مصطفى شاكر - ايسلندا
منذ 4 سنوات

 وحدة الوجود (1)

ذكر الفلاسفة ثلاثة مراتب من التوحيد الذاتي: الأولى التي يعتقدها عموم الناس بأنّ الله واحد. والمرتبة الثانية: التوحيد الذي يمكن أن يعبّر عنه بـ (كثرة الوجود والموجود) أي إن الله تعالى موجود والمخلوقات موجودة ولكن منفصلة ومنعزلة عنه تعالى.. هذه النظرية هي النظرية المشهورة بين فلاسفة المشّاء، وبين المتكلمين على اختلاف مشاربهم، وبين المحدّثين الأخباريين، وغيرهم وغيرهم. والمرتبة الثالثة من التوحيد الذاتي الذي يعبّر عنه (بوحدة الوجود)، فالله تعالى موجود والمخلوقات موجودة ولكن البينونة هي بينونة صفة لا بينونة عزلة كما هو الحال على سبيل المثال بين الماء الحار وحرارته، فالحرارة قائمة بالماء ولكنها غير الماء بل صفتها، وهذه النظرية يؤمن بها الكثير من العرفاء ويستشهدون بقول أمير المؤمنين عليه السلام: (وَتَوحِيدُهُ تَميِيزُهُ مِن خَلقِهِ، وَحُكمُ التَّميِيزِ بَينُونَةُ صِفَةٍ لَا بَينُونَةُ عُزلَةٍ). ولكن سؤالي بالتحديد هو كالآتي: كيف يفسر المحدثون هذه الرواية (بينونة صفة لا بينونة عزلة) بحيث هم يؤمنون بالنظرية الثانية لا الثالثة ؟


الأخ مصطفى المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لا نسلم أن المحدثين والمتكلمين كافة يقولون بالمرتبة الثانية من التوحيد، كما لا نسلم أن مراتب التوحيد ثلاثة بل هي أربعة، فالمعتقدون بوحدة الوجود على صنفين: من يقول بوحدة الوجود والموجود معا في عين الوحدة، أي أن حقيقة الوجود واحدة وأما الكثرة فهي اعتبارية لا حقيقة لها كالأمواج بالنسبة إلى البحر؛ وهو قول الصوفية على اختلاف مشاربهم، والصنف الآخر يذهب إلى وحدة الوجود والموجود في عين الكثرة؛ أي أن حقيقة الوجود واحدة لكن لها مراتب مشككة (أي متفاوتة شدةً وضعفاً) حيث يرجع ما به الامتياز في كل مرتبة الى ما به الاشتراك؛ كمراتب النور فإن النور الشديد يمتاز عن النور الضعيف ولكن بأمر ليس بخارج عن أصل النورية، فشدة الشديد وضعف الضعيف ترجع إلى النور نفسه لا إلى أمر آخر، وهو رأي ملا صدرا الشيرازي وأغلب تلامذته ومنهم جملة من العرفاء المتأخرين... والعبارة المذكورة في حديث الامام التي تنص على (بينونة الصفة لا بينونة العزلة) تتفق مع هذا الصنف الأخير أي المرتبة الرابعة من التوحيد، ومعنى العبارة: أن صفات الله تعالى مباينة لصفات خلقه ولكنه ليس معزولاً عن خلقه وذلك لأن ربوبيته للخلق تقتضي الاحاطة بهم والقرب، وهو تبارك وتعالى أقرب إليهم من حبل الوريد. ودمتم في رعاية الله