الأخ جاسم المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في مستدركات اعيان الشيعة 7/ 240 قال حسن الامين :
ويختص الفصل الثاني من كتاب ( في تحقيق ما للهند ) في بحث المفهوم الهندي لله . ويذكر البيروني في البداية درس العقائد التي يحملها عامة الناس واتضح له أن هؤلاء العامة يحملون اعتقادات دينية تختلف من مجموعة إلى أخرى، ثم يضيف بان طلاب العلم لهم القدرة على فهم العقائد النظرية حول الله، بينما لا يفهم العوام إلا ما يمكنهم الاحساس به وإدراكه . وقد درس البيروني بالتفصيل عقائد الهندوس المتعلمين وعقائد العوام حول الله وأوضح التفاوت فيما بين عقائد الطرفين . الله :
يعتمد البيروني بصورة رئيسية على ( ودا ) الذي نزل على برهمن ويقول برهمن في ( ودا ) : « اسمه يثبت وجوده، فحيثما يكون ثمة خبر فلا بد من وجود شيء يتعلق به هذا الخبر . وهو غائب عن الحواس ولا يمكن إدراكه بها، ولكن الروح تدركه وتحيط بصفاته . الراحة ترافق العبادة الخالصة له، ويمكن نيل السعادة بمواصلة هذه العبادة » .
ويضيف البيروني قائلا : « يعتقد الهندوس بوحدانية الله وخلوده وأزليته وأبديته، وأنه قادر، حكيم، حي، محيي، حاكم، حافظ، واحد في ملكوته ومنزه عن كل شبه واختلاف، وهو لا يشبه أحدا ولا يشبهه أحد » . ويستند البيروني في آرائه إلى الآثار الدينية والفلسفية للهندوس وينقل عن ( بهاگوادگيتا ) بعضا من البهاراتا، الفصل العاشر الفقرة الثانية والثالثة :
« لم يبدأ عالمي بالولادة ولا ينتهي بالموت، ولا أقصد الأجر من وراء أعمالي . وليس لي علاقة خاصة بجماعة من الخلق، فالصديق واحد والعدو واحد، وقد أعطيت كل مخلوق قدر حاجته، ولذلك فان كل من عرف صفتي هذه وسعى إلى الاقتداء بي، ستطلق رجلاه من القيود، ويسهل انعتاقه ونجاته » . وفيما يلي حديث آخر من ( دوا ) نقلا عن نفس الكتاب :
« إن الطمع هو الذي يجعل أغلب الناس يلجئون إلى الله في طلب حاجاتهم . ولكن إذا حققت النظر في عملهم، سترى أنهم لا يزالون بعيدين عن المعرفة الدقيقة له، إذ لا يتجلى الله لأحد، ليتسنى له إدراكه بحواسه، وإذن فهم لا يعرفونه . وبعض هؤلاء لا يرتقون عما تدركه حواسهم، وبعضهم أقل شانا من ذلك، ولكنهم يقفون عند قوانين الطبيعة، ولا يفقهون أن ثمة أحدا، لم يلد ولم يولد، هو فوق كل هذه القوانين، ولا يطال جوهر وجوده علم أحد، ويحيط علمه بكل شيء .
ويتحدث البيروني في بحوثه عن الاختلاف الدقيق لمفاهيم أيشور ( مصطلح يعني حاكم العالم ) ودوا ( مصطلح يعني الآلهة المشعة ) وعن استحقاق دوا للحمد والعبادة ولكنه ليس إلها . وينسب البيروني هذا المفهوم إلى أشوت ( شجرة التين المقدسة ) التي تتميز بكون جذورها منتصبة إلى الأعلى وأعضائها نحو الأسفل، ويشير هذا الوجود النوراني إلى برهمن . ويعتبر استناد البيروني إلى هذه الشجرة صحيحا، ويشرح البيروني العقائد الموجودة في بهاگوادگيتا، 10، 26، 15، 1 و 2 و ( كاتها أو بانيشاد 2 و 31 ) .
« يوضح لردشري بها گوان لأرجن بأنه روح جميع الأشياء ووارث كل شيء وكذلك هو المبدأ والمحور والنهاية، ويمكن تشبيهه بشجرة أشوت التي تتجه جذورها نحو الأعلى وتمتد أغصانها نحو الأسفل .
