السلام عليكم
يقول أحد الأشخاص بأن عذاب القبر ليس بعذاب جسدي، وانما هو عذاب نفسي كأن يبعدون الشخص عن الناس فيكون بما يشبه السجن، ولا توجد أي رواية تتحدث عن سكرات الموت، فهل هذا الكلام صحيح ؟
و اذا لم يكن صحيحاً فأرجو ذكر روايات تدل على خلافه ؟
عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
ضغطة القبر أو عذاب القبر، من أهم العقبات الصعبة التي يتعرّض لها الإنسان بعد الموت، وعُبّر عن عذاب القبر بالضغطة أو الضمة التي يتعرّض لها الميت عند دفنه في قبره، والقبر مقرّ الميت، أو هو محل سكنى الأموات، وهو أول منزل من منازل الآخرة،[١] وبحسب ما جاء في الروايات أنّ عذاب القبر لا يختص بمن دُفن تحت الأرض، بل يشمل كل الموتى، كما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام عندما «سُئل عن المصلوب يُصيبه عذاب القبر؟ فقال: إِنّ ربّ الأَرض هو ربّ الهواء، فيُوحي الله عزّ وجلّ إِلى الهواء، فيَضغطه ضغطة أشدّ من ضغطة القبر».[٢]
وطبقاً لرواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام، فإنّ معظم الناس لا تنجو من ضغط القبر، وعندما دفن النبي (ص) صلی الله عليه وآله وسلم ابنته رقية، صلى عليها ودعا الله لها بالنجاة من ضغطة القبر، كما جاء عن أبي بصير قال: قلتُ لأبي عبد اللهعليه السلام: «أيُفلِتُ من ضغطة القبر أحدٌ؟ قال: فقال: نعوذُ بالله منها ما أقلّ من يُفلِتُ من ضغطة القبر. إنّ رُقية لمّا قتلها عُثْمَانُ وقف النبيصلی الله عليه وآله وسلم على قبرها، فرفع رأسهُ إلى السماء، فدمعت عيناهُ، وقال للناس: إني ذكرتُ هذه، وما لَقِيَت، فرَققتُ لها، واستوهبتها من ضمَة القبر. قال: فقال: اللهم هب لي رُقيَة من ضمة القبر، فوهبها الله له».[٣]
غالباً ما تُجمع الأحاديث المتعلّقة بالقبر وعذابه بفصلٍ مستقل في الكتب الحديثية، وقد روى العلامة المجلسي قرابة (128) رواية في هذا الصدد، عن (القبر والعذاب وسؤال منكر ونكير، ونحوها).[٤]
أسباب عذاب القبر
ورد عن الأئمة عليهم السلام إنّ اسباب عذاب القبر كثيرة، منها: الاستخفاف بالصلاة، ومنها: عدم نصرة الضعيف، ومنها: الشك في نبوة النبي (ص)، ومنها: انقطاع الرجل عن زوجته.[٥] وقيل في سبب هذه الضغطة أنه ما من أحد إلا وقد ألمّ بذنب فتدركه هذه الضغطة جزاء له، ثم تدركه الرحمة بعد ذلك.[٦]
ومن أسباب ضغطة القبر أيضاً تضييع النعم الإلهية في الدنيا، كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم: ضغطة القبر للمُؤمن كفَّارةٌ لِما كان منه من تضييع النِعَم.[٧] ومنها أيضاً التبول مع عدم مراعاة الطهارة، ومنها: سوء الخُلق مع الأهل، كما يُستفاد ذلك من رواية سعد بن معاذ أنّ سوء خُلق الرجل مع أهله وإسماعهم ما يكرهون، أي: الإغلاظ لهم في الكلام سبباً لضغطة القبر، حيث ورد عن الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم: إنّ رسول اللَّه صلی الله عليه وآله وسلم خرج في جنازة سَعدٍ وقد شيّعهُ سبعون ألف مَلَكٍ فرفع رسول اللَّه صلی الله عليه وآله وسلم رأْسه إلى السّماء ثمّ قال مِثلُ سعدٍ يُضَمُّ قال قُلتُ جُعِلتُ فداكَ إنّما نُحدّث أنه كان يستَخِفُّ بالبَول فقال معاذ اللَّه إنّما كان من زعَارّةٍ في خُلُقه على أهلِه.[٨]
بحسب الروايات أيضاً، الغيبة والنميمة وعدم كون الشخص تحت ولاية الأئمة المعصومين عليهم السلام، وعدم نصرة المظلوم، والصلاة بدون وضوء، تسبب عذاب القبر.[٩] ورد في كتاب جامع السعادات بأنّ عدم رضا الأم يُشدّد في سكرات الموت وعذاب القبر.[١٠]
ش
١-الأحسائي، أحوال البرزخ والآخرة، ص 47.
٢-الفيض الكاشاني، الوافي، ج 3، ص 725.
٣-الكليني، الكافي، ج 3، ص 236.
٤-المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 6، صص 220-282.
٥-القمي، عباس، منازل الآخرة حول الموت وعالم ما بعد الموت، ص 52.
٦-عاشور، عبد اللطيف، عذاب القبر ونعيمه، ص 95.
٧-الصدوق، ثواب الأعمال، ص 197.
٨-المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 6، ص 202.
٩-القمي، عباس، منازل الآخرة حول الموت وعالم ما بعد الموت، صص 53-63.
١٠-النراقي، محمد مهدي، جامع السعادات، ج 2، ص 263.
والخلاصة عذاب القبر عقوبة على جرائم ومعاصي لم يتب المكلف عنها والوقاية سهلة يسيرة بالتوبة والعمل الصالح والسلام عليكم