن زياد: راجعوا انفسكم وحاسبوها هل ينفعكم مثل هذا القتال وانا ابن بنت نبيكم وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ولأخي: سيدا شباب أهل الجنة. فانضم الحر بن يزيد إلى الحسين, فقيل له: كيف جئت معنا أمير المقدمة والآن تذهب إلى الحسين ؟ قال: ويحكم والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار والله لأختار الجنة على النار لو قطعت وأحرقت. وبات الحسين تلك الليلة يصلي ويدعو الله ويستغفر هو ومن معه, وكان جيش بن زياد بقيادة الشمر بن ذي الجوشن يحاصره ومن معه فلما أصبح الصبح شب القتال بين الفريقين, وذلك لأن الحسين رفض أن يستأثر عبيد الله بن زياد. ولما رأى الحسين بأنه لا طاقة لهم بمقاتلة هذا الجيش, أصبح همهم الوحيد الموت بين يدي الحسين رضي الله عنه, فأصبحوا يموتون الواحد تلو الآخر, حتى فنوا جميعاً, لم يبق منهم أحد إلا الحسين بن علي رضي الله عنهما, وبقي بعد ذلك نهاراً طويلاً لا يقدم عليه أحد حتى يرجع, لأنه لا يريد أن يبتلي بالحسين, فعند ذلك صاح الشمر بن ذي الجوشن: ويحكم ما حل بكم أقدموا نحو الحسين فقتلوه, كان ذلك في العاشر من محرم سنة 61 هجرية, والذي باشر بقتله أنس بن سنان النخعي, وقيل أنه الشمر بن ذي الجوشن. قتل مع الحسين كثير من أهل بيته وممن قتل من أولاد علي بن أبي طالب: الحسين وجعفر بن علي والعباس وأبو بكر وعثمان ومحمد ثمانية عشر رجلاً كلهم من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما بلغ يزيد قتل الحسين ظهر التوجع عليه وظهر البكاء في داره, ولم يسب لهم حريماً أصلاً, بل أكرم أهل البيت وأجازهم حتى ردهم إلى ديارهم. يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: " لم يكن في خروج الحسين لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا، أي أن خروجه ما كان سليماً, لذلك نهاه كبار الصحابة عن ذلك, يقول: بل يمكن أولئك الطغاة من سبط النبي صلى الله عليه وسلم وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن ليحصل لو بقي في بلده, ولكنه أمر من الله تعالى وقدر الله كان ولو لم يشأ الناس. وطبعاً مقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء, وقد قدم رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام لبغي ونشر زكريا وأرادوا قتل موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام وكذلك قتل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين, وهؤلاء كلهم أفضل من الحسين, ولذلك لا يجوز إذا جاء ذكرى الحسين اللطم والشطم وما شابه ذلك, بل هذا منهي عنه, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب" والواجب على الانسان المسلم أمثال هذه المصائب أن يقول كما قال تعالى: (( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون )) . اللهم ارحم شهداء آل البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر شهداء وموتى المسلمين واحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن واجمعنا على كتابك المنزل وعلى سنة نبيك المرسل صلى الله عليه و وآله وصحبه وسلم... )). انتهى نص الكتيب. هذا النص أضعه بين يديكم الكريمة, وبأذن الله ترون كيف تردون عليهم ولكم الأجر والثواب.


الأخ م/مهنا المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إن شبيه هذا الكتاب الذي أرسلتموه تم توزيعه في الكويت وغيرها من الدول التي يحيي فيها الشيعة مراسم عاشوراء, وقد تصدى (الشيخ عبد الله حسين) للرد عليه رداً علمياً, ولأهميته نورده اليكم بنصّه, إذ فيه فوائد كثيرة ونكات ظريفة, قال: إن نعم الله تعالى على أمة الإسلام أكثر من نعمه على جميع الأمم.. فقد حظيت هذه الامة بمقومات تجعلها أفضل أمة, فدينها مرضي عند الله, وقرآنها لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, ورسولها أكرم خلق الله عنده تبارك وتعالى, ولكن.. وعلى رغم تلك النعم الإلهية المباركة فإن تاريخ هذا الدين العظيم يصدم قارئة بما يحويه بين دفتيه مما تعرض له المسلمون من ظلم وقتل وسبي وتشريد. بل الأدهى من ذلك أن رسول الله (ص) نفسه لم يسلم من الأذى والتكذيب عليه, وأما آله فقد سامهم بعض من ادعى الاسلام ألوان العذاب والإضطهاد, حى كأن الله قد أوصى الأمة بقتلهم لا بمودتهم واتباعهم. ويتضح ذلك بجلاء في مصاب رسول الله (ص), بقتل سبطه سيد الشهداء الإمام الحسين (ع), فقد ارتكبت حكومة بني أمية أسوأ جريمة في حقه عليه السلام وحق أهل بيته وكوبة أصحابه الذين قل نظيرهم على هذه الأرض, وسجل لنا التاريخ ذلك ونقله إلينا المؤرخون والمحدثون بما يندى له الجبين! لقد اهتزت الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها لقتل الإمام الحسين عليه السلام, في عصره وفي كل العصور.. على اختلاف مذاهبها ومشاربها... لكن للأسف أن هناك شرذمة لا يتعاطفون من أهل البيت (ع), بل كانوا يرصدون - كما ينقل ابن كثير وابن عساكر - لشيعة أهل البيت (ع) ومحبيهم ويسفكون دماءهم ويحبسوهم ليمنعوهم حتى من إظهار الحزن, كما حدث في بغداد في أحداث دامية في أيام تسلطهم. وقد حالت بعد ذلك رحمة الله زمنا بين تلك الشرذمة وما يفعلون من إثارة الفتن, وبدأنا نلمس من المنصفين من اخواننا من أهل السنة التعاون الجميل والتعاطف النبيل مع إخوانهم الشيعة في أيام العزاء, بل إن بعضهم ليشارك ويحترم تلك الأيام كما شيعة أهل البيت (ع), ولكن بوادر الشيطان قد ظهرت, فعادت الشرذمة للظهور, وجاءوا بقلوب قاسية وعقول خاوية يريدون النيل من هذا التعاون وهذه الألفة بين المسلمين, ليفرقوا صدورا مؤتلفة على محبة أهل البيت (ع), وهذا دين النواصب أني كانوا, فلا غرابة ولكن الواجب يقتضي توعية الجميع تجاه سمومهم التي ينشرونها باسم الدين, لذا كانت هذه السطور. الهدف من هذه الرسالة قد أثبتت الأيام بأن كثيرا من أهل السنة يتعاطفون مع مصاب أهل البيت (ع) كما الشيعة, بل ويتوسلون بهم, فهؤلاء يحيطون بمراقد أهل البيت (ع) في المدينة المنورة والعراق ومصر وخراسان, متوسلين باكين متباركين مما أوغر صدورا خصبة يرتع فيها الشيطان, فجاء أولئك الجهلة وقد اختلط عليهم الامر ليهدموا تلك العلاقة بين المسلمين وأهل البيت المطهرين (ع). إننا نعتقد جازمين بأن المنصفين من أهل السنة لا يقيمون وزنا لأمثال اولئك المتعصبين الذين يتقنون رسم النصوص دون أن يعوها, وحمل الأسفار دون أن يفهموها. حيث يلاحظ الجميع تلك المنشورات الخبيثة التي توزع في أيام عزاء سيد الشهداء وإحياء ذكرى مصابه, منددة بمثل هذه الشعائر الإسلامية مفرقة بيننا كمسليمن. يستغل أصحابها اختلافنا في الإجتهادات, غافلين عن اجتماعنا على محبة أهل البيت (ع) الذين نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم. من الذي يفرق بين المسلمين؟ إننا لنعجب ممن ينشر تلك المنشورات, فبينما يجعل كاتبهم عنوان منشوره البغيض بعبارة ( لماذا يزرع الشقاق بين المسلمين سنويا) إلا أنه يغفل عن أنه هو زارع الفرقة بما عحويه مشوراته من مغالطات وأكاذيب, فيا عجبا لهذا الكاتب الجاهل الذي يعتبر إقامة مظاهر الحزن على الحسين (ع) زرعا للشقاق بين المسلمين, ويغفل عن أنه غارق في إيذاء المسلمين ينشر أكاذيبه في كل سنة. وللمتابع أن يلاحظ أن الشيعة منذ زمن طويل يقيمون الشعائر والمراسم الحسينية في الحسينيات العامرة بجوار إخوانهم السنة وفي قلب مناطقهم بكل رحابة صدر, فأي شقاق تحقق لولا بروز تلك الدعوات الشاذة ؟ نعم إن بذر الشقاق تزامن مع ظهور بعض العقليات السلفية المتحجرة في مجتمع عرف بالتسامح والمودة ؟ ولو أن هذا الكاتب الجاهل يعلم ما يدور في هذه الحسينيات من تربية وتعليم ونصح وتذكير, ومفاهيم أخلاقية تبني الإنسان المؤمن ليؤمن شر لسانه ويده وقلبه ببركة هذه الحسينيات, ولساهم بنفسه في إعمار هذه الشعائر كغيره من أهل السنة والشيعة المحبين لأهل البيت (ع), ولكن كيف ذلك ؟ وهل يرجى القبول بالحق ممن سيطر عليه قرينه؟ المنشور الأسود تناولت الشرذمة المتسلفة في منشورها قصة مقتل الحسين (ع), وأظهروا قراطيسهم بمظهر البحث العلمي في عرض ذلك الحدث الأليم, ولكن من خلال الأسطر التالية التي نكتبها سيتبين لك أيها القارئ مدى الجهل الذي يعيشونه في معرفة التاريخ الإسلامي وانقيادهم لبعض مشايخهم المتعصبين دون دراسة أو تمحيص لمصادر التاريخ ومجرياته, وسيتبين لك من خلال هذه المناقشة أنهم انتقائيون في قراءتهم للتاريخ قائدهم الهوى, فلا أصول علمية عندهم ولاهم يحزنون! وهنا نتعرض لنقاط وردت في إحدى تلك المنشورات مع بعض الردود الكافية لفضح تعصبهم, والله المستعان. 1- لماذا لم يتخذ يوم وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) مأتما ؟ في البدء ذكر الكاتب قول ابن كثير: "ورسول الله سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة, وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما". نقول: إن هذا الكاتب وأمثاله يتغافلون عن الحق, فالشيعة يحيون ذكرى وفاة الرسول (ص) وعلي (ع) وغيره من الأئمة. وإن كان يقصد التميز الموجود في إحياء ذكرى سيد الشهداء (ع) فليعلم أن ذكرى شهادة الإمام الحسين (ع) هي ذكرى مأساة لا مثيل لها, فقتله جريمة عالمية نظهر موقفنا منها وبراءتنا ممن قتل سبط الرسول وحبيبه, ونعلن أننا نواليه وندين ما فعله أعداؤه. إن زيارة خاطفة يقوم بها أي من المنصفين لهذه المجالس ودور العبادة والحسينيات المباركة, يجد أننا نبكي على رسول الله (ص) وأهل بيته جميعا ونتبرك بذلك, فليس البكاء مخصوصا للحسين (ع), هذا فضلا عن الأحاديث النبوية وعن أهل البيت عليهم السلام التي تبين خصوصية ظلامة الحسين عليه السلام وأهميتها عند الرسول وأهل بيته, فتحن نتأسى بهم. 2- ظهور الكرامات عند مقتل الحسين (عليه السلام) قال الكاتب:" ولاذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأمور المتقدمة" نقول: أن هذا جهل من الكاتب, أو كذب مبين, فإن الأحاديث والنصوص في كتبهم ذكرت حدوث ظواهر كونية في ذلك اليوم, وقد كذب من قال أنه لم يتحقق في السابقين شيء من تلك الأمور, فهذا ابن كثير نفسه يقول في تفسيره ج3 ص28" وقد روى ابن جرير... عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم ثم أتى دمشق فوجد بها دما يغلي على كبا فسألم ما هذا الدم ؟ فقالوا: أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر قال فقتل على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم فسكن, وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب وهذا هو المشهور". وقال في كتابه ( قصص الأنبياء ) ص416:"وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام... عن سعيد بن المسيب قال: قدم بختنصر دمشق فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي فسأل عنه فأخبروه فقتل على دمه سبعين ألفا فسكن, وهذا إسناد صحيح إلى.. سعيد بن المسيب وهو يقتضي أنه قتل بدمشق وإن قصة بختنصر كانت بعد المسيح كما قاله عطاء والحسن البصري... فالله أعلم. ثم روى قصة مقتل يحيى عن ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز عن قاسم مولى معاوية ثم قال:" قال سعيد بن عبد العزيز: وهي دم كل نبي, ولم يزل يفور حتى وقف عنده أرميا (ع) فقال: أيها الدم أفنيت بني إسرائيل فاسكن بإذن الله فسكن..." جريمة قتل الحسين (ع) وجريمة قتل نبي الله يحيى (ع)! إن الروايات الصحيحة الواردة في مصادر السنة تقارن بين جريمة قتل يحيى عليه السلام وقتل الحسين (ع) فقد روى الحاكم في مستدركه ج3 ص178 (195) بستة طرق عن أبي نعيم: ثنا عبدالله بن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رض) قال: " أوحى الله تعالى إلى محمد (ص) إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين الفا", إن هذه الحديث الشريف يعتبر قتل الحسين عليه السلام خطرا عظيما يعادل قتل نبي الله يحيى عليه السلام!!! فكيف يصح لمن يدعي العلم أن ينكر الظواهر الكونية يوم مقتل الحسين (ع) ويستنكر البكاء على الحسين ؟!!! وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل:" إني قتلت على دم يحيى بن زكريا وإينا قاتل على دم ابن ابنتك". قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد صححه الذهبي في التلخيص على شرط مسلم. إن المنصف يرى أن قتل الحسين عليه السلام وبشهادة حده المصطفى صلى الله عليه وآله جريمة عظيمة من جرائم التاريخ البشري, أراد تعالى أن يخلدها كما هو الحال في جريمة قتل نبي الله يحيى (ع), إذ لا يقل الحسين (ع) عن خاصة أولياء الله كما هو واضح في الأحاديث النبوية الشريفة. 3- مقتل الامام الحسين عليه السلام قال الكاتب مدعيا أنه ينقل قصة مقتل الإمام الحسين كما أثبتها الثقات من أهل العلم:" بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية وذلك سنة 60هـ فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة وذلك أنهم لا يريدون يزيد ولا أباه ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر إنهم لا يرون إلا عليا وأولاده". نقول: أولا: لم يحدد الكاتب المصدر الذي اعتمده, وهذا أول التدليس! فأين الثقاة الذين قال إنه ينقل عنهم ؟!! ثانيا: حاول الكاتب أن يظهر أن قتلة الحسين هم الشيعة الذين يرفضون أبا بكر وعمر وأنهم لايريدون إلا عليا وأولاده. والجواب: أنهم شيعة آل أبي سفيان كما خاطبهم الإمام الحسين عليه السلام, وهذه بعض النصوص التي تبين مذهب أهل الكوفة في ذلك الزمن, فقد نقل ابن بطة أحد علماء السنة في ( المنتقى ) ص360: "عن عبد الله بن زياد بن جدير قال: قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفه قال لنا شمر بن عطية: قوموا إليه فجلسنا إليه فتحدثوا فقال أبو إسحاق: خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما وقدمن الآن وهم يقولون ويقولون ولا والله ما أدري ما يقولون". وقال محب الدين الخطيب في حاشية المنتقى:"هذا نص تاريخي عظيم في تحديد تطور التشيع فإن أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفه وعالمها ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان قبل شهادته بثلاث سنين وعمر حتى توفي سنة 127هـ وكان طفلا في خلافة أمير المؤمنين علي...". إذا, فأبو إسحاق شيخ الكوفة وعالمها كان يبلغ من العمر ثمان وعشرين عاما في سنة استشهاد الإمام الحسين (ع), ومنه نفهم بأن الناس في الكوفة - في ذلك العام بالذات - كانوا على حسب قوله: " ليس منهم أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما", وبناءا على ذلك فالذين كاتبوا الإمام الحسين (ع) ثم خانوه وقتلوه لم يكونوا شيعة يقدمون علي بن أبي طالب (ع) على أبي بكر وعمر. وقد ذكر التاريخ أن عبيد الله بن زياد قد سجن الشيعة المخلصين للإمام الحسين عليه السلام, حتى امتلأت سجونه منهم.. فهؤلاء هم الشيعة في ذلك الوقت! ولذا قال الذهبي في (ميزان الإعتدال ) ج1 ص5: "التشيع بلا غلو ولا تحرف فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة... فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه وتعرض لسبهم". هذا ما يرد كلامه من نصوص السنة, وأما من نصوص الشيعة: فمنه ما ذكره الكليني في ( روضة الكافي ) ص50 في خطبة لأمير المؤمنين (ع) قال عنها العلامة المجلسي في مرآة العقول ج25 ص131: "إن الخبر عندي معتبر لوجوه ذكرها محمد بن سليمان