ونقلا عن المتعلمين فان أيشور هو : « الغني الرحيم، وهو الذي يعطي ولا يأخذ، وهؤلاء يعتقدون بان وحدانية الله مطلقة . وبدون وجود الله وجودا واقعيا، لأن وجود كل شيء يتعلق بوجوده . ويمكن تصور وجوده وعدم وجود الموجودات، ولكن من المستحيل تصور وجودها وعدمه » .
ويعتقد البيروني بان الله هو العلة الأولية، أي غاية جميع العلل، ويضيف بان اليونانيين القدامى يقتربون في هذا المجال من الهندوس، وكذلك يقترب هذا الرأي من رأي الصوفيين . ويمكن أن يكون ( الله ) هذا هو نفس واجب الوجود لدى ابن سينا .
وبالاضافة إلى ذلك، يذكر البيروني بان عوام الهندوس الأميين يعتقدون بتشبه الله بالإنسان، ولكن المتعلمين من الهندوس يرفضون هذا الاعتقاد . ويصف أحد الأميين من عوام الهندوس علم الله، بأنه ذو ألف عين .
ويضيف البيروني قوله : « . . . وفي أوساط الهندوس، يجتنب المتعلمون هذه الاعتقادات القائلة بتشبه الله بالإنسان، بينما يتمسك بها العوام كثيرا، ويتجاوزون ما ذكرناه إلى ما هو أبعد منه، فهم ينسبون إلى الله الزواج والابن والبنت وسائر الأحوال الجسمانية، ولا يتورعون عن الخوض في أمور غير مناسبة حينما يتكلمون عن هذه الأمور » .
ويشير البيروني إلى نظرية الفعل، فيقول أن الهندوس يختلفون في تعريف الفعل والفاعل . فبعضهم يعتقد بان الله هو مصدر الأفعال وهو علة الأشياء . « ويعتقد البعض الآخر بصدور الفعل عن أسباب أخرى غير الله، فلكل فعل علة خاصة به، ويرى آخرون بان اتحاد الفعل والفاعل يتم تحت تأثير الطبيعة، ولا بد لمثل هذا الأمر أن يتعرض لزيادة أو نقصان، كما هو حال جميع الأشياء الأخرى . وثمة أفراد آخرون يعتقدون أن الروح هي مصدر الأفعال، حيث ورد في ( ودا ) : إن كل موجود يستمد وجوده من ( بوروش ) » . وبعد حديثه عن الاختلاف حول الفعل والفاعل، يذكر البيروني :
« وكل هذه الآراء غير صحيحة، فالحقيقة أن الفعل يرتبط ارتباطا وثيقا بالمادة، لأن المادة هي التي تخلق الروح وتخضعها لظروف شتى ثم تعتقها، وعلى هذا الأساس فان المادة هي الفاعل وتساهم في إنجاز الفعل جميع متعلقات المادة . وأما الروح فهي ليست فاعل، لأنها عارية عن مختلف القابليات » .
ويشير البيروني كذلك إلى اللافعل اللاإرادي ( نيسكاما - كارما ) الذي ذكر في ( بهاگوادگيتا ) 3، 30، 4، 21، 6، 10 .
ويعتبر الهندوس مسألة الخلق أمرا في غاية الأهمية، على غرار ما هو موجود عند المسلمين والمسيحيين، وقد تعرض البيروني لبحث مسألة الخلق من وجهة نظر الهندوس، وأوضح بأنهم ينظرون إلى جميع الخلق
على أنهم مجموعة واحدة، وتحت عنوان المعقولات يصف الله على أنه العقل الصرف، والأفراد أو الموجودات المنفصلة على أنها ( دوا بوروش ) العناصر المادية أو الطبيعة على أنها المحسوسات . وهي تشمل أربعة وعشرين جزءا . فالله هو الخالق، ويعني ذلك أن الطبيعة صادرة عنه، وفي نفس الوقت توجد عدة نظريات متضاربة فيما بينها حول الخلق ونشوء العالم، ولكن البيروني لم يتعرض لذكرها .
ودمتم في رعاية الله