عبد الله - نيوزيلندا
منذ 4 سنوات

 وحدة الوجود (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نود ان نرى جوابكم على هذا الملحد الذى يحاول ان يثبت ان المعدوم محال ان يعاد فعليه ان المعاد محال. في استحالة اعادة المعدوم بعينه ان استحالة اعادة المعدوم بعينه هو من المبادئ الفلسفية الراسخة والتي راى بعض الفلاسفة مثل ابن سينا انها بديهية ولاتحتاج فيها الى اثبات. فلنبدأ في البداية بمعرفة المقصود بالقضية محل البحث. فالمعدوم هو نقيض الموجود فالمعدوم ببساطة هو غير الموجود، ونحن في نسبتنا للماهيات (الماهية هي مايقال في جواب ماهو؟؟ مثل ماهية الانسان هي الحيوانية والناطقية) اما ان نقول عنها موجودة او معدومة ومفهوم الوجود والعدم من ابده المفاهيم التي يدركها الانسان بفطرته حتى تجد الطفل يخبر عن بعض العابه انها موجودة هنا وغير موجودة (معدومة) هناك. كما ان المعدوم يستخدم للاشارة لما له تحقق ذهني وليس له وجود في الخارج او بتعابير الفلاسفة (في الذهن معدوم بالخارج) ولعل ابسط مثال على ذلك هو الاشكال الهندسية مثل المثلث والمربع فهذه الاشكال لها تحقق في الذهن وذهننا قادر على فهمها وتمييزها ولكن ليس لها وجود في الخارج او في عالم الواقع فليس هناك مثلث ومربع تجده امامك لان كل ماحولنا يمتد بالاتجاهات الثلاث. واعادة المعدوم لايقصد بها التكرار على نحو تكرار قراءة قصيدة ما، فان هذا بالعرف الفلسفي يسمى تكرار ولايسمى اعادة. والاشارة الى اعادة المعدوم بعينه لايقصد منها اعادة المثيل والمشابه للاصل بل يقصد منها اعادة عين المعدوم بكل تفاصيله حتى يكون هو هو ماكان سابقاً. ومثال ذلك انك تفقد ديناراً فيصبح الدينار معدوماً عندك ثم تسترجع ديناراً اخر فتقول استرجعت ديناري، ولكن انت لم تسترجع عين الدينار الذي فقد منك بل استرجعت مايماثله ويساويه بالقيمة. ومثال ذلك انك تصنع تمثالاً من الطين ثم بعد ذلك تهدم التمثال وتعيد بناءه من جديد فما اعدته ليس عين التمثال الاول بل مثيل للتمثال الاول وليس هو الاول بعينه ولو اعدته بكل تفاصيله لان زمان اعادة الثاني غير زمان الاول والزمان جزء من تشخص الشيء وهويته. وانت مثلاً وكل انسان وجودك في سن خمسة وعشرين سنة هو عين وجودك في سن خمسين سنة فوجودك متصل بين هذين العمرين. فلنفرض ان انساناً عدم في سن الخامسة والعشرين ومن ثم اعيد بعد ثلاثين سنة فان وجوده لن يصبح كماً متصلاً بل سيكون عندنا وجودان متخللان بالعدم ومن الواضح ان العدم قد يتخلل شيئان مختلفان ولكن لايمكن ان يتخلل العدم بين الشيء وعينه. فاول اثبات لاستحالة اعادة المعدوم بعينه هو انه لايمكن ان يتخلل العدم بين الشيء وعينه. يعني اذا كان الوجود الثاني هو عين الوجود الاول فان هذا يعني ان عندنا وجود واحد لان الوجود الاول هو الثاني فكيف يتخلل العدم وجوداً واحداً؟؟؟ واثباتنا الاخر يبنى على نظرية اصالة الوجود. فعندما يستعير احدهم منك قلماً ثم يعيده اليك فبامكانك ان تصدق ان القلم اما ان يكون عين القلم الاول الذي أخذ منك او انه مماثل له. فهاتان القضيتان صادقتان ومطابقتان للواقع ولكن اذا صدقت احداهما كذبت الاخرى، ناتي الان لنر ماهو مناط وهوية وتشخص الشيء؟ يمكن للوهلة الاولى ان تحسب ان كل شيء له ذات فهويته وتشخصه منوط بذاته، وعين تلك الذات المتشخصة ذات الهوية توجد احياناً وتعدم حيناً اخر، اي تحمل في الخارج صفة الوجود تارة وصفة العدم تارة اخرى. ولكن مع قليل من الالتفات ندرك ان لازم هذا التصور الابتدائي هو القول بثبوت الماهيات منفكة عن الوجودين فمن المقطوع به ان ثبوت وتشخص وهوية الشيء منوط بوجود ذلك الشيء فاذا اصبح ذاك الشيء موجوداً فهذا يعني انه اصبح موجوداً بهوية خاصة فاذا ارتفت موجودية ذلك الشيء فلاتبقى هوية ومن المحتم ان يكون الوجود الثاني هوية ثانية. فمع الالتفات لما سبق اذا افترضنا اعادة المعدوم فان الاعادة تعني الايجاد فهل الايجاد الثاني هو عين الايجاد الاول؟؟ من المسلم ان الايجاد الثاني يحصل في زمان لاحق غير زمان الايجاد الاول، يعني انهما ايجادان لا ايجاد واحد اذ لو كان الايجاد الثاني عين الايجاد الاول فليس هناك اعادة للمعدوم ! او يلزم انه كلما حصل ايجاد حصلت اعادة للمعدوم اي اننا نعتبر كل وجود ابتدائي اعادة. الايجاد الثاني غير الايجاد الاول والوجود الثاني غير الوجود الاول اذ يستحيل ان يكون هناك ايجادان ووجود واحد ذلك ان الايجاد هو عين الوجود. فاذا كان هناك ايجادان كان هناك وجودان واذا كان هناك وجودان حصل تكثر فلاوحدة بين الموجود الاول والثاني اذن فما افترضناه اعيد ليس عين الموجود الاول بل مماثل له. المتكلمين كيما يلتفوا على هذا البرهان فرضوا ان هوية الشيء شيء اخر غير موجوديته. فالعدم والوجود غير ضار بهوية وتشخص الشيء. وهذا الكلام قائم على اصالة الماهية لا على اصالة الوجود. ومذهب الفلاسفة هو اصالة الوجود بخلاف مذهب المتكلمين القائلين باصالة الماهية. ذلك ان الذهن قادر على تصور مغايرة بين مفهوم الوجود عن مفهوم الماهية فانت بامكانك ان تتصور شيء ما دون ان تفترض انه موجود او معدوم فاذا امكن تصور ماهية شيء ما بقطع النظر عن وجوده وعدمه صار الوجود عارضاً عن ماهية الشيء. ولاريب ان راي المتكلمين عليل وان الامر تشابه عليهم. ولكن ماذا عن الفلاسفة الاسلاميين المؤمنين باصالة الوجود (حيث يعتبر صدر المتألهين هو رجل اصالة الوجود) والمؤمنين بامتناع اعاد المعدوم بعينه؟؟؟ هؤلاء يرون ان المعاد ليس اعادة للمعدوم بعينه وان المتكلمين اخطؤا خطأ مزدوجاً عندما ظنوا جواز اعادة المعدوم بعينه واعتبروا المعاد اعادة له. فالطباطبائي يرى ان الموت ليس عدماً وانما يسميه نوع استكمال ! انه لم يشرح ولم يعط توضيحاً لمعنى ذلك ولو فرضنا صحة كلامه فكلامه منحصر بما يسمى بالروح ولكن ماذا عن اعادة البدن؟؟؟ فالاشكال لايزال قائماً وانا اتعجب حقاً كيف يصدر هذا الكلام من حكيم بوزن هذا الرجل ! ذلك ان كل الصفات التي تحمل في القضايا اما ان تكون صفات وجودية مقيدة او صفات عدمية مقيدة فاذا كان صفة ما وجودية فان نقيضها عدمي. كمثال فان البصر صفة وجودية مقيدة نفهم منها ان هناك ماهو متصف بالوجود ولكن العمى هو نقيض البصر فالعمى هو عدم الابصار فهو صفة عدمية والموت هو عدم الحياة فالحياة امر وجودي والموت امر عدمي فكيف يقال عن الموت انه نوع استكمال؟؟؟ واذا كان الموت نوع استكمال فان الحياة نوع نقص وزوال !!! ثم ان هذا كما قلنا لاينفي الاشكال القائم على اعادة البدن ! السبزواري صاحب المنظومة يتابع الفلاسفة في الايمان بامتناع اعادة المعدوم بذاته فيقول في منظومته: اعادة المعدوم مما امتنعا ***** وبعضهم فيه الضرورة ادعى. وهو يرى ان الموت ليس عدماً على الاطلاق وانما هو عدم مقيد او عدم مضاف فمن يموت لايمحى من صفحة الوجود بل ان مايمحى هو صفة الحياة فقط ويظل الميت بمادته موجوداً بطريقة ما في صفحة الوجود. انه بهذا لايرى جواز اعدام الموجود من اصله حتى يبحث في جواز الاعادة!!! فالموجود لايعدم والمعدوم لايوجد بمثل هذه البساطة لانه يلزم منه ابدال العدم بالوجود او الوجود بالعدم وهو ممتنع لانه جمع متناقضين. ومثل هذا الكلام لاعلاقة له بالاديان انه كلام فلسفي بحت، ومحمد واضع القران عندما كتب كتابه لم يكن يعرف الفرق بين الامرين وكلماته سببت صداعاً لجمع من الفلاسفة ممن يحاولون التوفيق بين المسائل العقلية وحفنة من اساطير الاولين فالادعاء السابق لايناقش ضمن اطار دين ما بل ضمن اطار الفلسفة الالهية ولاعلاقة له باي دين كان. بعض اهل قريش تسالوا كيف يحيينا الاله بعد عدم وبعد ان يفنى كل شيء !!! ولايبقى سوى الاله؟؟ وفي الحقيقة صدقوا فاذا كان الامر هكذا وجب اعادة كل شيء بعينه فهذا لن يكون عدم مضاف فمن المحال اعادة الاشياء بعينها بعد افناءها، ولكن محمد لم يكن فيلسوفاً حتى يجيب عن مسألة فلسفية في صميم الفلسفة ! فكل ما اجاب به انه يجوز ذلك وان من خلق اول مرة قادر على ان يخلق ثان مرة...