logo-img
السیاسات و الشروط
.. ( 14 سنة ) - العراق
منذ 11 شهر

صحه ان الحسين طلب الماء قبل قطع راسه

السلام عليكم هل ورد في الروايات الشريفة ان الامام الحسين عليه السلام قد طلب الماء قبل ان يقطع راسه الشمر لعنه الله ؟


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لم يثبتْ أنَّ الإمام الحسين عليه السلام قد طلبَ من المعسكر الأموي أنْ يسقوه شربةً من ماء، فما يتناقلُه البعضُ من أنَّه عليه السلام قد طلبَ من بعض أفراد الجيش الأُموي قُبيل قتله أنْ يسقوه جرعةً من ماء، وأنَّه قد تفتتْ كبدُه من الظمأ، وأنَّه كان يُقسم بحقِّ جدِّه صلّى الله عليه وآله وسلم أنَّه عطشان كأنَّه يَستعطفُهم، وكذلك ما يتناقلونَه من بأنَّه عليه السلام طلبَ من الشمر أنْ يسقيَه الماء قبل أنْ يقتله ويُذكِّره بحسبِه ونسبِه كأنَّه يَستجديه، هذه النقولات لا أساسَ لها من الصحَّة بل هي لا تَخلو من الإساءة لمقام سيِّد الشهداء عليه السلام المعلوم من حاله أنَّه في أعلى درجات الإباء والعزَّة، وفي أعلى درجات الصبر والتجلُّد، وهو أجدرُ مَن على وجه الأرض بتمثُّل قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾وقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾. نعم لا محذور في أنْ يطلب الإمامُ الحسين (ع) الماءَ بنحوٍ لا يتنافى مع مقتضيات العزَّة والكرامة، ولهذا لا مانع من القبول بالنصوص التأريخيَّة التي أفادت أنَّ الإمام الحسين (ع) طلب الماء بمعنى أنَّه سعى من أجل الوصول إلى الفرات ليشربَ منه، وكذلك ما ورد من أنَّه (ع) طلبَ من أخيه العباس (ع) أنْ يأتيه بالماء، وكذلك لا مانع من القبول بما يُستظهَر من بعض النصوص أنَّه طلب من بعض فتيانه أنْ يأتيه بالماء، وأمَّا ما قيل من أنَّه طلب مِن المعسكر الأموي أو مِن بعض أفراد المعسكر الأموي أنْ يسقوه شربةً من ماء فلم نجدْ في ذلك نصًّا صريحًا ولو وُجد فإنَّه يتعيَّن طرحُه . فالنصوص التي تحدَّثت عن طلب الحسين (ع) للماء يُمكنُ تصنيفُها إلى طوائفَ ثلاث: الطائفة الأولى: نصَّت على أنَّه (ع) طلب الماء بمعنى أنَّه سعى من أجل الوصول للفرات ليشربَ منه، و من تلك النصوص: ما أورده ابنُ أعثم في الفتوح قال: "فَحَمَلَ عَلَيهِ القَومُ بِالحَربِ، فَلَم يَزَل يَحمِلُ عَلَيهِم ويَحمِلونَ عَلَيهِ وهُوَ في ذلِكَ يَطلُبُ الماءَ لِيَشرَبَ مِنهُ شَربَةً، فَكُلَّما حَمَلَ بِنَفسِهِ عَلَى الفُراتِ، حَمَلوا عَلَيهِ حَتّى أحالوهُ عَنِ الماءِ"). فقوله: "وهُوَ في ذلِكَ يَطلُبُ الماءَ لِيَشرَبَ مِنهُ شَربَةً" واضح في أنَّ طلبه يعني سعيه للوصول للفرات ليشربَ منه الماء بقرينة قوله بعد هذه الفقرة: فَكُلَّما حَمَلَ بِنَفسِهِ عَلَى