وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته
أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب
ابنتي الكريمة، نرجو أن تحتوي الرسالة على سؤال واحد لتسهيل الإجابة وسرعتها، مع الشكر الجزيل لكم.
ونحن سنجيبكم عن السؤال الثاني، لأنّه سؤال عن أمر أخلاقي، وأمّا السؤال الأول فليس محلّه هنا، لذا نرجو منكم وضعه في خانة المتفرقات إذا أردتم معرفة الجواب.
الرياء: هو عبارة عن إظهار جميل الأفعال رغبة في حمد الناس، والحصول على منزلة في قلوبهم، والأشتهار بينهم بالصلاح والأستقامة والتدين، لا لأجل طلب الثواب من الله تعالى، والتقرُب أليه سبحانه. أو أن يشرك ذلك مع نيّة القربة، بحيث لا يكون عمله خالصاً لوجه الله تعالى.
وروي عن مولانا الصادق (عليه السلام): "كُل رياء شرك، إنهُ من عمل للناس كان ثوابهُ على الناس، ومن عمل لله كان ثوابهُ على الله".
والمرائي كاذب حتى مع نفسه، وإن غالطها بالعلل والأعذار، ومنّاها بالأمل، فحينما يراجع نفسهُ يجد بأنهُ يُظهر الحسن، ويستر السيء القبيح، فهو يعلم بكذبه.
علامات الرياء:
هناك علامات ثلاثة للرياء نستطيع بأن نميزها، حيث ورد عن مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): "ثلاث علامات للمرائي: ينشط إذا رأى الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويحب أن يُحمد في كل أموره".
علاج الرياء:
نذكر هنا أمراً نأمل أن يكون مؤثراً في علاج هذا المرض القلبي، وهذا الأمر قد أشارت إليه آيات من القرآن الكريم والعديد من الروايات ودلت عليه الأدلة العقلية واكتشفته القلوب البصيرة العارفة بالله تعالى، وهو:
إن الله تعالى قدرته محيطة بجميع الموجودات وسلطانه مبسوط على جميع الكائنات وقيمومته جارية على جميع المخلوقات، وقلوب الناس ليست مستثناة من ذلك، فالله تعالى هو القيّم والمسلّط والمحيط بقلوب الناس جميعاً.
ومادام تعالى هو القيم على قلوب الناس فلا يمكن للإنسان التصرف بها والتأثير فيها إلا بإذن الله تعالى، بل أن الإنسان غير قادر على التصرف حتى بقلبه هو بدون إذن من الله تعالى، وبهذا المعنى وردت كلمات إشارة وكناية وصراحة في القرآن الكريم وفي أخبار أهل البيت (عليهم السلام).
إذاً، فرياؤك وتملقك، إذا كانا لأجل جذب قلوب العباد ولفت نظرهم والحصول على المنزلة والتقدير في القلوب والاشتهار بالصلاح، فإن ذلك خارج عن تصرفك تماماً وهو تحت تصرف الله تعالى، فهو إلٰه القلوب وصاحبها الذي يوجهها نحو من يشاء، بل من الممكن أن تحصل على نتيجة عكسية! وقد رأينا الكثير من الأشخاص المتملقين والمنافقين كيف افتضح أمرهم وبان زيفهم وحصلوا على عكس ما أرادوا الحصول عليه في نهاية الأمر!
وفي رواية عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) يشرح قوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾(الكهف: ١١٠) قال (عليه السلام): "الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه الله، إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه. ثم قال: ما من عبد أسرّ خيراً فذهبت الأيام أبداً حتى يظهر الله له خيراً، وما من عبد أسرّ شراً فذهبت الأيام أبداً حتى يظهر الله له شراً".
إذاً أيها العزيز، أطلب السمعة والذكر الحسن من الله، والتمس قلوب الناس من مالك القلوب، اعمل لله وحده وستجد أن الله تعالى بالإضافة إلى الكرامات والنعم الأخروية سيتفضل عليك في هذا العالم أيضاً بكرامات عديدة، فيجعلك محبوباً ويعظم مكانتك في القلوب ويجعلك مرفوع الرأس وجيهاً في كلتا الدارين.
ثم لو فرضنا أنك حصلت على قلوب الناس من خلال التملق والرياء، فماذا ستجني من حب الناس الضعاف لك، وما فائدة هذه الشهرة وهذا الصيت؟ وهم لا يملكون شيئاً من دون الله!
ثم لو فرضنا أن هناك فائدة من ذلك، فما هو مقدار هذه الفائدة وما هي قيمتها؟ إنما هي فائدة تافهة ولأيام معدودة، ومن الممكن أن يوصل الإنسان إلى الشرك والنفاق والكفر - لا سمح الله - وإن لم يفتضح في هذا العالم فسيفتضح في ذلك العالم في محضر العدل الرباني عند عباد الله الصالحين وأنبيائه العظام وملائكته المقربين ويهان ويصبح مسكيناً ذليلاً، إنها فضيحة وأي فضيحة ؟!إنه اليوم الذي يقول فيه الكافر ﴿يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾(النبأ:40)! فمقابل هذه المحبة البسيطة وعديمة الفائدة بين العباد، خسرت تلك الكرامات وفقدت رضا الله وعرّضت نفسك لغضبه تعالى.
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "قال النبي صلى الله عليه وآله: إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به فإذا صعد بحسناته يقول الله عز وجل: اجعلوها في سجّين، إنه ليس إياي أراد بها".
الله أعلم كيف ستكون صورة تلك الأعمال في سجين!
وسوسة الشيطان:
ولكن يلزم عدم إعطاء الفرصة للشيطان أن يُشكّكنا بأعمالنا، فهو قد يوسوس لنا بأنّ أعمالنا فيها رياء، رغم كونها خالصة لوجه الله تعالى، لكن اللعين إنّما يفعل ذلك ليمنعنا من الطاعة، ويكرّهنا بها، وعلينا حينئذٍ عدم الاصغاء إليه، بل العمل على عكس وسوسته، بأن يقول المؤمن في نفسه أنّ عملي خالص لوجه الله، ولا رياء فيه، بل والمناسب إطالة الصلاة في تلك الحال، ولهذا فقد ورد عن إمامنا الصادق (عليه السلام): "إذا أتى الشيطان أحدكم وهو في صلاته فقال إنك مُرائي، ليطل صلاتهُ مابدا له مالم تفتهُ وقت الفريضة".
ودمتم في رعاية اللّٰه وحفظه