logo-img
السیاسات و الشروط
ام مهدي ( 25 سنة ) - العراق
منذ 11 شهر

اليأس من الحياة

سلام عليكم يأست من الحياة، ولا توجد لديَّ أي رغبة فيها، قطعت الصلاة والأدعية. أنا متزوجة وحامل وعليَّ ضغط نفسي وأشعر نفسي تعبة جداً، ولا توجد لديَّ طاقة تحمل، كرهت الحياة. ماذا أفعل كي أرجع مثل قبل؟ وشكراً جزيلاً.


وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته مرحباً بكم في تطبيقكم المجيب ابنتي الكريمة، أرجو التأمل في ما أجيبك بنقاط: النقطة الأولى: لا يخفى على أمثالك أن الحياة التي تستحق التضحية والحرص على نيلها هي الحياة الآخرة ونيل رضا الله سبحانه وتعالى والحشر مع أولياءه، ولا يمكن قياس الحياة الدنيا على تلك الحياة فإنها حياة خلد وخسرانها لا سمح الله هو الخسران المبين ولذا لو لاحظنا اهتمام النبي وآله (صلوات اللّٰه وسلامه عليهم أجمعين) بذلك وجدناهم يتوسلون الله بما لا يطيقه غيره من التوسل من أجل نيلها والتشرف بها والنظر فيها إلى كرامة الله سبحانه وتعالى فقد ورد في دعاء كميل المروي عن الأمير علي (عليه أفضل الصلوات والتسليم): "… يا رَبِّ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفِي عَنْ قَلِيلٍ مِنْ بَلاءِ الدُّنْيا وَعُقُوباتِها، وَما يَجْرِي فِيها مِنَ المَكارِهِ عَلَى أَهْلِها، عَلَى أَنَّ ذلِكَ بَلاءٌ وَمَكْرُوهٌ قَلِيلٌ مَكْثُهُ، يَسِيرٌ بَقاؤهُ قَصِيٌر مُدَّتُهُ، فَكَيْفَ احْتِمالِي لِبَلاءِ الآخِرَةِ وَجَلِيلِ وُقُوعِ المَكارِهِ فِيها، وَهُوَ بَلاءٌ تَطُولُ مُدَّتُهُ وَيَدُومُ مَقامُهُ وَلا يُخَفَّفُ عَنْ أَهْلِهِ، لأَنَّهُ لا يَكُونُ إِلَّا عَنْ غَضَبِكَ وَانْتِقامِكَ وَسَخَطِكَ؟! وَهذا ما لا تَقُومُ لَهُ السَّماواتُ وَالأَرْضُ، يا سَيِّدِي فَكَيْفَ بِي وَأَنَاْ عَبْدُكَ الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ الحَقِيرُ المِسْكِينُ المُسْتَكِينُ؟! يا إِلهِي وَرَبِّي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ، لِأَيِّ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَشْكُو، وَلِما مِنها أَضِجُّ وَأَبْكِي، لِأَلِيمِ العَذابِ وَشِدَّتِهِ، أَمْ لِطُولِ البَلاءِ وَمُدَّتِهِ؟! فَلَئِنْ صَيَّرْتَنِي لِلْعُقُوباتِ مَعَ أَعْدائِكَ، وَجَمَعْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِ بَلائِكَ، وَفَرَّقْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحِبّائِكَ وَأَوْلِيائِكَ؛ فَهَبْنِي يا إِلهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ وَرَبِّي، صَبَرْتُ عَلَى عَذابِكَ فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلَى فِراقِكَ؟ وَهَبْنِي صَبَرْتُ عَلى حَرِّ نارِكَ فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَنِ النَّظَرِ إِلى كَرامَتِكَ؟ أَمْ كَيْفَ أَسْكُنُ فِي النّارِ وَرَجَائِي عَفْوُكَ؟ فَبِعِزَّتِكَ يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ أُقْسِمُ صادِقاً، لَئِنْ تَرَكْتَنِي نَاطِقاً لَأَضِجَّنَّ إِلَيْكَ بَيْنَ أَهْلِها ضَجِيجَ الآمِلِينَ، وَلَأَصْرُخَنَّ إِلَيْكَ صُراخَ المُسْتَصْرِخِينَ، وَلَأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بُكاءَ الفاقِدِينَ، وَلَأُنادِيَنَّكَ أَيْنَ أَنْتَ يا وَلِيَّ المُؤْمِنِينَ…" الى آخر الدعاء. وهذا المقطع من الدعاء العظيم واقعاً هو تسلية لقلوب المؤمنين في أن الدنيا هي هكذا خصوصاً مع المؤمنين لما للصبر على بلائها من تطهير للنفس وسلوكاً بها إلى رضا الله سبحانه وتعالى والفوز بصحبة الأخيار فيها من الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. النقطة الثانية: إنَّ ما يهم في الأمر والذي أريد بيانه لك هو أن المؤمن عليه أن لا يحقر الدنيا وييأس منها يأساً يفقدها قيمتها التي سأبينها لك فيما يأتي فلابد من التوسل بالله سبحانه وتعالى أن يطيل في عمر الإنسان بخير وعافية، لأن الحياة الآخرة والتي تقدم الكلام عنها في النقطة الأولى وما لها من العظمة التي أدناه هو الخلود لا يمكن أن تنال إلا من خلال الدنيا، فالدنيا ممّر والأخرة هي المقر ولا يمكن الوصول إلى المقر دون المرور بالممر لذلك المقر. جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "الدنيا دار ممر لا دار مقر، والناس فيها رجلان: رجل باع فيها نفسه فأوبقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها". ومن خلال ما تقدم تبيّن ان الدنيا هي الممّر للآخرة وأن الآخرة مرهون تحصيلها بما تقدمه في هذه الدنيا فقد قال الله تعالى في سورة النحل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١)}. النقطة الثالثة: إن الدعاء هو المادة الأساسية في حياة الإنسان ولو لا الدعاء لا قيمة له كما في الآية الكريمة من سورهطة الفرقان: {قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّى لَوْلَا دُعَآؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًۢا (٧٧)}، ولكن على المؤمن أن يعرف شيئاً أساسياً في هذا المجال ألَا وهو أنّ الملاك في الاستجابة وعدمها هو مصلحة الداعي، ببيان أن الله سبحانه وتعالى لا يستجيب من الدعاء ما يكون على خلاف مصلحة الدعاء وهذا المعنى ما يقرره إهل البيت (عليهم السلام) في كلماتهم ومناجاتهم كما ورد ذلك في دعاء الإفتتاح: " ... المزید فَاِنْ اَبْطأَ عَنّي عَتَبْتُ بِجَهْلي عَلَيْكَ، وَلَعَلَّ الَّذي اَبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الاُْمُورِ، فَلَمْ اَرَ مَوْلاً كَريماً اَصْبَرَ عَلى عَبْد لَئيم مِنْكَ عَلَيَّ يا رَبِّ، اِنَّكَ تَدْعُوني فَاُوَلّي عَنْكَ…" الى آخر الدعاء فلابد من ملاحظة ذلك عندما تتأخر الإستجابة أم لم تتحقق والتسليم لله سبحانه وتعالى. وفي الختام الذي عليك هو أن تتوكلي على الله وتسلمي له تسليماً وان تستثمري شبابك في طاعة الله سبحانه وتعالى وأن تقومي بوظيفتك الشرعية على أتم وجه نيلاً لرضاه (عزَّ وجلَّ) وأن تدعوه أن يطيل في عمرك للاستزادة إلى الآخرة فإنها درجات ودرجاتها لا متناهية وسير العبد في نيل تلك الدرجات مرهون بعمله. ودمتم في رعاية اللّٰه وحفظه.

6