القضاء والقدر
السؤال الاول :هل ان موعد موت الانسان ثابت عند الله ام من الممكن ان يتغير بالاخذ بالاسباب ، كأن يذهب الانسان الى الطبيب او ان يبتعد عن اسباب الخطر . وهل تصح مقولة ( الحذر غلب القدر) . السؤال الثاني: الكل يعرف انه من الواجب الايمان بالقضاء والقدر ، لكني اخاف ان اكون قد بالغت بايماني هذا واصبحت من الذين يسمون بالقدرية ... فسؤالي هو كيف نفرق بين الايمان بالقضاء والقدر وبين القدرية؟
الأخت ام نور المحترمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ان الأجل أجلان: الأجل على إبهامه والأجل المسمى عند الله تعالى وهذا هو الذي لا يقع فيه تغير لمكان تقييده بقوله (عنده) قال تعالى (( وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِندَهُ )) (الأنعام: من الآية2), وقال تعالى: (( وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ )) (النحل: من الآية96) وهو الأجل المحتوم الذي لا يتغير ولا يتبدل قال تعالى: (( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَستَقدِمُونَ )) (الأعراف: 34). فنسبة الأجل المسمى إلى الاجل غير المسمى نسبة المطلق المنجز إلى المشروط المعلق فمن الممكن ان يتخلف المشروط المعلق عند التحقق لعدم تحقق شرطه الذي علق عليه بخلاف المطلق المنجز فإنه لا سبيل إلى عدم تحققه البتة. والتدبر في الآيات السابقة منضمة إلى قوله تعالى: (( لكل أجل كتاب، يَمحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ )) (الرعد:39), يفيد أن الأجل المسمى هو الذي وضع في أم الكتاب وغير المسمى من الأجل هو المكتوب فيما نسميه بلوح المحو الإثبات. ولكي يتضح ذلك يذكر هذا المثال وهو انا نعلم ان هذه الليلة ستنقضي بعد ساعات وتطلع علينا الشمس فتضيء وجه الأرض لكن يمكن أن يقارن ذلك بحيلولة سحابة أو حيلولة القمر أو أي مانع آخر فتمنع من الإضاءة وأما إذا كانت الشمس فوق الأفق ولم يتحقق أي مانع مفروض بين الأرض وبينها فإنها تضيء وجه الأرض لا محالة فطلوع الشمس وحده بالنسبة إلى الإضاءة بمنزلة لوح المحو والإثبات وطلوعها مع حلول وقته وعدم أي حائل مفروض بينها وبين الأرض بالنسبة إلى الإضاءة بمنزلة أم الكتاب المسمى باللوح المحفوظ . فالتركيب الخاص الذي بينه هذا الشخص الإنساني مع ما في أركانه من الاقتضاء المحدود يقتضي ان يعمر العمر الطبيعي الذي ربما حدوده بمائة أو بمائة وعشرين سنة وهذا المكتوب في لوح المحو والإثبات مثلاً غير ان لجميع اجزاء الكون ارتباطاً وتأثيراً في الوجود الإنساني فربما تفاعلت الأسباب والموانع التي لا نحصيها تفاعلاً لا نحيط به فأدى إلى حلول اجله قبل ان ينقضي الامد الطبيعي وهو المسمى بالموت الاخترامي. وبهذا يسهل تصور وقوع الحاجة بحسب ما نظم الله الوجود إلى الأجل المسمى وغير المسمى جميعاً وان الإبهام الذي بحسب الأجل غير المسمى لا ينافي التعين بحسب الأجل المسمى وان الأجل غير المسمى والمسمى ربما توافقاً وربما تخالفاً والواقع حينئذٍ هو الأجل المسمى ألبتة هذا ما يعطيه التدبر في قوله تعالى: (( ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِندَهُ )) , انظر تفسير الميزان ج7 ص9 . وفي تفسير الأمثل ج4 ص209: (والحال كذلك بالنسبة للإنسان فإذا توفرت جميع ظروف بقاءه وزالت جميع الموانع من طريق استمرار حياته فإن بنيته تضمن بقاءه مدة طويلة إلى حد معين ولكنه إذا تعرض لسوء التغذية، أو ابتلى بنوع من الإدمان أو إذا انتحر أو اعدم بجريمة ومات قبل تلك المدة، فإن موته في الحالة الأولى يكون اجلاً محتوماً وفي الحالة الثانية