نعم هو قادر ولكن الخلق الثاني لن يكون عين الخلق الاول بل سيكون مثيله ومشابه له ولن يكون مثله لان اعادة المعدوم ممتنعة فجواب محمد بعيد عن السؤال ولايمكن ان يسمى جواباً حتى. وقد كان المفروض بمحمد من وجهة نظر فلسفية ان يخبرهم انهم لن يفنوا حتى يتطلب الامر اعادتهم !!! يعني ان لايجعل المعاد هو اعادة لما فني بل انه لم يفنى شيء حتى يعاد وانما يجعل الاخرى نشأة اخرى مكملة للنشأة الاولى لا اعادة للمعدوم. وربما هذا هو ماقصده الطباطبائي في كلامه !! هناك بين المسلمين من اذا كلمته عن هذا الموضوع يقول لك العلم يتحدث عن الاستنساخ البشري والـDNA وانت مازلت ترى هذا مستحيلاً؟؟؟ نعم ! ولكن مرة اخرى فان المستنسخ هو مثيل للاصل وليس هو الاصل بعينه فالان اذا استنسخنا جارليز ثيرون فاننا سنحصل على نسخة مشابهة ومماثلة من جارليز ثيرون ولن نحصل على جارليز بعينها. تخيل معي جهاز لاستنساخ الوثائق الورقية تضع الورقة التي تريد استنساخها وتضغط على الزر يعمل الجهاز ويعطيك ورقة مماثلة ومطابقة للاصل فالان هذا مثيل ونسخة عن الاصل ! ولكن تخيل معي جهاز استنساخ من نوع اخر تضع فيه نفس الورقة السابقة وتضغط زر الاستنساخ وبدل ان تخرج ورقة ثانية مستنسخة اذا بالجهاز يعطيك ورقة في نفس موقع ورقتك الاصلية وبنفس الكتابة والتفاصيل ومصنوعة في نفس الزمن ومن نفس المعمل ومكتوبة في نفس زمن كتابة الاولى وبنفس القلم الذي كتبت به الورقة الاولى وفي كل تفصيل مهما كان !!! حتى انها ليست فوق او تحت الورقة الاولى بل في نفس مكانها بعينه !!! بل انك حتى لم تضغط زر الاستنساخ لان جهاز الاستنساخ لم يعد اليك الورقة في تلك اللحظة ولكن الاعادة كانت مع صنع الورقة الاولى فكانما هناك الة زمن في داخل الجهاز تمكن فيها الجهاز من صنع ورقة مماثلة للاولى وبنفس التفاصيل حتى التفاصيل الزمنية !!! نعم تبدو المسالة وكأننا نتكلم عن افلام الخيال العلمي ولامعنى للكلام السابق ولذا استحال اعادة المعدوم بعينه لانه لايمكنك ان تعيد كل التفاصيل للمعدوم. بل ان ماتعيده هو مثيل المعدوم. وهناك فرق بين المثيل وبين الشيء بعينه لان زمان الاعادة ليس هو زمن الايجاد الاولي. ومايفعله المجوزون هو انهم يقولون لك ان مثيل الشيء مساوٍ للشيء بعينه !!! اذن فما الفرق بين المثيل وبين والاصل؟؟؟ يعني اذا جاز هذا الامر لزم ان لايكون هناك فرق بين اعادة المعدوم وايجاد المماثل فليزم من هذا عدم الامتياز بين المماثل والمعاد وهو باطل. بامكانك ان تثبت امتناع اعادة المعدوم بعينه بطريقة سهلة جداً وهي ان المعاد يجب ان يكون مماثلاً للاصل من كل الجهات بما في ذلك الزمان فالزمان جزء من تشخص الشيء وهويته وبما ان زمان الاعادة غير زمان الايجاد الاولي فان المعاد ليس هو عين الاصل لاختلاف زمن الاعادة عن الايجاد الاولي.