في كتاب ( منتخب البصائر )": عن سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين (ع)... فقال: " قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (ص) متعمدين لخلافه, ناقضين لعهده مغيرين لسنته ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله (ص) لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله وسنة رسول الله (ص)... إذا لتفرقوا عني والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري من يقاتل معي: يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر, ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ما لقيت من هذا الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار". وهذا يثبت للقارئ بأن أكثرية الذين راسلوا الحسين (ع) من أهل الكوفة لم يكونوا ممن يقدمونه على غيره كما يفغل الشيعة الموالون, كيف وأهل الكوفة لم يقدموا عليا (ع) على الخليفتين وهو أولى بالتقديم من الحسين (ع) ؟ وهذا يخالف ادعاء الكاتب, الذي ينسب كلامه للثقات من أهل العلم, ولم يذكر مصدرا واحدا يثبت مزاعمه الباطلة!! 4- الصحابة ومنعهم الامام الحسين (عليه السلام) عن الخروج: قال الكاتب: "وحاول منعه كثير من الصحابة ونصحوه بعدم الخروج مثل ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد الخدري وابن عمرو وأخيه محمد بن الحنفية وغيرهم ". وندعو القارئ هنا لتفحص حقيقة كلام الكاتب: نقول: لو كانت هناك فطرة سليمة لقيل إنه يجب على الصحابة الذين ذكروا نصرة الإمام الحسين (ع) وطاعته, لا أنه يجب عليه أن يطيعهم كما يطلب الكاتب!! فنحن نعرف أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر المسلمين بأن أمته سوف تقتل ولده الحسين في كربلاء! وكان الحسين والصحابة يعلمون بذلك ؟ نعم, الحسين كان أدرى من غيره بما سيحدث له بإخبار مسبق من رسول الله صلى الله عليه وآله, وروايات الشيعة والسنة تؤكد ذلك, فهذه عمرة بنت عبد الرحمن كما ذكر ابن كثير في ج8 ص176 ترسل إليه تطلب منه عدم الخروج وتقول: "أشهد لسمعت عائشة تقول إنها سمعت رسول الله (ص) يقول: " يقتل الحسين بأرض بابل", فلما قرأ كتابها قال: فلا بد لي إذا من مصرعي ومضى ". وذكر أيضا في ص180 قال (ع) للفرزدق " لو لم أعجل لأخذت". وكذلك ما رواه في ص183 عن يزيد الرشك من قوله (ع):" ولا أراهم إلا قاتلي"! وعن معاوية بن قرة أن الإمام الحسين قال: "والله لتعتدن علي كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت وعن جعفر الضبعي عنه (ع): " والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي:. وذكر ابن كثير في ص 185 قول الإمام الحسين لمن طلب منه الرجوع: " إنه ليس بخفي علي ما قلت وما رأيت ولكن الله لا يغلب على أمره, ثم ارتحل قاصدا الكوفة فخروج الحسين عليه السلام كان بعلم منه بقتله, بل كان يعلم بتفاصيل مقتله الشريف أيضا. وأما نصائح من ذكرهم الكاتب, فنقول: - نصيحة ابن عباس للإمام الحسين (عليه السلام): نقل ابن كثير ج8 ص172 عن ابن عباس قال: "استشارني الحسين بن علي في الخروج فقلت لولا أن يزري بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب فكان الذي رد على أن قال لأن أقتل في مكان كذا وكذا أحب إلى من أن أقتل بمكة قال فكان هذا الذي سلى نفسي عنه". إذا, فقد استسلم ابن عباس لرأي الحسين عليه السلام عندما علم أن بني أمية قد عزموا على قتله أينما كان, وأن خروجه إنما هو لئلا يستحل بيت الله الحرام, وتفهم ابن عباس موقف الحسين عليه السلام! وبهذا يظهر لك زيف قول الكاتب إن ابن عباس نهاه ومنعه!! روى الحاكم عن ابن عباس (رض) قال أوحى الله تعالى إلى محمد (ص):" إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا", هذا لفظ حديث الشافعي, وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل:" إني قتلت على جم يحيى بن زكريا وإني قاتل على دم بن ابنتك" وقد مر تصحيح الحاكم والذهبي للحديث, وهذا الحديث له دلالة عظيمة جدا بمكانة الإمام الحسين (ع) عند الله تعالى, لا ينالها إلا صاحب حق, وإلا فهل يدعي الكاتب أن المخطىء الذي كان في خروجه فساد عظيم.. يقارنه الله بيحيى النبي (ع), بل يغضب له غضبا يفوق غضبه وانتقامه له ؟ البصير يفهم.. وأما عمى القلب فمرض عضال. ونقل الحاكم أيضا في (المستدرك) ج4 ص439 (8201) عن ابن عباس (رض) قال:" رأيت النبي (ص) فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم فقلت: يا نبي الله ما هذا ؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم, قال: فأحصي ذلك اليوم فوجدوه قتل قبل ذلك بيوم", قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه, وقال الذهبي على شرط مسلم. قال ابن كثير في تاريخه ج8 ص217:"وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا محمد بن هارون أبو بكر ثنا سعيد بن عبد الملك أبو واقد الحراني ثنا عطاء بن مسلم ثنا أشعث بن سحيم عن أبيه قال: سمعت أنس بن الحارث يقول سمعت رسول الله (ص) يقول:"إن ابني - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد منكم ذلك فلينصره ". قال خرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقتل مع الحسين. ويظهر من ابن حجر في ترجمة أنس بن الحارث ج1 ص68 من كتابه (الإصابة) قبوله للرواية قال:" قتل مع الحسين بن علي سمع النبي (ص) قاله محمد عن سعيد بن عبد الملك الحراني عن عطاء بن مسلم حدثنا أشعث بن سحيم عن أبيه سمعت أنس بن الحارث ورواه البغوي وابن السكن وغيرهما من هذا الوجه ومتنه سمعت رسول الله (ص) يقول إن ابني هذا يعني الحسين يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد منهك فلينصره قال فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقتل بها مع الحسين قال البخاري يتكلمون في سعيد يعني راويه وقال البغوي لا أعلم رواه غيره وقال ابن السكن ليس يروى إلا من هذا الوجه ولا يعرف لأنس غيره, قلت وسيأتي ذكر أبيه الحارث بن نبيه في مكانه ووقع في التجريد للذهبي: لا صحبة له وحيثه مرسل وقال المزي له صحبه فوهم, انتهى. ولا يخفى وجه الرد عليه مما أسلفناه وكيف يكون حديثه مرسلا وقد قال سمعت وقد ذكره في الصحابه البغوي وابن السكن وابن شاهين والدعولي وبن زير والباوردي وابن مندة وأبو نعيم وغيرهم ". انتهى كلام ابن حجر. والبخاري إن عبر عن سعيد بقوله " يتكلمون في سعيد" وهي تفيد بأنه غير جازم بشيء ضده, لكن ابن حبان ذكره في كتابه الثقات: ح8 ص 267. فهل يأمر رسول الله (ص) ينصة شخص مخطىء, أم هو التعصب الذي دعا الكاتب إلى إنكار كون أنس من الصحابة, وذلك كطريق وحيد لرد الرواية وما يترتب عليها. - نصيحة ابن عمر, المزعومة! أما عبد الله بن عمر فقد كان معروفا بمبدأ الخصوع للحاكم مهما كان, حيث بايع يزيد وهم يعلم أنه شارب الخمور مرتكب الفجور.. ولم يترك هذا المبدأ إلا عند بيعة الأمة لعلي أمير المؤمنين (ع) الذي هو من هو, ( راجع ابن كثير ج7 ص253), وقد ندم على فعله! فالذي يندم على أفعاله, ويبايع يزيد مع أقل تهديد, كيف يعتد الإمام الحسين (ع) بموقفه ونصحه ؟ كما أن ما ذكروه عن نصيحة أبي سعيد الخدري وغيره غير ثابت, وحتى لو ثبت, فقد عرفت أن الإمام الحسين عليه السلام يعمل بما أمر به جده المصطفى صلى الله عليه وآله, الذي لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى! -نصيحة ابن الزبير المزعومة وأما خلط الكاتب نصيحة ابن الزبير بجملة النصائح فعجب من القول, لأن مصادر التاريخ تذكر عكس ذلك فقد كان ينصح الإمام الحسين (ع) أن يخرج إلى العراق, وقد نقل ابن كثير ج8 ص172 قول ابن الزبير: " أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت عنها فلما خرج من عنده قال الحسين: قد علم ابن الزبير فأنه ليس له من الأمر معي شيء وأن الناس لم يعدلوا بي غيري فود أني خرجت لتخلو له ", ونقل في ص 175:" ولزم ابن الزبير الحجر ولبس المعافري وجعل يحرض الناس على بني أمية وكان يغدو يروح إلى الحسين ويشير إليه أن يقدم العراق ويقول: هم شيعتك وشيعة أبيك". حتى ظن أبو سلمة بن عبد الرحمن بأن الحسين خرج متأثرا بكلام ابن الزبير, ففي ص 176 أورد بن كثير: " وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: وقد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم ولكن شجعه على ذلك ابن الزبير, وكتب إليه المسور بن مخرمة:" إياك أن تغتر بكتب أهل العراق وبقول ابن الزبير الحق بهم فإنهم ناصروك". ومن مسلمات التاريخ أن ابن الزبير لم يكن يوما ما ناصحا للإمام الحسين (ع) بل قد أثبت ابن كثير في تاريخه ج8 ص178 قول بن عباس لابن الزبير وهو مغضب: "يابن الزبير قد أتى ما أحببت قرت عينك هذا أبو عبد الله خارج ويتركك والحجاز", وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء ج3 ص297: " فقال ابن عباس للحسين لولا أن يزري بي وبك لنشبت يدي في رأسك ولو أعلم أنك تقيم إذا لفعلت ثم بكى وقال أقررت عين ابن الزبير ثم قال بعد لابن الزبير: قد أتى ما أحببت أبو عبد الله يخرج إلى العراق ويتركك والحجاز يا لك من قنبرة بمعمر ***** خلا لك البر فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري ***** صيادك اليوم قتيل فابشري - نصيحة ابن عمرو المزعومة لا أصل لها: من أين جاء الكاتب بهذه النصيحة المدعاة ؟! فلم يذكر التاريخ أي لقاء تم بين الحسين (ع) وعبد الله بن عمرو, بل ينقل ابن كثير ج8 ص173 خلاف ذلك عن يحيى بن معين حدثنا أبو عبيدة ثنا سليم بن حيان عن سعيد بن مينا قال سمعت عبد الله بن عمرو:" عجل حسين قدره والله لو أدركته ما تركته يخرج إلا أن يغلبني". والكاتب يقول رواه يحيى بن معين بسيند صحيح ويتغافل عن سند ابن كثير إلى يحيى بن معين في حين أن سند يحيى كما في ابن عساكر مضطرب فيقول في ( تاريخ دمشق ) ج14 ص202 يحيى بن معين ثنا أبو عبيدة ثنا سليم بن حيان قال الحراني: سليمان بن سعليد بن مينا قال سمعت عبد الله بن عمر يقول: " عجل الحسين قدره..." نعم قال المحقق: بالأصل عمرو والمثبت عن الترجمة المطبوعة, والمهم هنا أن سليم ينقل عن سليمان بن سعيد لا سعيد بن مينا, فضلا عن وجود نسخ أنه ابن عمر لا عمرو. بل أن الفرزدق يروي خلاف ذلك كما في طبقات ابن سعد ( ترجمة الإمام الحسين ) وهو من الجزء الذي طبع على حجه بتحقيق السيد الطباطبائي ص63 عن الفرزدق: "قال لما خرج الحسين بن عليه رحمه الله لقيت عبد الله بن عمرو فقلت له: إن هذا الرجل قد خرج فما ترى ؟ قال: أرى أن تخرج معه, فإنك إن أردت الدنيا أصبتها وإن أردت الآخرة أصبتها", فمن أين احتطب الكاتب هذه النصيحة والمنع المزعوم ؟!! - نصيحة محمد بن الحنفية: روى ابن سعد ما ذكره ابن عساكر في ج14 ص211: "وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك حسينا بمكة وأعلمه أن الخروج ليس له برأي". ولكن ما يرويه الطبري يختلف عن ذلك فقد ذكر في ج4 ص253 أنه قال:"تنح بتبعتك عن يزيد بن معاوية عن الأمصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فإن بايعوا لك حمدت الله على ذلك وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك...". وبهذا يتضح أن محمد بن الحنفية لم يخالفه في أصل الخروج ولكن اقترح تفاصيل أخرى, فأجابه الحسين (ع):" يا أخي قد نصحت فأشفقت فأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا". هذا وللحسين جواب شامل لكل من عارضه على الخروج هو ما ذكره ابن كثير في ج8 ص176 في رده على عبد الله بن جعفر الذي كتب له كتابا يحذره من أهل العراق ويناشده الله إن شخص إليهم فكتب إليه الحسين: "إني رأيت رؤيا ورأيت رسول الله (ص) أمرني بأمر وأنا ماض له ولست بمخبر بها أحدا حتى ألاقي عملي". الامام الحسين عليه السلام وأهل الكوفة يظن البعض بأنهم يعرفون ما لا يعرفه الإمام الحسين عليه السلام في شأن أهل الكوفة, وكيف يخفى على الحسين (ع) تذبذب نفوس أهل الكوفة وقد عاشرهم إبان حياة أمير المؤمنين علي (ع), ولم ينس قوله فيهم:" اللهم إني قد مللتهم وملوني" وقوله:"يا أشباه الرجال ولا رجال". وقد كانت خيانتهم للحسن عليه السلام على مرأى من عينيه, ولازال الحسين يسمع صدى دعاء علي (ع) عليهم. وقد صرح عليه السلام بأنه ذاهب إلى الشهادة كما نقلنا, فادعاء الكاتب أن خروجه من أجل الدنيا والسلطة قدح في طهارة الحسين عليه السلام وتكذيب لجده المصطفى صلى الله عليه وآله بأنه سيد شباب أهل الجنة. وسوف يسأل الكاتب عن هذا الظلم والعداء لأهل بيت النبي الطاهرين. 5- النهضة الحسينية لم تكن نتيجة ضغط من أبناء مسلم بن عقيل قال كاتب المنشور:" وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الرسول الذي أرسله مسلم فهم الحسين بالرجوع فامتنع أبناء مسلم وقالوا لا ترجع حتى نأخذ بثأر أبينا فنزل الحسين على رأيهم ". ونقول: اولا: الرواية ضعيفة السند إذ فيها خالد بن يزيد بن عبد الله القسري, وقد قال عنه الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) ج9 ص410: "وكان صاحب حديث ومعرفة وليس بالمتقن ينفرد بالمناكير. قال أبو جعفر العقيلي: لا يتابع على حديثه, وقال أبو حاتم: ليس بقوي, وذكره ابن عدي... وقال: أحاديثه لا يتابع عليها لا إسنادا ولا متنا ", فعبارة "فهم بالرجوع " من منكرات خالد هذا. ثانيا: استغل الكاتب خطأ في تاريخ ابن كثير, فسعى أن يوهم أن كلمة " لاترجع" إنما هي أمر من أبناء مسلم بن عقيل للإمام الحسين (ع) فهم الذين أجبروه على الإستمرار. ولكن بالرجوع إلى ما نقله الطبري وسائر المؤرخين, نرى أن أبناء مسلم قالوا:" والله لانرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل ", ثم قال الإمام (ع): "لا خير في الحياة بعدكم" فسار, رواه الطبري في تاريخه ج4 ص292, وابن حجر في الإصابة ج2 ص16, والمزي في تهذيب الكمال ج6 ص427, ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ج3 ص308. ولكن الكاتب بنى على هذه الكلمة "لا نرجع" المنقوله خطأ بلا من "لا نرجع", وأضاف عبارة:"فنزل الحسين على رأيهم" ولم يذكر هذا أحد من المؤرخين على الإطلاق.. وهذا جهل, أو تعمد لتحريف الحقائق! ثالثا: وأما الحادثة كما رواها الشيخ المفيد في الإرشاد ج2 ص75 خالية من تلك الزيادة بل فيها:"فنظر - أي الحسين (ع) - إلى بني عقيل فقال: "ماترون؟ فقد قتل مسلم " فقالوا: والله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق, فأقبل علينا الحسين (ع) وقال:" لاخير في العيش بعد هؤلاء", وكذلك رواه الخوارزمي في (مقتل الحسين ) ص327. وكيف ينتظر أن ينساق الحسين عليه السلام مع أبناء مسلم وهم أتباعه وتحت أمره ورأيه ؟ بل كيف يتراجع وهو الذي عارض ناصحيه كما يقول الكاتب سابقا ؟ وهل يرتاب الحسين بن علي (ع) ويتزعزع عند أول مشكلة تواجهه بينما هو خارج للشهادة ويدرك أن المصيبة جسيمة ؟ ولو أن الحسين (ع) كان من أولئك الذين تغلبهم العصبية البغيضة لانتقم لمقتل أخيه الإمام السبط الحسن عليهما السلام, خصوصا مع ما حدث عند دفنه من منع عائشة وبني أمية دفنه عند جده (ص), وإثارة بني هاشم جميعا, لكنه آثر الصبر. 