السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته
لديَّ سؤالان:
الأول: هل صحيح أن الشيخ الطوسي
قد تلاعب بكتاب الرجال للنجاشي؟
الثاني: أصحاب كتاب الرجال، مثل النجاشي والشيخ الطوسي، كيف يمكنهم معرفة حال الرواة وهم لم يعيشوا في زمنهم ولم يرونهم؟
بل كيف يحكمون على حالهم وهم كما ذكرت لم يكونوا متواجدين معهم في نفس الفترة؟
هذه الأسئلة تتردد بين من يريد الطعن بعلم الرجال وبعلمائنا الكبار، فكيف نرد عليهم؟
جزاكم الله خير الجزاء
وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته
أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب
ولدي العزيز.
١- لا مثبت لذلك وعلى من يدعيه اثباته بالدليل، ولا دليل أصلاً على هذه الدعوى إطلاقاً، إنما هي مجرد كذب وافتراء.
٢- للجواب عن ذلك ننقل لكم ما جاء في كتاب دروس تمهيدية في القواعد الرجالية
للشيخ باقر الايرواني، ص(١١١):
نص بعض الرجاليين المتقدمين:
الرجالي الذي يقوم بالتوثيق والتضعيف تارة يكون من المتقدمين كالنجاشي والشيخ الطوسي وأُخرى يكون من المتأخرين كالعلّامة وابن طاووس.
والذي يراد الإشارة له الآن هو نص بعض الرجاليين المتقدمين على وثاقة شخص، وأما نص بعض المتأخرين فتأتي الإشارة له فيما بعد إن شاء اللّٰه تعالى.
والوجه في حجية توثيق المتقدمين ـ على ما قيل ـ هو أن مثل النجاشي ثقة، وحيث أن خبر الثقة حجة بالسيرة العقلائية الممضاة من قبل الشارع بسبب عدم الردع فتثبت حجية توثيق مثل النجاشي.
والإخبار عن الوثاقة وإن كان إخباراً عن موضوع من الموضوعات وليس اخباراً عن حكم شرعي إلّا ان دليل حجية خبر الثقة ـ وهو السيرة العقلائية ـ عام للإخبار عن الموضوع أيضاً خلافاً لبعض حيث اختار اختصاص الحجية بما إذا كان الإخبار عن حكم.
لا يقال: إن خبر الثقة وان كان حجة بالسيرة العقلائية إلّا أن ذلك فيما إذا كان الإخبار اخباراً عن حس دون ما إذا كان عن حدس واجتهاد، ومن الواضح أن النجاشي حينما يوثّق زرارة مثلاً فحيث أنه ليس معاصراً له كان اخباره عن وثاقته إخباراً عن حدس لا عن حس.
فانه يقال: إن النجاشي وإن لم يكن معاصراً لزرارة إلّا ان إخباره عن وثاقته يحتمل كونه إخباراً عن حس، ومع احتمال كونه عن حس يلزم البناء على ذلك ـ أي كونه اخباراً عن حس ـ لأصالة الحس العقلائية عند دوران الإخبار بين كونه عن حس أو عن حدس.
اذن لنا دعويان لا بدَّ من اثباتهما: ـ
احداهما: ان إخبار النجاشي عن وثاقة زرارة يحتمل كونه عن حس.
ثانيتهما: لا بدَّ من البناء على الحس عند الدوران بينه وبين الحدس.
اما بالنسبة إلى الدعوى الأولى فيمكن أن يقال في اثباتها أن مجرد عدم المعاصرة الزمنية بين زرارة والنجاشي لا يستلزم كون اخباره عن وثاقته إخباراً عن حدس، فنحن نخبر عن وثاقة الشيخ الطوسي والأنصاري والآخوند الخراساني ونظائرهم من علمائنا المتقدمين، ولكن هل إن اخبارنا عن ذلك اخبار عن حدس؟ كلا إنه اخبار عن حس، فإن وثاقة أمثال هؤلاء الأعلام واضحة في زماننا كوضوح الشمس في رابعة النهار.
ونفس الشيء يمكن أن نقوله في توثيق النجاشي لزرارة فإن الكتب الرجالية المعدَّة للتوثيق والتضعيف كانت كثيرة في الفترة التي عاشها النجاشي والشيخ الطوسي وحصل الوضوح نتيجة تلك الكتب.
ولعل أول من تصدَّى للتأليف في هذا المجال هو الحسن بن محبوب الراوي الجليل حيث ألفَّ كتابه المعروف بالمشيخة وتلته كتب أخرى على ذلك المنوال.
وقد تصدى الشيخ أغا بزرك الطهراني (قدس سره) بجمع من الَّف في المجال المذكور في كتاب سماه بمصفى المقال ذكر فيه ما يزيد على مائة تأليف.
ومما يؤكد ما نقول تعبير الشيخ الطوسي في عدته حيث قال: «إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار فوثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء ... المزید وصنفوا في ذلك الكتب...».
والنجاشي يعبر أحياناً في ترجمة بعض الرواة ويقول: «ذكره أصحاب الرجال».
وأما بالنسبة إلى الدعوى الثانية فيمكن أن نقول في اثباتها أن العقلاء إذا اخبرهم ثقة بخبر فلا يأخذون بالتدقيق معه وإن اخبارك عن حس أو عن حدس بل مادام يحتمل نشوؤه عن حس فهم يبنون عليه.
هذا مختصر جداً، وإلا فإن التفصيل فيه كلام طويل ولابد من فهمه بأن يكون طالباً حوزوياً قد تجاوز الكثير من المراحل كي يتضح الجواب بصورة جلية.
ودمتم موفقين.