الأخ عبد الله المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 1- الظاهر من كلام هذا المستشكل الملحد أنه قرأ الفلسفة الإسلامية، خاصة المتأخرة قراءة ناقصة ولم يفهم معنى كلمات الحكماء على حقيقتها، وإنما قرأ الفلسفة قراءة مطالع دون درس وتمحيص أو على الأقل من دون درس على يد أستاذ متمرس، لأنا نراه يقتبس ما قاله الفلاسفة بصورة ناقصة ومغلوطة ويورده على هيئة إشكال ثم لا يأتي بالجواب الذي ذكره الفلاسفة عليه. 2- في هذا الموضوع يحاول طرح كلام الفلاسفة في استحالة إعادة المعدوم ليتخذ منه إشكالاً أعيد عشرات المرات طرح من قبل منكري المعاد، على أنه أبطال له، ومبنى الإشكال يتمحور حول دعوى أن المعاد من أعادة المعدوم وإعادة المعدوم مستحيلة فالمعاد باطل وجوابه بجملة واحدة لا أكثر: إن المعاد ليس من إعادة المعدوم, فالدعوى باطلة من أساسها وعلى مدعيها الدليل. أنتهى الجواب على أشكاله كله. ولكنه في ضمن جوابه يحاول بنوع من الجدل أن يرد على قول الفلاسفة الإسلاميين ويثبت أن المعاد هو أعادة للمعدوم وأن الموت يعني العدم. 3- هنا نحاول أن نجاري هذا الملحد بخطواته في مقاله، ولكن على نحو الإيجاز، فأنه ذكر مقدمة طويلة لما يقوله الفلاسفة من استحالة إعادة المعدوم بعينه وبعض الأدلة عليه والأمثلة وهذا ليس محل النقاش لأن استحالة أعادة المعدوم ثابت عند الفلاسفة، وإن كان كلامه لا يخلو من بعض المسامحات في التعبير وصياغات خاطئة نتيجة عدم فهم كلام الفلاسفة بصورة صحيحة ودقيقة. كقوله (فالمعدوم هو نقيض الموجود)، فإن نقيض كل شيء رفعه، والوجود المقيد ليس نقيضاً للعدم المقيد, نعم الوجود نقيض للعدم، أو إيراده (كمثال للمعدوم المثلث والمربع) لأن لها وجوداً في الذهن، وإن سلمنا عدمها في الخارج،فإن الوجود أعم من الخارج والذهن. نعم عند المقايسة بين الذهن والخارج يكون ما موجوداً في الخارج غير موجود في الذهن. ومحاولته إيهام التطابق يبق عدم الإنسان وموته في مثاله عندما فرض عدم إنسان في سن الخامسة والعشرين ثم أعادته بعد الثلاثين, وسيأتي توضيحه. وبعض العبارات الأخرى طوين عنها صفحاً. إلا أنه ذكر مبحث التشخيص ونسبه إلى المتكلمين، مع أن في الأمر رأيان: رأي قدماء الفلاسفة الذين يقولون أن التشخص يكون بما يلحق الماهيات من مفاهيم وخاصة بعض المقولات العرضية, والرأي الصحيح الذي ابتدأه الفارابي من أن التشخص بالوجود لا غير. 4- وهنا نتكلم على لب إشكاله والنقطة المركزية فيه مع عدم وضوح في هذه النقطة, فأنه لم يصرح مع أي رأي هو وما هو دليله هل هو مع المتكلمين أو مع الفلاسفة? ولكن حسب ظاهر كلامه أنه أخذ من هؤلاء وهؤلاء, فقد أخذ من الفلاسفة استحالة إعادة المعدوم وأخذ من المتكلمين أن المعاد من أعادة المعدوم،والنتيجة: استحالة وبطلان المعاد. ولكنه لم يأتِ بدليل على قوله سوى الإشكال على قول الفلاسفة بأن المعاد ليس من أعادة المعدوم. 