العلاقة بين تعليم آدم وتعليم القلم في القرآن
السلام عليكم في سورة العلق يقول تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)﴾ صدق الله العظيم. وفي سورة البقرة يقول تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا... (٣١)﴾ صدق الله العظيم هل يعني الله سبحانه وتعالى علم آدم بالقلم؟ أتمنى من حظرتكم الجواب.
وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب ولدي العزيز، لابد من التطرق لتفسير الآيتين كي يتضح المعنى لكم. جاء في كتاب الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج١، الصفحة (١٥٨-١٥٩): ﴿عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾ اختلف المفسرون في تفسير «تعليم الأسماء»، ومن المؤكد أن المقصود من ذلك ليس هو تعليم الأسماء دون المعاني. فذلك لا يكسب آدم فخراً بل المقصود هو معاني الأسماء والمفاهيم و المسميات. هذا العلم بالكون وبأسرار الموجودات وخواصها، كان مفخرة كبيرة لآدم طبعاً. عن أبي العباس قال: سألت الإمام الصادق (عليه السّلام) عن قول اللّه: ﴿وعلّم آدم الأسماء كلها﴾ ماذا علّمه؟ قال: "الأرضين والجبال والشعاب والأودية ثم نظر إلی بساط تحته فقال: وهذا البساط ممّا علّمه" (الميزان، ج ١، ص ١١٩). علم الأسماء إذن لم يكن يشبه «علم المفردات» بل كان يرتبط بفلسفة الأسماء وأسرارها وكيفياتها وخواصها. واللّه سبحانه منح آدم هذا العلم ليستطيع أن يستثمر المواهب المادية والمعنوية في الكون علی طريق تكامله. كما منح اللّه آدم قابلية التسمية، ليستطيع أن يضع للأشياء أسماء، وبذلك يتحدث عن هذه الأشياء بذكر اسمها لا بإحضار عينها. وهذه نعمة كبری، نفهمها لو عرفنا أن علوم البشرية تنقل عن طريق الكتب والمدوّنات. وما كان هذا التدوين مقدوراً لولا وضع الأسماء للأشياء وخواصها. وجاء كذلك في كتاب الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج١٨، الصفحة (٥٢١): وذكر بعض المفسرين أن كلمة (القلم) هنا يقصد بها: (القلم الذي تخط به ملائكة الله العظام الوحي السماوي)، (أو الذي تكتب به صفحة أعمال البشر)، ولكن من الواضح أن للآية مفهوماً واسعاً، وهذه الآراء تبين مصاديقها. أما ما جاء في تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج١٠، الصفحة (٣٩٩-٤٠٠): ﴿الذي علم بالقلم﴾ أي علم الكاتب أن يكتب بالقلم، أو علم الانسان البيان بالقلم، أو علم الكتابة بالقلم. امتن سبحانه على خلقه بما علمهم من كيفية الكتابة بالقلم، لما في ذلك من كثرة الانتفاع فيما يتعلق بالدين والدنيا. قال قتادة: القلم نعمة من الله عظيمة، لولاه لم يقم دين، ولم يصلح عيش. وقيل: أراد سبحانه آدم، لأنه أول من كتب (عن كعب). وقيل: أول من كتب إدريس، (عن الضحاك). وقيل: أراد كل نبي كتب بالقلم، لأنه ما علمه إلا بتعليم الله إياه. ﴿علم الانسان ما لم يعلم﴾ من أنواع الهدى والبيان، وأمور الدين والشرائع والأحكام. فجميع ما يعلمه الانسان من جهته سبحانه، إما بأن اضطره إليه، وإما بأن نصب الدليل عليه في عقله، وإما بأن بينه له على ألسنة ملائكته ورسله، فكل العلوم على هذا مضاف إليه. وفي هذا دلالة على أنه سبحانه عالم، لأن العلم لا يقع إلا من عالم. ودمتم موفقين.