وحدة الوجود (1)
توهم أهل الفلسفة والعرفان أن حقيقة وجود الخالق والمخلوق جنس واحد وسنخ فارد، ولا فرق بينهما إلا بالتناهي وعدم التناهي، فوجود الخالق هو نفس وجود كل مخلوق مع زيادة، وهو عين وجود الخلق بأجمعه.ما هو رأيكم؟
الأخ المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أولاً: إن وجود الخلق حقيقة مقدارية عددية متجزية، واللّه تعالى يباين خلقه تمام التباين لا أن يكون التفاوت بينهما بأمور اعتبارية ـ كأن يكون أحدهما جزءا أو مرتبة أو حصة من وجود الآخر ـ مع الاتحاد في الوجود العيني، بل يكون بينهما من حيث الواقعية وسنخ الوجود غاية التباين والافتراق..لا يحكم على اللّه تعالى بالوجود إلا بمعناه الخاص به أو بمعناه العام، ولا يكون الوجود المحكوم به عليه وعلى خلقه مشتركا معنويا تمام الاشتراك، كما أنه لا يكون مشتركا لفظيا أيضا الا أن المقسم لهذين القسمين هوالوجود بمعناه العام الشامل لكليهما.الوجود والموجود من حيث العينية والمواقعية إما مقدارى عددى متجزي، وإما بخلافه، ويكون بين هذين السنخين تباين تام، لا يمكن التفوه باتحادهما وعينيتهما بوجه.إن للشيئية معني خاص بالخلق وهو ما يمكن معرفته وإدراكه بنفسه في كمه وكيفه وعدده الخاص به، ومنه معني الهي خاص بالخالق المتعال وهو ما لا يمكن تصوره بنفسه ولا يعرف إلا بأنه شيء بخلاف كل شيء قابل للتصور والتوهم، والمقسم لهذين القسمين هو معني الشيء بعنوانه العام الشامل لكليهما.الموجود الواقعي (1) الذي يكون شيئا بحقيقة الشيئية، والشيء الحقيقي الذي يكون موجودا واقعيا، فهو إما مقداري عددي قابل للزيادة والنقصان والوجود والعدم، متحقق في الأجزاء والأبعاض، ومتقوم بالحدود والأعراض؛ وإما يكون بخلاف ذلك، ومتعاليا عن ذلك، فلا يتصور بنفسه، ولا يعرف إلا بأثره الدال على وجوده.فما يمكن معرفته من معنى الشيء والموجود، هو عنوان خاص منه ـ وهو المقدار الموجود القابل للعدم لذاته ـ وهو يكشف بحدوثه ووجوده، عن وجود موجود حقيقي وشيء بحقيقة الشيئية وراء قابلية النسبة إلى الوجود والعدم، والتحقق في المقدار والأجزاء والزيادة والنقصان، والدخول تحت التصور والتوهم والبلاغ. فهو موجود لا كالموجودات، وشيء لا كالأشياء، وذات لا كالذوات، وحقيقة لا كالحقائق.هذا كلّه من ناحية الوجود والموجود والشيء مصداقا وعينا، ولكن من ناحية الوجود المحمول على الأشياء، والمحكوم به على الموضوعات، فالوجود له معينان معنى يختص بالخلق وهو وجود يقبل نقيضه، ومعنى يختص بالخالق وهو ما لا يتصور له النقيض والمقابل ذاتا والمقسم لهذين القسمين هو معنى عام للوجود وهو حاكٍ عن مجرّد الثبوت وعدم البطلان، كان قابلاً للمقابل أم لم يكن.إن التصديق المتعلق بوجود المخلوق هو هذا التصديق القابل للنفي ذاتا، وأما الخالق تبارك وتعالى فلا يتعلق التصديق بوجوده كالتصديق بسائر الأشياء، أي بعد إمكان تصوره بنفسه مقداريا متجزيا قابلا للتجريد عن الوجود الخارجي والتحقق الواقعي، وقابلاً للنسبة إلى طرفي الوجود والعدم. بل ليس وجوده إلا إثباته، ولا يحكم عليه بالوجود إلا بمعنى يختص به، أو بمعناه العام الحاكي عن مجرد الثبوت وعدم البطلان.قيل: إن القائلين بتباين المعاني والمفاهيم المحمولة علي الخالق والمخلوق خلطوا بين المفهوم والمصداق حيث إن التخالف والتباين يكون بين مصداقي الخالق والمخلوق لا المفاهيم المحمولة عليهما من الوجود والعلم والقدرة و