6- افتراء نسب إلى الامام الحسين (عليه السلام) أنه قال:"أضع يدي في يد يزيد"! قال الكاتب: فانطلق الحسين يسير نحو طريق الشام نحو يزيد فلقيته الخيول بكربلاء بقيادة عمر بن سعد. وقال: ولما رأى الحسين هذا الجيش العظيم علم أنه لا طاقة له بهم وقال إني أخيركم بين أمرين: أن تدعوني أرجع أو تتركوني أذهب إلى يزيد في الشام فقال له عمر بن سعد أرسل إلى يزيد وأرسل أنا إلى عبيد الله فلم يرسل الحسين إلى يزيد". والكاتب يعرض النصوص بشكل مخل و أما ما أورده الطبري في تاريخه في أحداث سنة 61 ج4 ص311: "عن حسان فائد بن بكر العبسي قال أشهد أن كتاب عمر بن سعد جاء إلى عبيد الله بن زياد وأنا عنده فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه وماذا يطلب ويسأل فقال كتب إلي أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت فأما إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم فلما قرئ الكتاب على ابن زياد قال: الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة لات حين مناص. وروى الطبري ج4 ص313: "قال أبو مخنف وأما ما حدثنا به المجالد بن سعيد والصقعب ابن زهير الأزدي وغيرهما من المحدثين قالوا إنه قال اختاروا مني خصالا ثلاثا إما أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه وإما أن تسيروني إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئتم فأكون رجلا من أهله لي ما لهم وعلي ما عليهم قال أبو مخنف فأما عبد الرحمن بن جندب فحدثني عن عقبة بن سمعان قال صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق ولم أفارقه حتى قتل وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا في العراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير من أمر الناس". فالطبري يروي الرواية التي تتحدث عن الخيارات الثلاثة, ثم يروي عن عقبة بن سمعان - الذي عاصر الأحداث - إنكارا واضحا لما ذكر في الرواية السابقة أي ما تبناه كاتب المنشور وعرضه بشكل مخل هذا بالإضافة إلى شخصية الحسين (ع) وتربيته وما ورثه من أبيه (ع) لا تتناسب مع مثل هذا الموقف الذي يردي أن يصوره الكاتب, وكأن الحسين (ع) قد ندم على خروجه أو خاف هذه الجموع, كيف وشجاعته واضحة في صفحات التاريخ, وهو الذي بشره رسول الله (ص) بهذا الموقف الإيماني العظيم, وقد قرأت رسالة عمرة بنت عبد الرحمن قبل فقرات ورد الحسين (ع) عليها. ولعل الحجة الأبلغ على الكاتب المحرف, ما رواه إمامه ابن كثير في (البداية والنهاية) ج8 ص190, قال: "ولكن طلب منهم أحد أمرين إما أن يرجع من حيث جاء, وإما أن يدعوه يذهب في الأرض العريضة حتى ينظر ما يصير أمر الناس إليه" وكذلك نقل ابن الأثير في ( الكامل) ج3 ص165. بل إن ابن الجوزي ينقل عكس هذا الغدعاء في تاريخه ( المنتظم ), حيث ينقل رفض الحسين (ع) أن يضع يده بيد يزيد وذلك في ج4 ص155, قال:"فنادى - الحسين (ع) - يا شبث بن ربعي يا قيس بن الأشعث يا حجار ألم تكتبوا إلي قال لم نفعل فقال فإذا كرهتموني دعوني انصرف عنكم فقال له قيس أولا تنزل على حكم ابن عمك - أي يزيد - فإنه لن يصل إليك منهم مكروه فقال لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ". ورواه أيضا ابن كثير في تاريخه ج8 ص194. ويؤكد ذلك ما نقله الذهبي في تاريخ الإسلام الجزء المتعلق بأحداث سنة (61-80) من الهجرة ص12 قول الحسين (ع):"ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله, وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما", وهذه هي الحقيقة التي تتناسب مع شخصية سبط النبي صلى الله عليه وآله وابن علي (ع), الذي تربى تحت بارقة ذو الفقار, لا ما استنتجه الكاتب ليقلل من شأن موقف الحسين (ع) ويرفغ من قيمة يزيد حفيد آكلة الأكباد. 7- تحريف الكاتب لموقف الحر بن يزيد الرياحي! قال الكاتب: "وكان قد انضم إلى الحسين من جيش الكوفة ثلاثون رجلا على رأسهم الحر بن يزيد التميمي, ولما عاب عليه قومه ذلك, قال: والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار". إنها كذبة تضاف إلى غيرها! وجملة " عاب عليه قومه ذلك " بعد انضمامه إلى معسكر الحسين (ع), فهو تحريف لعبارة ابن كثير في البداية والنهاية حيث قال:"فلامه بعض أصحابه على الذهاب إلى الحسين" وكل ناطق بالضاد يعرف بأن اللوم غير التعييب, رغم أن بان كثير نفسه في ج8 ص195 قد اختصر النص اختصارا مخلا إذا ما قارناها بالعبارة نقلها ابن جرير الطبري ج4 ص325: "فأخذ يدنو نحو الحسين قليلا قليلا, فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد أتريد أن تحمل فسكت وأخذه مثل العرواء, فقال له يا ابن يزيد: والله إن أمرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك, قال: إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ووالله لا أختار على الجنة شيئا ولو قطعت وحرقت", ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين (ع). فنلاحظ أن بان كثير بدأ بالتحريف, ثم جاء الكاتب واستعمل التزييف!! وما فعلهما إلا من تأثير الهوى والتعصب. ولا حول ولا قوة إلا بالله. 