م / رياض - السعودية
منذ 4 سنوات

في الروايات الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام أن السماء بكت على النبي يحيى عليه السلام أربعين يوما ولم تبكي على أحد غير النبي يحيى إلا الحسين فالشمس كانت تطلع بحمرة في السماء وتغرب بحمرة أي أن السماء احمرت وكذلك أمطرت السماء دما أو ترابا أحمر فكيف تفعل السماء هذا وهي مجرد جماد أو سماء فيها هواء وأيضا كيف تبكي الأرض وهي مجرد جماد ففي الروايات أنه لم يبق في بيت المقدس حصاة إلاّ وجد تحتها دم عبيط؟ فهل الملائكة هي من يفعل ذلك في مايحدث للسماء والأرض من بكائهما هذا أم أن السماء والأرض لهما خاصية ما تجعل هذا يحدث في تكوينها أما ماذا مع أنهما مجرد جماد والجماد لايصدر منه مثل هذه الأشياء؟ أيضا قيل أن هذه الآية الشريفة (( فَمَا بَكَت عَلَيهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ )) تشير إلى أن السماء والأرض تبكيان على موت المؤمن حيث يبكي عليه مكان مصلاه أو مكان ذكر الله فيه في الأرض ويبكي عليه في السماء مكان مصعد عمله في السماء فلكل شخص باب ومكان خاص له كهذا في السماء فكيف تفعل السماء والأرض هذا مع أنهما جماد؟ فهل المسؤل عن هذا هي الملائكة تحركهما أم الأرض والسماء؟ ولماذا لانسمع صوت بكائهما؟ وهل المكان الخاص في السماء الذي يصعد إليه العمل الصالح للمؤمن هو مخلوق من نوع خاص أم أن هذا المكان هو عبارة عن ملك موكل لهذا الأمر؟ وفي الروايات الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام أن السماء والأرض لم تبكي إلا مرتان مرة على يحيى ومرة على الحسين عليهما السلام فإذا كان كذلك فما تشير إليه هذه الآية في تفسيرها (( فَمَا بَكَت عَلَيهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ )) من أن السماء والأرض تبكي على أي مؤمن عند موته يتعارض تماما مع أن السماء والأرض لم تبكي إلا على الحسين ويحيى مرتان فقط فتلك الآية تشير إلى أن الأرض والسماء تبكي على كل مؤمن ذكر الله في الأرض عند موته فما تفسيركم لذلك؟


