sa ( 18 سنة ) - العراق
منذ 9 أشهر

رسالة عملية

متى ظهرت الرسالة العملية للعلماء؟ وما أقدم رسالة عملية لمراجع الشيعة؟


السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته مرحباً بكم في تطبيقكم المجيب جاء في فقه أهل بیت (علیهم السلام)، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الاسلامي، الجزء٥٦، صفحة (١٣٦ـ١٣٩): لم يظهر مصطلح (الرسالة العملية) إلا في القرن الحادي عشر الهجري. وأمّا مضمونها وهو تدوين كتاب مستقلّ لبيان الحكم الشرعي للمكلّفين في مختلف الأبواب الفقهية فهذا قد عرفه الوسط الشيعي بعد الغيبة الكبرى؛ لاحتياج عامة المكلّفين إلى دستور يرجعون إليه في أحكامهم واعتقاداتهم، ولذا كانت بعض الكتب المدوّنة لهذا الغرض تشتمل على ( الاُصول والفروع) معاً. ولعلّ أول كتاب ـ والله العالم ـ صُنّف في هذا المجال هو كتاب (من لا يحضره الفقيه) للشيخ الصدوق، وقد يبدو إدراج هذا الكتاب في هذا السياق غريباً إلى حدٍّ ما، إلا أنّ مراجعة مقدّمة الكتاب تؤيد ذلك، حيث ذكر الشيخ الصدوق أنّه طلب إليه الشريف أبو عبد اللّٰه (المعروف بنعمة) أن يصنف إليه كتاباً في الفقه والحلال والحرام ليكون مسعفاً له على شاكلة كتاب محمد بن زكريا الرازي (من لا يحضره الطبيب)، وذلك ليكون إليه مرجعه، وعليه معتمده، وبه أخذه؛ ويشترك في أجره من ينظر فيه وينسخه ويعمل بمودعه ... المزید فأجبته ـ والكلام للشيخ الصدوق ـ ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما اُفتي به وأحكم بصحته وأعتقد أنّه حجة فيما بيني وبين ربي ... فالغرض من تأليف الكتاب هو الغرض من الرسالة العملية، وهو عمل المكلّف بها ورجوعه إليها في قضايا الحلال والحرام، كما ينبّه عليه نفس الاسم الذي اختاره له مصنّفه (من لا يحضره الفقيه). نعم ، لغة هذا الكتاب هي لغة روائية تدخل في إطار الفقه المأثور، ولذا وجد الفقهاء من بعده فيه ضالّتهم، وهو اعتباره مرجعاً روائياً بعد أنّ كتبه مؤلّفه ليكون مرجعاً فتوائياً، لكن هذه جهة اُخرى لا تخرج الكتاب عن الغرض الذي كُتب من أجله. ولعلّ رسالة ابن بابويه إلى ولده الصدوق المسمّاة (بالشرائع) هي من هذا القبيل أيضاً. ويأتي في هذا السياق أيضاً كتاب (المقنعة) للشيخ المفيد، كما يفهم ذلك من مقدّمته أيضاً حيث ورد فيها أنه كتبه امتثالاً لطلب من سمّاه بالسيد الأمير الجليل الذي طلب اليه كتابة «مختصر في الأحكام وفرائض الملّة وشرائع الاسلام ، ليعتمده المرتاد لدينه ويزداد به المستبصر في معرفته ويقينه ويكون إماماً للمسترشدين ودليلاً للطالبين، وأميناً للمتعبّدين، يفزع إليه في الدين، ويقضي به على المختلفين، وأن أفتتحه بما يجب على كافة المكلّفين من الاعتقاد الذي لا يسع إهماله البالغين». وليس كتاب (النهاية في مجرّد الفقه والفتوى) للشيخ الطوسي ببعيد عن سياق الرسالة العملية، كما يوحيه الاسم الذي اختاره له مؤلّفه، ويؤيده موقع الشيخ الطوسي وزعامته التي تملي أن يكون له مصنفاً يرجع إليه المكلّفون غير مصنفاته العلمية مثل المبسوط والخلاف ونحوهما. وعلى هذا الأساس كتب القاضي ابن البراج كتابه المهذّب ليكون ـ كما يقول في مقدمته ـ عدّة للأخوان ـ كثّرهم الله ـ في الرجوع إليه للمعرفة بعباداتهم الشرعية وما عساه تلتبس عليهم في ذلك من المسائل الفقهية. ولا نريد الاسترسال كثيراً في ذكر مؤلّفات فقهائنا التي صنفت لعمل المكلّفين، وهي غير مؤلّفاتهم الاستدلالية العلمية التي كتبوها لأضرابهم. وشرع المتأخّرون في كتابة (الرسالة العملية) بصيغتها المتداولة اليوم أو قريباً منها ـ لأنّ بعضها يقتصر على بعض الأبواب العبادية المهمّة كالصلاة والصوم ونحوهما ـ منذ القرن الحادي عشر الهجري وحتى القرن الحاضر، وباللّغات العربية والفارسية والاُردو، وذلك حسب لغة المقلّدين. ولعل أوّل من صنف الرسالة العملية ـ والله العالم ـ هو القاضي الشهيد السعيد نور الله التستري (1019 هـ) وتوجد نسختها في المكتبة الرضوية. ثم تلاه ـ حسب الظاهر ـ المحقق السبزواري صاحب (الذخيرة) والكفاية، وتأريخ كتابة النسخة لرسالته العملية هو سنة (1087 هـ)، وهي فارسية مرتّبة على مقدّمة وأبواب، وفي المقدّمة ذكر قليلاً من اُصول الدين مختصرة ثم مسألة لزوم التقليد، وفي الأبواب ذكر الأحكام الضرورية للدين من العبادات إلى كتاب الصوم، ونسختها موجودة في (المكتبة الرضوية) وفي مكتبة (آل الخرسان) وقد كتبها إجابة لطلب الميرزا مهدي بن الميرزا رضا الحسيني الخراساني في سنة (1081 هـ). ثم توالى الفقهاء بعد ذلك في كتابة الرسائل العملية لمقلّديهم. وهناك نمط آخر من كتابة الرسالة؛ وذلك من خلال كتابة التعليقة على متن أحد الرسائل العملية السابقة. ولعلّ السيد مهدي بحر العلوم هو أول من قام بذلك، فإنّه لما ورد إلى خراسان طلب منه أهلها رسالة عملية يرجعون إليها. ودمتم في رعاية اللّٰه وحفظه.

1