الفُراتِ، حَمَلوا عَلَيهِ حَتّى أحالوهُ عَنِ الماءِ". الطائفة الثانية: نصَّت على أنَّ الإمام الحسين (ع) طلب من أخيه أن يأتيه بالماء من الفرات وقد ورد في ذلك العديد من النصوص نذكر منها: النص الأول : ما أورده ابن سيده (ت 458ه) في المخصص قال: ".. دَعوا العباس بن عليٍّ أبا قِربة وسَمَّوْهُ السَّقَّاء لأخْذِه القِربة حين عطش الحسين (عليه السّلام) وتوجهه إلى الفرات واتَّبعه أخوتُه لأمِّه بنو علي عثمان وجعفر وعبد الله فقُتل إخوتُه قبله وجاء بالقِربة يحملُها إلى الحسين .."). النص الثاني: ما أورده ابن حبَّان (ت: 353ه) في الثقات قال: "والعباس يُقال له السقَّاء، لأنَّ الحسينَ طلبَ الماء في عطشِه وهو يُقاتل فخرجَ العباسُ وأخوه واحتال حمل إداوةَ ماءٍ ودفعَها إلى الحسين، فلمَّا أراد الحسينُ أنْ يشربَ من تلك الإداوة جاء سهمٌ فدخل حلقَه فحال بينَه وبين ما أراد من الشُرب"). فهذا النصُّ -وكذلك الذي قبله- صريحٌ في أنَّ الحسين (ع) طلب الماء ولكنَّه طلبه من أخيه العباس وتمكَّن العباس (ع) من أن يأتيه بالماء ولكنَّه -بحسب هذا النص- حين أراد أن يشرب صوَّب أحدُهم سهمًا إلى حلقَه فحال بينَه وبين ما أراد من الشُرب. الطائفة الثالثة: نصَّت على أنَّ الحسين (ع) استسقى ماءً قُبيل مقتله: ولم أجد في ذلك سوى نصٍّ واحد أورده السيّد ابن طاووس قال: "وروى هلال بن نافع قال: إنِّي كنتُ واقفًا مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخٌ: أبشرْ أيّها الأمير! فهذا شمرٌ قتل الحسين، قال: فخرجتُ بين الصفّين، فوقفت عليه وإنّه ليجود بنفسِه، فوالله ما رأيتُ قطُّ قتيلًا مضمَّخًا بدمِه أحسن منه، ولا أنور وجهًا، ولقد شغلني نورُ وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتلِه، فاستسقى في تلك الحال ماءً، فسمعتُ رجلًا يقول: لا تذوقُ الماء، حتّى ترد الحامية، فتشرب من حميمها. فسمعتُه يقول: يا وَيْلَكَ، أَنَا لا أَرِدُ الْحامِيَةَ، وَلا أَشْرَبُ مِنْ حَميمِها، بَلْ أَرِدُ عَلى جَدّي رَسُولِ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله) وَأَسْكُنُ مَعَهُ في دارِهِ في مَقْعَدِ صِدْق عِنْدَ مَليكٍ مُقْتَدِر، وَأَشْرَبُ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِن، وَأَشْكُو إِلَيْهِ مَا ارْتَكَبْتُمْ مِنّي وَفَعَلْتُمْ بي .. . وهذا النصُّ ليس صريحًا أيضًا في أنَّه استسقى الماء من أعدائه، فالراوي قال: "فاستسقى في تلك الحال ماءً" ولم يذكر من هو المخاطَب بالاستسقاء، فلعلَّه استسقى أحدَ فتيانه الذي كان يرافقه إلى حين مقتلِه، فبعض فتيان الحسين (ع) لم يُشاركوا في الحرب بل كان بعضهم يُرافقه ويخدمه إلى أنْ قُتل. ويُؤكِّد ذلك ما أورده