الأخ المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأمالي - الشريف المرتضى - ج 1 - ص 38 - 41 إن سأل سائل.. فقال ما تأويل قوله تعالى مخبرا عن مهلك قوم فرعون وتوريثهم نعمهم (( كَذَلِكَ وَأَورَثنَاهَا قَومًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَت عَلَيهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ )) (الدخان:28-29) وكيف يجوز أن ينفي البكاء عنهما وهو لا يجوز في الحقيقة عليهما.. والجواب يقال له في هذه الآية وجوه أربعة من التأويل.. أولها: انه تعالى أراد أهل السماء والأرض فحذف كما حذف في قوله واسئل القرية وفي قوله حتى تضع الحرب أوزارها أراد أهل القرية وأصحاب الحرب ويجري ذلك مجرى قولهم السخاء حاتم يريد السخاء سخاء حاتم.. وقال الحطيئة وشر المنايا ميت وسط أهله ***** كهلك الفتى قد أسلم الحي حاضره أراد شر المنايا منية ميت.. وقال الآخر قليل عيبه والعيب جم ***** ولكن الغنى رب غفور أراد غنى رب غفور.. وقال ذو الرمة هم مجلس صهب السبال أذلة ***** سواسية أحرارها وعبيدها أراد أهل مجلس.. وأما قوله - صهب السبال - فإنما أراد به الأعداء والعرب تصف الأعداء بذلك وان لم يكونوا صهب الأسبلة.. وقوله - سواسية - يريد انهم مستوون مشتبهون ولا يقال هذا الا في الذم.. ثانيها: انه أراد تعالى المبالغة في وصف القوم بصغر القدر وسقوط المنزلة لأن العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك قالت كسفت الشمس لفقده وأظلم القمر وبكاه الليل والنهار والسماء والأرض يريدون بذلك المبالغة في عظم الأمر وشمول ضرره.. قال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز الشمس طالعة ليست بكاسفة ***** تبكي عليك نجوم الليل والقمرا.. وقال يزيد بن مفرغ الحميري الريح تبكي شجوها ***** والبرق يلمع في الغمامة.. وهذا صنيعهم في وصف كل امرئ جل خطبه وعظم موقعه فيصفون النهار بالظلام وان الكواكب طلعت نهارا لفقد نور الشمس وضوئها.. قال النابغة تبدو كواكبه والشمس طالعة ***** لا النور نور ولا الإظلام إظلام.. وقال طرفة ان تنوله فقد تمنعه ***** وتريه النجم يجري بالظهر.. ومن هذا قولهم لأرينك الكواكب بالنهار ومعناه أورد عليك ما يظلم له في عينك النهار فتظنه ليلا ذا كواكب.. وأما بيت جرير فقد قيل في انتصاب القمر والنجوم وجوه ثلاثة.. أحدها انه أراد الشمس طالعة وليست مع طلوعها كاسفة نجوم الليل والقمر لأن عظم الرزء قد سلبها ضوءها فلم يناف طلوعها ظهور الكواكب.. والوجه الثاني أن يكون انتصاب ذلك كما ينتصب في قولهم لا أكلمك الأبد والدهر وطوال المدد وما جري مجرى ذلك فكأنه أخبر بان الشمس تبكيه ما طلعت النجوم وظهر القمر.. والوجه الثالث أن يكون القمر ونجوم الليل باكين الشمس على هذا المرثى فبكتهن أي غلبتهن بالبكاء كما يقال باكاني عبد الله فبكيته وكاثرني فكثرته أي غلبته وفضلت عليه.. ثالثها: أن يكون معنى الآية الاخبار عن انه لا أحد أخذ بثأرهم ولا انتصر لهم لأن العرب كانت لا تبكي على قتيل الا بعد الأخذ بثاره وقتل من كان بواء به من عشيرة القاتل فكني تعالى بهذا اللفظ عن فقد الانتصار والأخذ بالثار على مذهب القوم الذين خوطبوا بالقرآن.. رابعها: أن يكون ذلك كناية عن أنه لم يكن لهم في الأرض عمل صالح يرفع منها إلى السماء ويطابق هذا التأويل ما روي عن ابن عباس في قوله تعالى ما بكت عليهم السماء والأرض قيل له أو يبكيان على أحد قال نعم مصلاه في الأرض ومصعد عمله في السماء.. وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من مؤمن الا وله باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه ومعنى البكاء ههنا الاخبار عن الاختلال بعده كما يقال بكى منزل فلان بعده.. قال ابن مقبل لعمر أبيك لقد شاقني ***** مكان حزنت له أو حزن.. وقال مزاحم العقيلي بكت دارهم من أجلهم فتهللت ***** دموعي فأي الجازعين ألوم؟ أمستعبرا يبكي من الهون والبلا ***** وآخر يبكي شجوة ويئيم فإذا لم يكن لهؤلاء القوم الذين أخبر الله عن بوارهم مقام صالح في الأرض ولا عمل كريم يرفع إلى السماء جاز أن يقال فما بكت عليهم السماء والأرض.. ويمكن في الآية وجه خامس وهو أن يكون البكا فيها كناية عن المطر والسقيا لان العرب تشبه المطر بالبكاء ويكون معنى الآية أن السماء لم تسق قبورهم ولم تجد عليهم بالقطر على مذهب العرب المشهور في ذلك لأنهم كانوا يستسقون السحاب لقبور من فقدوه من أعزائهم ويستنبتون لمواضع حفرهم الزهر والرياض.. قال النابغة فما زال قبر بين تبني وجاسم ***** عليه من الوسمى طل ووابل فينبت حوذانا وعوفا منورا ***** سأتبعه من خير ما قال قائل وكانوا يجرون هذا الدعاء مجرى الاسترحام ومسألة الله لهم الرضوان والفعل الذي أضيف إلى السماء وإن كان لا يجوز اضافته إلي الأرض فقد يصح عطف الأرض على السماء بان يقدر لها فعل يصح نسبته إليها والعرب تفعل مثل هذا.. قال الشاعر يا ليت زوجك قد غدا ***** متقلدا سيفا ورمحا فعطف الرمح على السيف وإن كان التقلد لا يجوز فيه لكنه أراد حاملا رمحا ومثل هذا يقدر في الآية فيقال انه تعالى أراد أن السماء لم تسق قبورهم وان الأرض لم تعشب عليها وكل هذا كناية عن حرمانهم رحمة الله ورضوانه (أنتهى) وجواب السؤال الاخير يفهم من جواب ماتقدم من تأويل قوله تعالى وبه يرتفع التناقض ويثبت ماورد عن اهل البيت (عليهم السلام) ان الارض لم تبكي الا مرتان على يحيى (عليه السلام) وعلى الحسين (عليه السلام). ودمتم في رعاية الله

1