كريم حسن - إسبانيا
منذ 4 سنوات

 القضاء والقدر

ما هو الفرق بين اللوح المحفوظ ولوح المحو والإثبات , وهل يؤثر الدعاء والإلحاح فيه في تغيير المقدرات ؟


الاخ كريم حسن المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته للعلماء بحوث واسعة ومختلفة في بيان المقصود من "اللوح المحفوظ " ولوح المحو والإثبات, ومن جملة ذلك بحث العلامة ألمجلسي – عليه الرحمة – في شرحه لأصول الكافي حيث قال : "إعلم أن الآيات والأخبار تدل على أن الله تعالى خلق لوحين, أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات, أحدهما : اللوح المحفوظ الذي لا تغيّر فيه أصلا ً وهو مطابق لعلمه تعالى, والآخر؛ لوح المحو والإثبات, فيثبت فيه شيئا ً ثم يمحوه لحكم ٍ كثيرة لا تخفى على أولي الألباب " (النص في بحار الأنوار, ج 4, ص130 ) . ولتوضيح المقصود بمثال نقول : يثبت في اللوح ويكتب أنّ عمر أحمد خمسون سنة, ومعناه أنّ المقتضي لعمره إلى ذلك الحين موجود, إذا لم يقم بأعمال هي بذاتها موجبة لطول العمر كصلة الرحم, أو موجبة لقصره كقطعية الرحم . فإذا وصل أحمد رحمه ستمحى الخمسون وتتحول إلى ستين عاما ً أما لو قطع رحمه فستمحى الخمسون وتتحول إلى أربعين سنة مثلا ً. والآن ننتقل إلى تطبيق أجزاء المثال المذكور على اللوحين, وغيرها نلاحظ أن ما يثبت في " اللوح المحفوظ " هو ما سيحصل في الواقع الحياتي الخارجي بالنسبة لأحمد . أي لو كان أحمد - في علم الله - وصولا ً لرحمه وأن مقتضى عمره أن يطول من الخمسين إلى الستين, ليثبت هذا العمر, أي الستين في اللوح المحفوظ . وإذا كان ما سيحصل في الواقع الحياتي, وبسوء اختيار أحمد, هو العكس, أي أنه - في علم الله - سيعمد إلى قطع رحمه, وبالتالي سيكون عمره أربعين بدل الخمسين, فإن هذا العمر, أي الأربعين, هو الذي سيثبت في اللوح المحفوظ . ومن ذلك نستخلص : إنه لا تغيير في " اللوح المحفوظ " وأن كان ما سيقع مستقبلا ً يثبّت فيه منذ الأول, فالذي فيه مطابق لعلم الله, وهو الذي سيحصل حتما. أما ما يثبّت فيه في " لوح المحو والإثبات " فهو الذي يحتمل التغيير والبداء .وقدّ مرّ معنا قبل ذلك معنى " البداء" والمقصود منه . وللسائل أن يقول : إذا كانت جميع الحوادث تجري طبقا ً لما هو مكتوب ومثبّت في اللوح المحفوظ, فما هي فائدة لوح المحو والإثبات ؟ ففي جوابه نقول : إن في ذلك منافع كثيرة وحكما ً بالغة, نراها جلية في بحوث المحققين من علماء المسلمين, ومنهم العلامة المجلسي, الذي عدّد بعض الحكم الظاهرة فقال : " منها أن يظهر للملائكة الكاتبين في اللوح والمطلعين عليه لطفه تعالى بعباده وإيصالهم في الدنيا ما يستحقونه فيزدادوا به معرفة . ومنها, أن يعلم بأخبار الرسل والحجج (عليهم الصلاة والسلام ) أن لأعمالهم الحسنة مثل هذه التأثيرات في صلاح أمورهم, ولأعمالهم السيئة تأثيرا ً في فسادها, فيكون داعيا ً لهم إلى الخيرات صارفا ً عن السيئات" (بحار الأنوار, ج 4, كتاب التوحيد,ص 131). أما من أعمال الخير الموجبة لتغيير ما هو مقدّر ويثبت في لوح المحو والإثبات, فلا شك أن في طليعتها الصدقة والدعاء, ولذلك جاءت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة مؤكدة هذين الأمرين, ويكفينا أن ننقل حديثا ً واحدا ً عن كتاب الكافي, باب " أنّ الدعاء يرد البلاء والقضاء " حيث جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام ) : " إنّ الدعاء يرد القضاء بنقضه عما ينقض السلك وقد أبرم إبراما ً "(الكافي, ج2, باب أنّ الدعاء يرد البلاء والقضاء, ص 469 ) . وخير مثال لذلك ما حكي عنه القرآن الكريم من أنّ البلاء الموعود لم يصب قوم يونس, بالرغم من أخبار نبيهم به, لدعائهم وتوسلهم بالله ( في قوله تعالى : (( فلولا قرية ٌ آمنت فنفعها إيمانها إلّا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين )) (يونس:98). ودمتم في رعاية الله