logo-img
السیاسات و الشروط
احمد - الولايات المتحدة
منذ 5 سنوات

 وحدة الوجود (1)

فاقد الشيء لا يعطيه: هناك قاعدة معروفة مفادها: (أنّ فاقد الشيء لا يعطيه). وهنا لدينا سؤال حول انطباق هذه القاعدة وهو: إنّ الله ــ سبحانه وتعالى ــ لا يعتريه النقص، فهو فاقد للنقص، وإذا كان كذلك فكيف يعطي النقص للموجودات؟ وكما هو معلوم أنّ الموجودات لا تخلو من نقص، فعلى سبيل المثال هنالك الكثير من البشر لا يستطيعون السمع وهذا نقص.


الأخ أحمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. النقص أمرٌ عدمي لا يكون متعلّقاً للعطاء الإلهي، وكون الله عزّ وجلّ (كامل لا يعتريه النقص، فيجب أن لا يكون في مخلوقاته نقص) شبهة يمكن حلّها بأدنى التفات، إذ النقص ليس من جهته تعالى وإنّما هو من جهة القوابل الإمكانية والرتب الوجودية، فكلّما ابتعد الممكن الذي هو فقير في ذاته ــ بل هو عين الفقر والنقص ــ عن مصدر الفيض، فإنّه ينال قسطاً من عطاء الله عزّ وجلّ ونعمه، ولا يسعه أن يأخذ أكثر ممّا هو مستعدٍ لأخذه، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الناموس الإلهي بقوله: ((أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَت أَودِيَةٌ بِقَدَرِهَا))(الرعد (13): 17). فمثل رحمة الله وعطاءه مثل الماء النازل من السماء، ومثل قابليات الأشياء والمخلوقات مثل الأودية، فحينما يسقط المطر على الأودية فكلّ وادٍ يأخذ من الماء بقدر سعته لا أكثر، فالوادي الكبير يأخذ ماء كثيراً، والوادي الصغير يأخذ ماء قليلاً، وهكذا الممكنات فإنّها تأخذ من رحمة الله عزّ وجلّ بقدر وسعها واستحقاقها، فالقريب من مصدر الفيض ينال من جود الله ونعمائه بقدر ما يحتمل، والبعيد من مصدر الفيض ينال كذلك ما يحتمله، والبعد والقرب ليس المقصود منهما البعد والقرب المكاني بل المعنوي، فمن عباد الله عزّ وجلّ من لا يصلحه إلاّ الغنى ولو وكلّه إلى غيره لهلك، ومنهم من لا يصلحه إلاّ البلاء كالمرض والفقر وأشباه ذلك ولو وكلّه الله إلى غيره لهلك. فالله تعالى أجرى الأشياء بمقاديرها، وأعطاها ما تستحقّ، وحاشاه أن يمنع عطاءه ومواهبه من يستحقّ، لأنّه لا يوجد في ساحته بخل فهو الغني، ولا ينقص من ملكه شيء إن أعطى أحداً من خلقه نعمة أو موهبة، فكلّ شيء في ملكه ولا يخرج عن سلطانه، فلا يفقد شيء فكيف يبخل بالعطاء أو يمتنع عن الجود والنعماء؟! فعندما يقال: (فاقد الشيء لا يعطيه)، أي: فاقد الوجود والكمال، والنقص ليس بشيء حتى تتصوّرون أنّ الله تعالى فاقد له، نعم هو فاقد للنقص، أي: أنّه واجد لغيره وهو الكمال.. أمّا النقص الملحوظ في مخلوقاته فإنّه مقتضى قابلياتها واستعداداتها الإمكانية التي يجب أن تكون متفاوته ومتدرجة بحسب السلسلتين الطويلة والعرضية في هذا النظام الكوني البديع والفائق الدقّة والعجيب التركيب، فلو تأمّلنا في فرضية كون جميع ما خلق الله كاملاً لا نقص فيه ولا عيب يعتريه، فكيف نتصوّر حكمة الابتلاء والتكامل؟! بل هل يبقى مجال لخلق الدنيا التي هي دار امتحان وابتلاء الخلق لأجل بلوغهم إلى السعادة والفوز بالجنّة أو وصولهم إلى النار والعياذ بالله، ليمتاز الأخيار من الأشرار، ويسعد من سعد ممّن سبقت له من الله الحسنى، ويشقى من شقي ممّن آثر الدنيا وكان غاية همّه متاعها الزائل ... المزید ((فَاعتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبصَار))(الحشر (59): 2). ودمتم في رعاية الله