زهرة عبد المحسن - البحرين
منذ 4 سنوات

 وحدة الوجود (1)

هل يعتبر الزمان المطلق حادث دهري؟ وما الدليل العقلي؟


الأخت زهرة  المحترمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ينبغي علينا قبل حل هذا السؤال أن نذكر تعريف بعض المصطلحات تجنبا لوقوع اللبس، فالزمان والدهر والسرمد هي أوعية الوقت الثلاثة، والفرق بين كل منها إنما هو بحسب الفرق في شدة الوجود وضعفه، أي أنها متفاوتة تبعا لرتبة الموجود في السلسلة الطولية فالزمان هو أول تلك الاوعية وهو وقت الاشياء المادية والجسمانية وهو مدة انتقال الجسم إلى الأمكنة الظاهرة العقلية أو مكثه فيها. أما الدهر فهو وقت للمجردات عن المادة العنصرية والمدّة الزمانية، سواء أكانت مجردة عن الصور مطلقاً كالعقول، أم عن الصور التامة كالأرواح، أم غير مجردة عنهما كالنفوس، وهو قار الذات بمعنى أن فيه التعاقب والتمايز والترقيّ والهبوط في كل من الثلاثة (العقول، الارواح، النفوس) إلاّ أن ذلك في العقول (معنى)، وفي الأرواح (رقيقة)، وفي النفوس (صورة). وأما السرمد فهو وقت المشيئة وأول صادر عنها وهي الحقيقة المحمدية وهو مسبوق بالغير وملحوظ فيه الإمتداد والاستمرار، ولكن لما أريد منه عدم التناهي لا في نفسه ولا إلى غيره كان مفارقاً للزمان والدهر، لانتهائهما إلى غيرهما، ومبايناً للأزل لكون السرمد مسبوقاً بغيره، والأزل غير مسبوق بالغير، وقولنا أن السرمد لا ينتهي إلى غيره مع أنّه مسبوق بالغير، نريد به أنّ السرمد هو ظرف المشيئة، وليس قبله شيء من الممكنات يجوز أن ينتهي إليه، ولا يصح أن ينتهي إلى الأزل؛ لأن الحادث لا ينتهي إلى القديم. بعد هذه المقدمة يمكننا الاجابة عن سؤالك فنقول: إن كنت تقصد من (الزمان المطلق) وقت الاشياء المادية والجسمانية (في نفسه، لا الى إلزمانيات) فليس هو بغض النظر عنها حادثا دهريا لأنه قطعا ليس من النفوس ولا من الارواح ولا من العقول، وهو (من جهة اطلاقه) لا يحمل عليه التعاقب او التمايز أو الترقي والهبوط، فلا يكون من هذه الجهة أيضا حادثا دهريا... وغالبا ما يقال فيه انه قديم زمانا لعدم مسبوقيته بالزمان. ولكن قد ذكر بعض الفلاسفة أن الزمان المطلق هو زمان العالم، وقد وصفوا العالم بانه حادث دهري، وجعلوا مطلق التجرد هو المائز بين الدهري والزماني، ولما كان نظرهم منصبا على هذا الامر جوزوا أن يوصف الزمان المطلق (اي الزمان المجرد عن النسب والاضافات) بانه حادث دهري، وهذا مبنى آخر عند بعض الفلاسفة لا يتسع له المقام الآن، ولكن نشير إليه اجمالا لأننا كنا قد أجبنا عن بعض الاسئلة فيما سبق تبعا لهذا المبنى، وملخص القول: أن اصحاب هذا المبنى قد جعلوا الزمان ظرفا للاجسام وعالمه هو الملك، والدهر ظرفا للنفوس وعالمه هو الملكوت والسرمد ظرفا للعقول وعالمه هو الجبروت، وذلك تبعا لشدة التجرد، ولكنهم تخبطوا أحيانا فجوزوا أن يكون السرمد وقتا لعالم الوجوب، والحال أن الواجب تعالى مجرد عن جريان الوقت عليه بأي معنى من تلك المعاني، نعم، يقال فيه سبحانه أنه الازل أو الابد، وهما ذاته من دون فرق، إذ لا يدرك للأزل والأبد معنى غير ذات الحق سبحانه وتعالى، وإلاّ لزم تعدد القدماء. ودمتم في رعاية الله