مهدي صالح - ايسلندا
منذ 4 سنوات

 وحدة الوجود (2)

الأدعية عادةً على قدر العقول. والمعاني تثبت بخلافها أو أضدادها فالقديم و الأقدم يثبت بالحديث و الأحدث و هذا يتعلق فقط بالحادث و لا يصح القول علمياً بالقديم الذاتي.


الأخ مهدي المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إذا جاز اثبات التقدم الذاتي فإثبات القديم الذاتي يجوز كذلك، وتوضيح ذلك: إن التقدم نوعان، تقدم ذاتي وتقدم زماني، والتقدم الزماني واضح وهو أن يتقدم شيء على شيء أو حادث على آخر زماناً كتقدم وجود الأب على وجود ابنه وتقدم الفعل على رد الفعل... وأما التقدم الذاتي فمثاله تقدم حركة اليد على حركة المفتاح الذي هو فيها، فمع أن الحركتان متزامنتان إلا أن حركة اليد لكونها هي العلة في حركة المفتاح صارت متقدمة عليها ذاتاً إذ حركة المفتاح مستفادة من حركة اليد وإن كانتا في وقت واحد. والآن نأتي إلى توضيح القدم الزماني والقدم الذاتي فنقول: الزمان هو مقدار حركة الفلك، لأن حقيقته متولدة من حركة الارض والشمس وحركات الاجرام السماوية، ولولا هذه الحركة لبطل وجود الزمان، فلو فرضنا أن الكون ليس له نقطة بداية فيكون إذن قديما، ولكن هذا القدم إنما يكون بالقياس إلى الزمان وليس بالقياس إلى الوجود، فالكون معلول لوجود مكونه أو هو موجود بغيره لا بذاته ، وهكذا الزمان فإنه قبل نشوء الكون لا حقيقة له لأن حقيقته متقومة بحركة الافلاك، ولذلك قلنا في جوابنا أن الزمان نفسه قديم إذ ليس للقدم الاصطلاحي من معنى سوى عدم المسبوقية بالعدم الزماني أو بعبارة أخرى: القدم معناه اللانهاية من جهة الزمان... وأما القدم الذاتي فهو القدم بالقياس إلى ذات الوجود لا بالقياس إلى الزمان، وهذا النوع من القدم ليس اصطلاحياُ ولذلك ينكره من لا اطلاع له على مقاصد الفلاسفة، إذ مرادهم منه هو الغنى الوجودي في قبال الفقر الوجودي، أي كون الوجود واجبا للشيء وجوبا ذاتيا، وليس ثمة موجود آخر سوى الله تعالى واجب بذاته، وأما وجود الاشياء فمتعلق بمدد معطى من ذلك الواجب، أي يكون كل شيء ما خلا الله تعالى فقير إلى علة تمده بالوجود ما دام موجودا، ولذلك قيل عن هذا الوجود الفقير بأنه وجود رابط إذ لا حقيقة له سوى الربط والتعلق بذلك الوجود الغني أو الواجب بذاته. ودمتم في رعاية الله