5- هنا لابد أن نوضح بأن حقيقة الإنسان هي من روح وبدن,وأن الروح باقية لا تموت أو بتعبيره تنعدم, وإنما كانت متلبسة بالبدن ثم تفارقه عند الموت, وأما البدن فأنه لا ينعدم وإنما يتحلل إلى عناصره بعد أن كان مركباً والتحلل إلى العناصر الأصلية لا يسمى عدماً. فلو فرضنا أن هناك مهندس فكك السيارة بصورة تامة إلى أجزائها الأولية ثم أعاد تركيبها فهل هذا يسمى عدماً للسيارة؟! فتحصل لدينا أن الموت لا يعني عدم لشيء، أما الروح فهي باقية,وأما البدن فهو يتحلل إلى عناصره ولا تنعدم هذه العناصر. فلاحظ. ومبنى إشكال هذا الملحد يتم لو كانت حقيقة الإنسان هي البدن فقط وأن تحلله هو انعدامه، وهذا غير صحيح. ومنه يتضح كلام العلامة الطباطبائي من قوله أن الموت نوع استكمال, لأن حقيقة الإنسان بروحه وأما البدن فهو كاللباس لها،ولكن ماذا نفعل بمن يقرأ الفلسفة قراءة مطالعة بل قراءة ناقصة!! والأعجب منه أنه يتهم العلامة في مهمته ولايتهم نفسه في فهمه، كلام العلامة!! 6- هناك كلام دائر عند الفلاسفة في حقيقة الموت هل هو أمر عدمي أو شيء وجودي وصرحوا بأنه ليس عدمياً وإنما هو أنتقال من عالم إلى عالم آخر كما ينتقل الشخص مثلاً من عالم جو الأرض إلى عالم الفضاء والخارجي فلا يقال أن وجوده في الفضاء والذي معناه عدم وجوده في جو الأرض وبالتالي أن وجوده في الفضاء أمر عدمي بل هو أمر وجودي يعبر عنه بصيغة العدم. ثم المثال الذي ذكره من البصر والعمى لا ينطبق على النقيضين لأنه من المتقابلين تقابل الملكة وعدمها. والنقاش معه يتم عند الجواب على أن الحياة والموت هل هما كالوجود والعدم أي نقيضان أو كالبياض والسواد أي ضدان أو هما من الملكة وعدمها؟ والمرجح من رأي الفلاسفة أن الموت نوع انتقال فيكون كالسواد والبياض، فأن الأبيض يقال له ليس بأسود, ولكن ليس معناه أن البياض عدم, نعم الضدان أمران وجوديان لا يجتمعان. فلاحظ. وقوله (إذا كان الموت نوع استكمال فإن الحياة نوع نقص)، فهذا غير صحيح على ظاهره، نعم فيها شائبة نقص بالقياس إلى الحياة الأخرى, وليس معناها أنها زوال وعدم,فقوله هذا مغالطة فإن العلامة يصرح بأنه استكمال والاستكمال يتم من الأقل درجة إلى الأعلى درجة. 7- وأما أن السبزواري يرى أن الموت عدماً مقيداً,فهو بلحاظ أن الموت ليس حياة في الدنيا أي عدم حياة الآخرة,وليس معناه أن الحياة الدنيا عدم, إضافة إلى ما يحدث بالبدن من عدم التركيب, وليس عدم وجود العناصر وزوالها. وأما القول بأن كل ما وجد يبقى موجوداً ولا ينعدم فهو رأي للفلاسفة يؤيد قولهم باستحالة أعادة المعدوم فهو معنا لا ضدنا وأما كونه لا علاقة له بالأديان فنحن لا نفهمه وهل يريد بأن الفلسفة تناقض الأديان مثلاً؟ فنحن عند ذلك نطالبه بالدليل وإشكاله هذا لا يكفي لأننا رددناه وأثبتنا وسنثبت بأن الفلسفة تأيد الدين.. 8- وأما أن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كتب القرآن بنفسه فلم يأتِ عليه بدليل, وأن كان دليله هو هذا الإشكال بعينه فأنا قد رددناه, فضلاً عن كونه على نحو الدور، وهذا الرأي في القرآن سبق وطرح من قبل المستشرقين الذين أنكروا الوحي النازل على محمد (ص) وقالوا بأن القرآن هو كلام محمد لصفاء روحه، والجواب عليهم في محله مفصلاً في علوم القرآن والتفسير وعلم الكلام. وأما أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) (لم يكن يعرف الفرق بين الأمرين) فهي دعوى عريضة ألقاها على عواهنها لم يأت عليها بدليل، بل سنثبت أن القرآن يفرق بين الأمرين، وأن الدين الحق الإلهي يتطابق مع العقل والفلسفة, وأنهما في الواقع لا يخالفان الوحي, نعم يمكن أن يظهر من كلمات بعض الفلاسفة المعارضة خاصة الغربيين، ولكن لا نسلم بصحة كلامهم بل أن الفلسفة الإلهية ترده. 9- إن تعبير القرآن عن الموت تعبير دقيق فهو يطلق عليه التوفي ومعناه الأخذ تماماً,ففي لسان العرب (توفي فلان وتوفاه الله إذا قبض نفسه وتوفيت المال واستوفيته إذا أخذته كله) (لسان العرب / مادة وفى)، وهو واضح بأن الموت ليس عدماً وما فهمه هذا الملحد وأشكل به على القرآن فعهدته عليه!!