logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 11 شهر

الدليل على عصمة نبينا والأنبياء السابقين؟

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، كيف إثبت لأحد الأخوة وهو مصري وتحاورت معه عن عصمة النبيّ وأعطيته بعض الآيات لكنّه لم يقتنع كثيراً وقال : بأنّ النبيّ بشر مثلنا ، واستدلّ ببعض الآيات التي تخفى عليكم مثل : { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } {التوبة/43} ، وأنّ الله نهاه عن الصلاة على المنافقين وغيرها ؟ فهل لي بآيات وأحاديث من عندهم تثبت له العكس ؟ دمتم لنا ذخراً .


عمدة الدليل على عصمة الانبياء وخصوصاً النبيّ (صلّى الله عليه وآله) هو العقل من جهات متعدّدة ، ومع هذا الدليل العقلي القطعي لابدّ من تأويل كلّ آية أو حديث يظهر منه إرتكاب الأنبياء مايخالف العصمة . وإليك بعض الأدلّةالعقلية على عصمة الأنبياء : 1ـ لولم يكن النبيّ معصوماً لانتفى الوثوق بقوله ، فلا يطاع ، ولا يقبل أحد منه قولاً ، ويصيرنصبه عبثاً ولغواً . 2 ـ لو جاز عليه الخطأ خارجاً مع لزوم اتّباعه عقلاً ، كان الأمر باتّباعه قبيحاً بحكم العقل ، بل يلزم اجتماع الضدين فيه ، لوجوب متابعته ؛ لأنّه نبيّ مطاع ، و وجوب مخالفته ؛ لأنّه أخطأ . 3 ـ لوجاز على النبيّ الخطأ لاحتاج إلى مَن يسدّده ، وذلك المسدِّد إمّا أن يكون معصوماً ، فهو المطلوب ؛ لأنّه هو النبيّ في الحقيقة ، وإمّا أن لايكون معصوماً ، فيحتاج إلى مسدّد آخر ، وهلّم جرّاً . 4 ـ إنّ من أغراض النبوّة إقامة العدل ، ومنع الظلم ، فلو صدرت من النبيّ المعصية لانتفى غرض النبوّة ؛ لأنّ المعصية ظلم . 5 ـ إنّ النبيّ أُسوة وقدوة ، فلو صدر منه الكذب والمعصية لاقتدى به الناس ، وانتفت فائدة البعثة والنبوّة . 6 ـ النبيّ هادٍ وحافظ للشرع ، وحجّة الله على الخلق ، فلو جاز عليه الكذب والخطأ لأدّى ذلك إلى التضليل ، فكان نصبه قبيحاً . 7 ـ النبيّ راعٍ لأُمّته ، ومسؤول عن رعيته ، وصدور الذنب من الراعي أفحش من ذنب الرعية ، فيصير بذلك أسوء حالاً من رعيته ، ولا يليق للرئاسة الشرعية عليهم . 8 ـ النبيّ أمين ، والعاصي خائن ، ولايؤتمن الخائن . 9 ـ لوكان النبيّ لايؤمن عليه من الخطأ ، أو السهو ، أو النسيان ، أو العصيان كان اختياره للنبوّة ترجيحاً للمرجوح على الراجح ؛ إذ في الأُمّة مَن لايكون كذلك ، أو ترجيحاً بلا مرجّح ، وهو قبيح. 10 ـ لولم يكن النبيّ مأموناً من الخطأ و الكذب ، لزم أن يأمر بما لم يوح إله ، أو يترك شيئاً ممّا أُوحي إليه ، وهو نقص للغرض ، قبيح على الحكيم تعالى . هذا مضافاً إلى الآيات الدالّة على عصمة الأنبياء بنحو عامّ مثل قوله تعالى : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } {البقرة/124} . وقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } {الأنبياء/101} . وقوله تعالى : { وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } {الدخان/32}. وقوله تعالى : { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ } {ص/47}. وأمّا الآيات الدالّة على خصوص عصمة النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) فهي كثيرة : منها : قوله تعالى : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } {النجم/ 3 ـ 4} . ومنها : آية التطهير التي نزلت بحقّ الخمسة الطيّبة : « محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) » : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }{الأحزاب/33} . وأمّا قوله تعالى : { عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } {التوبة/43} . فهو مجرّد عتاب على ترك الأولى ، وليس فيه دلالة على صدور المعصية . قال في تفسير الصافي : « ويجوز العتاب من الله فيما غيره أولى لاسيّما للأنبياء ». وليس كما قال جار الله الزمخشري من علماء السنّة : « أنّه كناية عن الجناية » . وحاشا لسيّد الأنبياء ، وخير بني حواء من أن ينسب إليه الجناية . وأمّا قوله تعالى : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ } {التوبة/84} . فالمراد لاتدع له ، وتستغفر ، ولاتقم على قبره للدعاء . ففي مجمع البيان : « إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا صلّى على ميت ، ووقف على قبره ساعة يدعوا له ، فنهاه الله عن الصلاة على المنافقين ، والوقوف على قبرهم ، والدعاء لهم ». وورد في تفسير العيّاشي : إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لابن عبد الله بن أبي سلول : « إذا فرغت من أبيك فأعلمني » . وكان قد توفّي ، فأتاه فأعلمه ، فأخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) نعليه للقيام . فقال له عمر : أليس قد قال الله : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ } ؟ فقال له : « ويحك أو ويلك إنّما أقول : اللهم إملأ قبره ناراً ، وإملأ جوفه ناراً ، وأصله يوم القيامة ناراً ». وفي رواية أُخرى أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخذ بيد ابنه في الجنازة ومضى ، فتصدى له عمر ثمّ قال : أما نهاك ربّك عن هذا أن تصلّي على أحد مات منهم أبداً ؟ أو تقوم على قبره ؟ فلم يجبه ، فلمّا كان قبل أن ينتهوا به إلى القبر أعاد عمر ما قاله أوّلاً . فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعمر عند ذلك : « ما رأيتنا صلّينا له على جنازة ، ولا قمنا على قبره » . ثمّ قال : « إنّ ابنه رجل من المؤمنين ، وكان يحقّ علينا أداء حقّه ». فقال عمر : أعوذ بالله من سخط الله ، وسخطك يا رسول الله . السيّد جعفر علم الهدى