ياسر الحسيني - ايسلندا
منذ 5 سنوات

 حكم القائل بوحدة الوجود

أولا: قد يبقى ما كان منا من استفهام على قول الملا صدرا في انكاره وجود الممكنات ومطابقة رأيه لرأي ابن عربي في ذلك حيث يقول في الأسفار ج 1، صفحة 46-47: ((قال الشيخ في المباحثات إن الوجود في ذوات الماهيات لا يختلف بالنوع، بل إن كان اختلاف فبالتأكد والضعف وإنما تختلف ماهيات الأشياء التي تنال الوجود بالنوع وما فيها من الوجود غير مختلف النوع فإن الإنسان يخالف الفرس بالنوع لأجل ماهيته لا لوجوده فالتخصص للوجود على الوجه الأول بحسب ذاته بذاته، وأما على الوجه الثاني فباعتبار ما معه في كل مرتبة من النعوت الكلية قال في التعليقات الوجود المستفاد من الغير كونه متعلقا بالغير هو مقوم له كما أن الاستغناء عن الغير مقوم لواجب الوجود بذاته و المقوم للشيء لا يجوز أن يفارقه إذ هو ذاتي له، وقال في موضع آخر منها الوجود إما أن يكون محتاجا إلى الغير فيكون حاجته إلى الغير مقومة له، وإما أن يكون مستغنيا عنه فيكون ذلك مقوما له ولا يصح أن يوجد الوجود المحتاج غير محتاج كما أنه لا يصح أن يوجد الوجود المستغني محتاجا و إلا قوم بغيره و بدل حقيقتهما. انتهى. أقول: إن العاقل اللبيب بقوة الحدس يفهم من كلامه ما نحن بصدد إقامة البرهان عليه حيث يحين حينه من أن جميع الوجودات الإمكانية والإنيات الارتباطية التعلقية اعتبارات وشئون للوجود الواجبي وأشعة وظلال للنور القيومي لا استقلال لها بحسب الهوية ولا يمكن ملاحظتها ذواتا منفصلة وإنيات مستقلة لأن التابعية والتعلق بالغير والفقر والحاجة عين حقائقها لا أن لها حقائق على حيالها عرض لها التعلق بالغير والفقر والحاجة إليه، بل هي في ذواتها محض الفاقة والتعلق فلا حقائق لها إلا كونها توابع لحقيقة واحدة فالحقيقة واحدة وليس غيرها إلا شئونها وفنونها وحيثياتها وأطوارها ولمعات نورها وضلال ضوئها وتجليات ذاتها كل ما في الكون وهم أو خيال أو عكوس في المرايا أو ضلال)). ثانياً: ورد في ردكم الأخير أن الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي قام بالردّ على ملا صدرا الشيرازي في عدد من كتبة ورسائله وخاصة في شرح المشاعر وشرح العرشية وانتقده بشدة لذهابه إلى القول بمسألة بسيط الحقيقة كل الاشياء تبعا لابن عربي، ولم ينسبها إلى ملا صدرا مباشرة. فكيف ترون كلام الشيخ الاحسائي: ((وأعلم إن الملا صدرا الشيرازي من القائلين بها وقد ذكر في المشاعر أصل دليل هذه المسألة)) معنى بسيط الحقيقة كل الأشياء ص29. فهل يفهم من كلامه عدم النسبة اليه مباشرة؟ ثم إن قولكم: ((وانتقده بشدة لذهابه إلى القول بمسألة بسيط الحقيقة كل الاشياء تبعا لابن عربي))، ألا يعد انه من القائلين بها؟


الأخ ياسر المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أولاً: لا نسلم أن المعاني التي ذكرها ابن سينا تطابق ما ذهب إليه ملا صدرا، فالمدرسة السينوية في الحكمة تختلف من حيث المباديء الفلسفية عن فلسفة ملا صدرا التي هي خليط من الفلسفة الاشراقية للسهروردي وعلم التصوف حسبما انتهي إليه على يد محي الدين بن عربي ... المزید ولكن يستطيع ملا صدرا مثلما يستطيع اي فيلسوف آخر أن يوجه كلام الشيخ الرئيس توجيها يتفق مع مبانيه الفلسفية، وهذا ما فعله ملا صدرا في النص المقتبس، فإنه اراد التماس الدليل على رأيه بالرجوع إلى مباني المدرسة المشائية وخاصة ما أفاده طودها الشامخ ابن سينا. ففسر مفهومي (التعلق والتقوم) المذكورين في النص السينوي بما يريد أن يؤسس له من مفهومي (التعلق والربط) في الوجود، فالوجود الرابط الذي هو محض التعلق لا حقيقة له مستقلة، لأن حقيقته تظهر بالتعلق والارتباط بالوجود الواجبي، وأما من دونه فلا حقيقة له ولا تذوت. وقد أشار ملا صدرا في مفتتح النص الذي فسر به قول ابن سينا ان هذا الفهم هو ناتج عن الحدس. وكنا قد أوضحنا في جوابنا السابق أن هنالك اختلاف في معنى وحدة الوجود بين مذهب ابن عربي وبين مدرسة الحكمة المتعالية، فابن عربي وسائر المتصوفة لا يعتقدون بالوجود الرابط التعلقي، ولا يعتقدون بكون الوجود حقيقة واحدة ذات مراتب متفاوتة وهو ما يسمى بـ(التشكيك في الوجود)، بل يظنون أن الوجود حقيقة واحدة ومرتبة واحدة وأن جميع ما يتراءى لنا في الحس إنما هو محض وهم أو خيال لا حقيقة له. وهذا الفرق دقيق جداً حتى ظنّ بعض شراح ملا صدرا أنه يقول بوحدة الوجود والموجود معاً في عين الوحدة، في حين أنه بابتكار مفهوم التعلق والوجود الرابط قد اشار إلى تعدد الحقائق الوجودية بحسب الرتبة، فالوجود الواجب هو وجود حقيقي مستقل والوجود الرابط هو وجود حقيقي غير مستقل. ثانيا: الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي قد علم أن ملا صدرا أخذ قضية (بسيط الحقيقة كل الأشياء) من ابن عربي، فليس ملا صدرا إذاً هو قائلها الأول، وإنما تلقاها من ابن عربي وحاول إقامة البرهان عليها في عدد من كتبه (ومنها كتابه "المشاعر" الذي رد عليه الأحسائي بكتاب "شرح المشاعر")، وذلك باعتبار هذه القضية متفقة مع أصول الحكمة المتعالية ككثير من القضايا التي أخذها من ابن عربي ثم وجهها تبعا لأصول فلسفته. فمرادنا من عبارة (ولم ينسبها إلى ملا صدرا مباشرة) هو الإشارة إلى أن قضية (بسيط الحقيقة كل الاشياء) قد أخذها الملا من ابن عربي وليست هي من عندياته. ودمتم في رعاية الله

1