8- افتراؤه بأن الامام الحسين (عليه السلام) لم يمنع من الماء! قال الكاتب: "وأما قصة منع الماء وأنه مات عطشانا وغير ذلك من الزيادات التي إنما تذكر لدغدغة المشاعر فلا يثبت منها شيء". لقد زاد هذا الكاتب في بغضه لأهل البيت عليهم السلام, حبه لقاتليهم, على أسياده وأئمته, فاستعمل الكذب الصريح المخالف لقول إمامه ابن كثير!! قال ابن كثير في النهاية ص186: "وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلامة أئمة هذا الشأن لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب", فما يقوله ابن كثير هنا كما يزعم خال عن الكذب, وهو يرد كذب هذا الكاتب! يقول عن عطش الإمام الحسين (ع) في ج8 ص189: "فرد عليه ابن زياد: أن حل بينهم وبين الماء كما فعل بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان... وجعل أصحاب عمر بن سعد يمنعون أصحاب الحسين الماء", فالحديث عن منع الماء حديث أئمة هذا الشأن - حسب قول ابن كثير - وليس حديث الشيعة كما زعم الكاتب! وروى ذلك الطبري في تاريخه ج4 ص311 أيضا. وروى الطبري في ص312:"ولما اشتد على الحسين وأصحابه العطش دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه فبعثه في ثلاثين فارسا... واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي: من الرجل ؟ فقال جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه, قال: فاشرب هنيئا, قال: لا والله لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان... فقال لا سبيل إلى سقي هؤلاء وإنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم عن الماء...". وذكر في ص195 وهو يتحدث عن حر بن يزيد:"ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين فاعتذر إيه بما تقدم ثم قال: يا أهل الكوفة لأمكم الهبل, أدعوتم الحسين اليكم حتى إذا أتاكم أسمتموه... وحلتم بينه وبين الماء الفرات الذي يشرب منه الكلب والخنزير وقد صرعهم العطش؟". مالذي يجنيه كاتب المنشور من نفي العطش عن الحسين (ع)؟ هل يريد تقليل التعاطف مع الحسين (ع) ظانا بأن أصل هذا التعاطف هو مجرد العطش ؟ فإن نفاه نفى مظلومية الحسين (ع)؟ أم أنه يريد أن يكون جنديا إعلاميا من جيش ابن سعد, إن لم يسعفه الزمن أن يكون محاربا مع إمامه يزيد ؟ فللمتبع أن يدرك أن عطش الحسين من مسلمات يوم الطف, فقد روى ابن كثير ج8 ص 203: "وقد اشتد عطش الحسين فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر بل مانعوه فخلص إلى شربة منه فرماه رجل يقال له حصين بن تميم في حنكه فأثبته فانتزعه الحسين من حنكه ففار الدم فتلقاه بيديه ثم رفعهما إلى السماء وهما مملوءتان دما ثم رمى به إلى السماء وقال: اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا ودعا عليهم دعاءا بليغا قال فوالله إن مكث الرجل الرامي له إلا يسيرا حتى صب الله عليه الظمأ فجعل لا يروى إلى أن مات". وقد أنشد الحاكم النيسابوري في ذلك: جاءوا برأسك يا بن بنت محمد ***** متزمـلا بدمائـه تزميـلا وكأن بك يـا بن بنـت محمـد ***** قتلوا جهارا عامدين رسولا قتلوك عطشانــا ولم يتـبروا ***** في قتلـك القرآن والتنزيلا ويكبرون بـأن قتلـت وإنمـا ***** قتلوا بـك التكبير والتهليلا راجع شعر النيسابوري في تاريخ ابن كثير ج8 ص216. وروى ذلك ابن الأثير في (الكامل) ج3 ص181, وابن سعد في ( الطبقات الكبرى) في ترجمة الإمام الحسين (ع) ص74, وبان عساكر في (تاريخ دمشق) ج14 ص223, والمزي في (تهذيب الكمال) ج6 ص430, والذهبي في (سير أعلام النبلاء) ج3 ص311, والدينوري في (الأخبار الطوال) ص251, وابن الجوزي في (المنتظم) ج4 ص156, وابن أعثم في (الفتوح) ج5 ص111. فماذا بقي بعد ذلك من مصادر للتاريخ لم تذكر قصة منع الماء و عطش الحسين (ع) ليقول ذلك الكاتب في كذبته المفضوحة: "إنما تذكر لدغدغة المشاعر فلا يثبت منها شيء". نعوذ بالله من الخذلان والهوى! 9- رد إنكاره للكرامات التي ظهرت: قال: "وأما ما روي من أن السماء صارت تمطر دما أو أن الجدر كان يكون عليها الدم أو ما يرفع حجر إلا ويوجد تحته دم أو ما يذبحون جزورا إلا صار كله دما فهذه كلها أكاذيب تذكر لإثارة العواطف ليس لها أسانيد صحيحة" هل نقول ما أعجله ؟ أم ما أجهله ؟ فقد تعجل الكاتب إرضاء لهواه بالجزم بأن هذه الروايات كلها ليست لها أسانيد صحيحة, بينما رواها الثقات من أهل العلم - عنده -, بل رواها ابن كثير على تعصبه, ولم يجزم بردها عند الحديث عن دلائل النبوة, إذ قال في ج6 ص259 من (البداية والنهاية): "إلى غير ذلك مما في بعضها نكارة وفي بعضها احتمال والله أعلم" فإذا نفى بعضها ابن كثير المتعصب واحتمل صحة بعضها, فإن هذا قد تجاوزه في التعصب أو النصب حتى نفاها كلها, وهذه المصادر السنية لتلك الكرامات: أ- ما روي من أن السماء صارت تمطر دما: روى الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص196 عن أم حكيم قالت: قتل الحسين وأنا يومئذ جويرية فمكثت السماء أياما مثل العلقة. ثم قال رواه الطبراني ورجاله إلى أم حكيم رجال الصحيح. ب- ما روي من كسوف الشمس: وروى في ص197 عن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي (القيامة), رواه الطبراني وإسناده حسن. ونقل ذلك أيضا السيوطي في (تاريخ الخلفاء) وأرسله إرسال المسلمات فقال في ص207: (38) " ولما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة... ودمتم في رعاية الله

1