إذ نسب إلى القرآن النازل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً ليس فيه، وما هذه النسبة المدعاة إلا نتيجة الجهل والخلط، فلا يوجد في القرآن جواب بالقدرة على إعادة الخلق بالقياس إلى الخلق الأول على سؤال من الكافرين عن كيفية أعادة المعدوم,وإنما كان الجواب بالقياس إلى الخلق الأول على سؤال من الكافرين عن كيفية جمع العظام بعد أن تصبح رميماً, وتحول العظام إلى الرميم ليس من العدم في شيء كما أوضحنا سابقاً، قال تعالى: (( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلقَهُ قَالَ مَن يُحيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُل يُحيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ )) (يس:87-79). وقال تعالى: (( وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبعُوثُونَ خَلقاً جَدِيداً *‏ قُل كُونُوا حِجَارَةً أَو حَدِيداً * أَو خَلقاً مِّمَّا يَكبُرُ فِي صُدُورِكُم فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ )) (الإسراء:49-51). نعم يوجد في القرآن آية يمكن الفهم منها أن الكافرين يشكلون باستحالة إعادة المعدوم وأن الموت هو بطلان للشخصية، قال تعالى: (( وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلنَا فِي الأَرضِ أَئِنَّا لَفِي خَلقٍ جَدِيدٍ )) (السجدة:10). ولكن أنظر الجواب فليس فيه القياس إلى الخلق الأول وإنما جاء الجواب على شقين: الأول: بيان لحالهم الحقيقي، وأن سبب إنكارهم للمعاد هو الكفر بالله، قال تعالى: (( وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلنَا فِي الأَرضِ أَئِنَّا لَفِي خَلقٍ جَدِيدٍ بَل هُم بِلِقَاء رَبِّهِم كَافِرُونَ )) (السجدة:10). والثاني: جواب علمي قال تعالى: ((قُل يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُم ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم تُرجَعُونَ)) (السجدة:11). فهو رد عليهم بأن الموت ليس إفناءً وإعداماً وبطلان للشخصية، بل هو رجوع إلى الله وتوفي منه لأرواحكم. فأين ما زعمه هذا الملحد من أن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجبهم على سؤالهم الفلسفي؟! وأنظر إلى المغالطة والخداع والخلط الناتج من الجهل, إذ يجعل الجواب على السؤال الأول وهو تحول العظام إلى رميم جواباً على السؤال الثاني وهو استحالة أعادة المعدوم, ثم يصور لنفسه عدم معرفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالفلسفة ( ـ أعوذ بالله ـ وما جواب القرآن بلسان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أعلى كعباً من الفلسفة وأشرف بعداً من عقول المتفلسفة. ومن هو البعيد هل جواب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على السؤال، أو ذهنك المشبع بروح الإلحاد هو البعيد عن الفهم وقلبك هو البعيد عن الإيمان؟!. 10- ونحن لا نقول بأن المعاد الجسماني هو استنساخ بشري كما يحدث الآن في التجارب العلمية، وإنما نقول هو إعادة لجسم الإنسان بعناصره الأصلية التي كانت له في الدنيا والتي يصح القول عنها أنها نفس هذا الإنسان المعين. ودمتم في رعاية الله

1