اجلاً غير محتوم. وبعبارة اخرى: الأجل الحتمي يكون عندما ننظر إلى مجموع العلل التامة والأجل غير الحتمي يكون عندما ننظر إلى المقتضيات فقط. استناداً إلى هذين النوعين من الأجل يتضح لنا الكثير من الأمور من ذلك مثلاً ما نقرؤه في الروايات والأحاديث من ان صلة الرحم تطيل العمر وقطعها يقصر العمر وواضح ان الأجل هنا هو غير الحتمي). وفيه أيضاً: في مكان آخر ج19 ص46: (ويمكن توضيح هذا الموضوع بمثال واحد، وهو انه ليس بأستطاعة الإنسان ان يبقى خالداً وإذا كانت جميع الأجهزة البدنية تعمل جيداً ففي النهاية سوف يصل شيئاً فشيئاً إلى زمن ينتهي عمره بعجز في القلب ولكن تطبيق الأوامر الصحية ومجابهة الأمراض يمكن ان يطيل في عمر الإنسان وفي حالة عدم مراعاة هذه الأمور فإن من المحتمل ان يقلل ذلك من عمره فينتهي عمره بسرعة. واما مقولة (الحذر غلب القدر) فإنها باطلة وعلى خلافها روايات عنهم عليهم الصلاة والسلام فعن النبي (صلى الله عليه وآله): ان الحذر لا ينجي من القدر ولكن ينجي من القدر الدعاء فتقدموا في الدعاء قبل ان ينزل بكم البلاء ان الله يدفع بالدعاء ما نزل من البلايا وما لم ينزل) وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (القدر يغلب الحذر) (القدر يسبق الحذر) و(إذا نزل القدر بطل الحذر). ولكن لابد ان تعرفين ما هو القدر وما هو الحذر فقد يتصور الإنسان ان الذهاب إلى الطبيب او الهرب من الحائط المائل ان هذا من الحذر لكنهم صلوات الله عليهم يوضحون ان ذلك من القدر فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الدواء من القدر هو ينفع من يشاء بما شاء). وعنه ايضاً: (لما سئل أرأيت دواء تتداوى به ورقى تسترقي بها وأشياء نفعلها هل ترد من قدر الله؟ قال: بل هي من قدر الله). وعن أمير المؤمنين عليه السلام انه عدل من حائط إلى حائط أخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين تفر من قضاء الله؟ قال أفر من قضاء الله إلى قدر الله عز وجل). والمقدار الذي يجب الأعتقاد به في الإيمان بالقضاء والقدر هو نفي الجبر والتفويض عن الله تعالى فقد ذهب قوم إلى ان الله تعالى هو الفاعل لأفعال المخلوقين فيكون قد اجبر الناس على فعل المعاصي وهو مع ذلك يعذبهم عليها واجبرهم على فعل الطاعات ومع ذلك يثيبهم عليها وهؤلاء هم المجبرة, ولعلك تخشين الوقوع في ما اعتقدت به هذه المجموعة ولكنك سميت ذلك خطأ القدرية ، ذلك ان القدرية هم المعتزلة الذين اسندوا أفعالهم إلى قدرتهم وهم أيضاً من ذهب إلى أن الله تعالى فوض الأفعال إلى المخلوقين ورفع قدرته وقضاءه عنها فهم اخرجو الله من سلطانه وأشركوا غيره معه في الخلق. واعتقادنا في ذلك تبع لما جاء عن ائمتنا الأطهار عليهم السلام من الأمر بين الأمرين والطريق الوسط بين القولين وخلاصته: ان أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ونحن أسبابها الطبيعية وهي تحت قدرتنا واختيارنا ومن جهة اخرى هي مقدورة لله تعالى وداخله في سلطانه لأنه هو مفيض الوجود ومعطيه. فلم يجبرنا على أفعالنا حتى يكون قد ظلمنا في عقابنا على المعاصي لأن لنا القدرة والاختيار فيما نفعل ولم يفوض إلينا خلق أفعالنا حتى يكون قد أخرجنا عن سلطانه بل له الخلق والأمر وهو قادر على كل شيء ومحيط بالعباد. وعلى كل حال فعقيدتنا أن القضاء والقدر سر من أسرار الله تعالى فمن استطاع أن يفهمه على الوجه اللائق بلا افراط ولا تفريط فذاك والإ فلا يجب عليه ان يتكلف فهمه والتدقيق فيه لئلا يضل وتفسد عليه عقيدته لأنه من دقائق الأمور أنظر عقائد الإمامية ص 207. ودمتم في رعاية الله