الشيخُ المفيد في الإرشاد وغيرُه قال: "ولمَّا رجع الحسين (عليه السلام) من المسنَّاة إلى فسطاطه تقدَّم إليه شمر بن ذي الجوشن في جماعة من أصحابه فأحاطوا به، فأسرع منهم رجلٌ يُقال له مالك بن النسر الكندي، فشتم الحسين وضربه على رأسه بالسيف، وكان عليه قلنسوة فقطَعها حتى وصل إلى رأسِه فأدماه، فامتلأت القلنسوة دمًا، فقال له الحسين: "لا أكلت بيمينك ولا شربتَ بها، وحشرك اللهُ مع الظالمين" ثم ألقى القلنسوة ودعا بخرقةٍ فشدَّ بها رأسَه واستدعى قلنسوةً أخرى فلبسها واعتمَّ عليها". فمفاد هذا النصَّ أنَّ الحسين (ع) حين رجع من جهة المسنَّاة وحيدًا بعد مقتل العباس -كما نصَّ على ذلك المفيد وغيره-"([19]). قصد الفسطاط فاعترضه الشمر في جماعةٍ من أصحابه وأحاطوا به وتحلَّقوا حوله فتقدَّم رجلٌ منهم فضرب الحسين (ع) على رأسِه بالسيف وكان عليه قلنسوة فقطَها فألقى الحسين (ع) القلنسوة، ودعا بخرقةٍ فشدَّ بها رأسَه واستدعى قلنسوةً أخرى فلبسها واعتمَّ عليها. فمَن الذي طلب منه الحسين (ع) -وهو في قلب المعركة وقد صار وحيدا- أنْ يناوله خرقةً ليشدَّ بها رأسه وقلنسوةً ليلبسها ويعتمَّ عليها؟ فالمستظهَر هو أنَّ الحسين (ع) طلب ذلك من أحد غلمانه الذي كان يرافقه ويخدمُه. وأصرحُ من ذلك ما رواه ابن عساكر بسنده عن مسلم بن رباح مولى عليِّ بن أبي طالب قال: كنتُ مع الحسين بن علي يوم قُتل فرُمي في وجهِه بنشابة فقال لي: يا مسلم أدنِ يديك من الدم فأدنيتهما فلمَّا امتلأتا قال اسكبه في يدي فسكبتُه في يدِه فنفخَ بهما إلى السماء وقال: اللهمَّ اطلبْ بدم ابنِ بنتِ نبيِّك قال مسلم: فما وقعَ منه إلى الأرض قطرة" هذا النصُّ أصرح من سابقه في أنَّه كان بعض موالي الحسين(ع) يرافقه ليخدمه. وعليه فلعلَّه (ع) حين استسقى الماء قُبيل مقتله كان قد استسقاه من أحد مواليه -غلمانه- فلعلَّه حين أنهكه الظمأ قال لغلامه اذهب فأتني بماء فإنَّ الغلام قد يتمكَّن من الوصول إلى الفرات لجهلِهم بهويَّته فيُتاح له بذلك إيصال الماء إلى الحسين (ع). فمع قيام هذا الاحتمال لا يكون النصُّ المذكور صالحًا للاستدلال به على أنَّ الحسين (ع) قد استسقى الماء من أعدائه، نعم أورد ابنُ نما الحلِّي في كتابه مثير الأحزان عينَ هذا النصِّ المروي عن هلال بن نافع إلا أنَّه ذكر بدلًا من عبارة: "فاستسقى في تلك الحال ماءً" عبارة أخرى وهي: "وطلب منهم ماء " ظفبناءً على هذه العبارة يكون الظاهر أنَّه (ع) طلب الماء من أعدائه. إلا أنَّه مع قطع النظر عمَّا هو محرَزٌ من كون السيد ابن طاووس أدقَّ من ابن نما الحلِّي في النقل فإنَّه لا يُمكن التعويل على أيٍّ من النقلين في المقدار الذي اختلفا فيه لعدم احراز أيِّ العبارتين صدرتْ عن الراوي أعني هلال بن نافع، فاختلافُهما فيما هو المروي عن هلال بن نافع يُوجب سقوط النقلين عن الاعتبار كما هو محرَّرٌ في علم الأصول وكما هي طريقة العقلاء في التعاطي مع النصوص والأخبار. وعلى أيِّ تقدير فإنَّ هذا النص ساقطٌ عن الاعتبار من الأساس، وذلك لأنَّ الراوي كان من جيش عمر بن سعد فهو رجلٌ فاسق لا يُعوَّل على أيِّ خبرٍ يتفرَّدُ بنقله، وحيث إنَّ هذا المقدار من الخبر الذي رواه قد تفرَّد هو بنقله، فلم ينقله معه غيرُه ولم تقُم القرائن والشواهد على صدقِه لذلك فهو ساقطٌ عن الاعتبار، فلا يصحُّ الاستدلال به على أنَّ الإمام الحسين (ع) قد طلب الماءَ من أعدائ ودعوى أنَّه (ع) أراد أنْ يُقيمَ الحجَّةَ عليهم لا تصحُّ، فإنَّ الحجَّةَ قائمةٌ عليهم أبلغَ قيام، فإنَّهم قد منَعوه من الماء ثلاثة أيام، وقد رأوه (روحي فداه) يُجالدُهم من أجل الوصول إلى الفرات ليشربَ شيئًا من الماء، فكان كلَّما قصدَ الفرات تآزروا للحيلولة بينه وبين الوصول إليه، وقد صوَّب أحدُهم سهمًا إلى فمِه ليمنعَه من تناول الماء، وقد استمات إخوتُه سعيًا منهم للوصول إلى الفرات علَّهم يتمكنون من إيصال شيءٍ من ماء إلى الحسين (ع) وأطفاله فقُتلوا عن آخرهم، فأيُّ حجَّةٍ -بعد كلِّ ذلك- يحتاجُ الحسينُ (ع) أنْ يُقيمَها عليهم؟!! ألم يكونوا يشاهدون -وقد تحلَّقوا حولَه- ما ظهَرَ على محيَّاه من الإعياء والنَصَب حتى أقعدَه عن القتال؟ ألا يُشاهدون الجراحات البليغة وقد أثخنتْ جسدَه الشريف والدماء تنزفُ من جميع جوانبه؟ فهل يحتاجُ مَن في مثل حالِه أنْ يطلبَ الماءَ ليُقيم عليهم الحجَّة؟! إنَّ الحجَّة قائمةٌ عليهم وإنَّ قتلَه (ع) وهو ظامئ قد صدر به قرارٌ ملزِم لا يسعُ ابنُ سعدٍ الذليل الخانع ولا معسكره أنْ يتجاوزوه، فقد ذكر المؤرِّخون أنَّ ابنَ زيادٍ بعث برسالةٍ إلى عمر بن سعد فقال: "فحُل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة"([وفي الأخبار الطوال: "أن أمنع الحسين وأصحابه الماء، فلا يذوقوا منه حُسوة"فالقرار ليس هو منعُ الحسين (ع) من التزوُّد بالماء بل منعُه من أنْ يذوق منه قطرة وكان الحسين (ع) يعلم بذلك، وقد لاقى هذا القرار هوًى في نفوسِهم المُحتقِنة بالحقد الدفين على البيت النبويِّ فتمثَّلوه على أكمل وجه. فهل يجسرُ بعد ذلك من أحدٍ يعرفُ الحسين -وشموخَه وأنَفَته وعلوَّ همته وبصيرته وصبره- أنْ يُحدِّثَ نفسه أنَّ الحسين (ع) قد التمسَ من هؤلاء الأجلاف ماءً ليشربه وهو يعلمُ أنَّهم لن يستجيبوا لطلبه بل سيقابلونه بالتهكُّم والمزيد من التشفِّي. ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾. منقول بتصرف . المصدر :شيخ محمد صنقور ،حوزة الهدى للدراسات الإسلامية .