لماذا كل روايات أهل البيت (عليهم السلام) تقول أن القرآن محرف؟ ومن ضمنها قول أمير المؤمنين في بحار الأنوار أن القرآن لم يأتينا كاملاً كما أنزل على الرسول (صلى اللّٰه عليه وآله).
وكذلك السيستاني يقول أن القرآن غير محرف.
أريد رواية تثبت أن القرآن غير محرف، رواية وليس آية.
السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته
مرحباً بكم في تطبيقكم المجيب
ولدي العزيز، إنّنا ومن موقع إيماننا بالعترة من أهل البيت (عليهم السلام) وأنّهم حجج الله على العباد، فإننا نعتقد أنّ موقفهم في هذا المجال أو غيره يعدّ دليلاً وحجة شرعية، وقد مرّ في حديث الثقلين أنّ العترة والكتاب هما صماما أمان للأمة عاصمان لها من الضلال والانحراف، وأنهما لن يفترقا إلى يوم القيامة، وبناءً على هذه المرجعيّة المعصومة، فسيكون موقف الأئمة (عليهم السلام) من الكتاب حجة.
وما نجزم به أنّ عترة النبي (صلى اللّٰه عليه وآله) لم تجر سيرتهم العمليّة والعلّمية على الاستناد على القرآن الكريم والإرجاع إليه فحسب، بل إنهم قد صرحوا أيضاً بأنّه كتاب مصون ولم يتعرض للتلاعب ولا للزيادة والنقيصة.
وبعض النصوص الواردة عنهم -كما سنلاحظ- ليست ناظرة إلى صيانة القرآن الموجود بين أيدي المسلمين في زمانهم، ليقال: إن من الممكن طروء التحريف عليه بعد ذلك، وإنما هي -أعني بعض الأخبار- ناظرة إلى كل الأزمنة، على أنه من المعلوم تاريخياً أن القرآن بعد زمان الأئمة (عليهم السلام) ثمة قطع بعدم تعرض القرآن للتحريف لانتشاره بين المسلمين وحفظهم ونسخهم له وتعدادهم لآياته، وضبطهم لقراءاته وحروفه، ولم يحتمل أحد تعرض القرآن للتحريف إلا بلحاظ مرحلة ما بعد وفاة النبي (صلى اللّٰه عليه وآله) وما حصل حينها من جمع القرآن.
وأما ما روي عنهم مما ظاهره تعرض القرآن للتحريف، فهو كذب وزور كما سنشير.
ولا يخفى أنّ الأخبار الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في شأن الكتاب تبلغ المئات، وهي تدل دلالة قطعية على عصمة القرآن الكريم وسلامته من التحريف، وأكتفي هنا بالإشارة إلى عدة مجاميع روائية:
المجموعة الأولى:
ما دلّ على أن القرآن كتاب هداية للناس جميعاً، وأن الأخذ به يعصمهم من الضلال والانحراف، ومعلومٌ أنه لا يمكن أن يهتدي الناس بكتاب قد تعرض للتحريف، ومن روايات هذه المجموعة:
ما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب. وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان في عمى"(نهج البلاغة، ج٢، ص٩١).
وما روي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: "إنّ هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى، فليجل جال بصره ويفتح للضياء نظره، فإن التفكر حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور" (الكليني، الكافي، ج٢، ص٦٠٠).
المجموعة الثانية:
ما دل على أنّه حي لا يموت، وأنه يجري كما يجري الليل والنهار، وأهميّة هذه المجموعة أنّها تنظر إلى المستقبل لتؤكد بقاء القرآن إلى يوم القيامة بعيداً عن التحريف، ونذكر بعضاً من أخبار هذه المجموعة:
إبراهيم بن العباس، عن الرضا (عليه السلام)، عن أبيه موسى بن جعفر (عليه السلام) أنّ رجلاً سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام): ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدراسة إلا غضاضة؟ فقال: "لأنّ الله لم ينزله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غضّ إلى يوم القيامة"
(الطوسي، الأمالي، ص٥٨٠).
وروى العياشي عن عبد الرحيم القصير قال: كنت يوماً من الأيام عند أبي جعفر (عليه السلام): ".. إنّ القرآن حي لا يموت، والآية حية لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا فمات القرآن، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين"، وقال عبد الرحيم: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أن القرآن حي لم يمت، وأنه يجرى ما يجرى الليل والنهار، وكما تجرى الشمس والقمر، ويجرى على آخرنا كما يجرى على أولنا"
(تفسير العياشي، ج٢، ص٢٠٤).
المجموعة الثالثة:
ما دلّ على احتجاج الأئمة (عليهم السلام) بالقرآن، واستشهادهم به في بيان الأحكام الشرعية أو غيرها، فلو كان محرفاً فكيف يحتجون به؟! ومن موارد الاحتجاج:
احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) بالقرآن على عاصم بن زياد لما حرّم على نفسه بعض الطيّبات (الكليني، الكافي، ج١، ص ٤١١).
احتجاج السيدة الزهراء(عليها السلام) بآيات من القرآن الكريم على أبي بكر لما منعها إرثها من أبيها (الطبرسي، الإحتجاج، ج١، ص١٣٨).
احتجاج الإمام الصادق على سفيان الثوري في أمر اللباس (الكليني، الكافي، ج٦، ص٤٤٢).
إلى عشرات الاحتجاجات التي نجدها مبثوثة في كتب الحديث والسيرة، والتي نقطع بأنها ليست واردة على سبيل إلزام الخصم بما ألتزم به، وإنما هي منبعثة ممن يؤمن بمرجعية القرآن وصلاحيته للإثبات.
المجموعة الرابعة:
تعليم الأئمة (عليهم السلام) أصحابهم الرجوع إلى القرآن، والاكتفاء به والعمل بما اشتمل عليه من أحكام، واستنباط الأحكام الشرعية منه:
في خبر عَبْدِ الأَعْلَى مَوْلَى آلِ سَامٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السلام): "عَثَرْتُ فَانْقَطَعَ ظُفُرِي فَجَعَلْتُ عَلَى إِصْبَعِي مَرَارَةً فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِالْوُضُوءِ؟! قَالَ: يُعْرَفُ هَذَا وأَشْبَاهُه مِنْ كِتَابِ اللَّه (عَزَّ وجَلَّ): {ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (الحج: ٧٨)، امْسَحْ عَلَيْه"
(الكليني، الكافي، ج٣، ص٣٣).
وذكر الشيخ هادي معرفة في كتابه صيانة القرآن من التحريف نصوصاً عن أهل البيت (عليهم السلام)منها:
جاء في رسالة الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) إلى سعد الخير: «وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ... المزید».
و هذا تصريح بأنّ الكتاب العزيز لم ينله تحريف في نصّه «أقاموا حروفه» وإن كانوا قد غيّروا من أحكامه «حرّفوا حدوده».
والمراد من «تحريف الحدود» هو تضييعها، كما ورد في الحديث: «ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيّع حدوده...».
وعليه فالمراد من إقامة الحروف هو حفظها عن التغيير والتبديل، كما في هذا الحديث أيضاً.
وقصارى القول: إن الطرق المتقدمة كافية لإثبات صيانة القرآن وسلامته من التحريف، نقيصة أو زيادة.
ودمتم في رعاية اللّٰه وحفظه