الأخ حامد المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نظرية وحدة الوجود في الجملة هو قول قديم أخذت به البراهمانية, والرواقية, والأفلاطونية الجديدة, والصوفية, وصدر الدين الشيرازي وأتباعه وغيرهم.
فالبرهمانيون يردون كل شيء إلى الله, ويعتقدون أن (براهمان) هو الحقيقة الكلية ونفس العالم, وأن جميع الأشياء الاخرى ليست سوى أعراض ومظاهر لهذه الحقيقة. والرواقيون يقولون: إن الله والعالم موجود واحد, وأن العالم لا ينفصل عن الله, وفلاسفة الافلاطونية الجديدة يقولون: إن الله واحد وأن العالم يفيض عنه كفيضان النور عن الشمس وأن الموجودات مراتب مختلفة, إلا أنها لا تؤلف مع الله إلا موجوداً واحداً. والمتصوفون يقولون: إن الله هو الحق, وليس هنالك إلا موجود واحد, وهو الموجود المطلق أما العالم فهو مظهر من مظاهر الذات الإلهية, وليس له وجود في ذاته لأنه صادر عن الله بالتجلي, وبعبارة أخرى: إن الوجود ـ عند المتصوفة ـ حقيقة واحدة لا تكثر فيها, وما يرى من الممكنات المتكثرة أمور موهومة باطلة الذوات تتخيلها الواهمة وهي كثانية ما يراه الأحول, فتكون الوحدة حقيقية والكثرة اعتبارية محضة: وهذه هي النظرية التي عبّر عنها الحكيم السبزواري بـ ((وحدة الوجود والموجود)), غير أن لازم هذا الاتجاه الذي يذهب إليه الصوفية هو نفي الشرائع والملل وإنزال الكتب وإرسال الرسل, ويكذبهم الحس والعقل.
ويعتقد صدر الدين الشيرازي ان الواقع الخارجي متعدد ومتكثر حقيقة بسبب اختلاف الآثار المترتبة على تعدد الحقائق, وإن كان ذلك الاختلاف ليس بسبب أمر خارج عن نفس حقيقة الوجود الواحدة, وقد عرفت هذه النظرية بـ (وحدة الوجود وكثرة الموجود).
وقد يرى كثير من العلماء المخالفين لآراء صدر الدين الشيرازي أنه لا فرق بين كلامه و بين ما ذهب اليه البراهمانية, والرواقية, والأفلاطونية الجديدة, الا بالالفاظ.
ولفكرة وحدة الوجودعدة صور جديدة, كوحدة الوجود الإسبينوزية نسبة للفيلسوف (اسبينوزا) التي تقرر أن الله هو وحده الموجود الحق, وأما الموجودات الأخرى فليست بحق. ورأيه هذا قريب من رأي المتصوفة, فقد يكون متأثراً بهم. ووحدة الوجود المثالية عند هيجل التي تقرر أن الله هو الروح الكلي الكامن في الأرواح الجزئية. ووحدة الوجود الطبيعية التي توحد الله والطبيعة, حيث تقول إن الله هو الطبيعة ليس غير, وهذا ما ذهب إليه كل من دولباخ وديدرو وبعض الهيجليين.
وبما أنك سألتنا عن موقف العلماء الماضين والمعاصرين, من القول بوحدة الوجود, فيجب أن ننبه إلى أن فكرة وحدة الوجود كما استقصيناها ليست بنفس المعنى, وجل علمائنا الماضين لا يقولون بصحة هذه النظرية في أغلب صورها المشار إليها.
ودمتم في رعاية الله