السيد مجيد - الولايات المتحدة
منذ 4 سنوات

 دلالة حديث الغدير على امامة الامام علي (عليه السلام)

قرأت هذه الشبهة في احد شبكات الانترنت --------------- قال شيخ الوهابية , ناصر الدين الألباني في كتابه "سلسلة الأحاديث الضعيفة" رقم 4922: ( نزلت هذه الآية : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) ، يوم غدير (خم) في علي بن أبي طالب ) . قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 10/ 589 : موضوع أخرجه الواحدي (ص 150) ، وابن عساكر (12/ 119/ 2) من طريق علي بن عابس عن الأعمش وأبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال ... فذكره . قلت : وهذا إسناد واه ؛ عطية - وهو ابن سعد العوفي - ضعيف مدلس . وعلي بن عابس ضعيف أيضاً ؛ بل قال ابن حبان (2/ 104-105) : (فحش خطؤه ، وكثر وهمه ، فبطل الاحتجاج به . قال ابن معين : ليس بشيء) . قلت : فأحد هذين هو الآفة ؛ فقد ثبت من طرق عن عائشة وأبي هريرة وجابر : أن الآية نزلت على النبي صلي الله عليه وسلم وهو في المدينة ، فراجع "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2489) . ولعل تعصيب الآفة بابن عابس أولى ؛ فقد روي - بإسناد آخر - عن عطية عن أبي سعيد ما يوافق الطرق المشار إليها ، ولو أن في الطريق إليه متهماً ، كما بينته في "الروض النضير" (989) ! وهذا الحديث الموضوع مما احتجت به الشيعة على إمامة علي رضي الله عنه ، وهم يتفننون في ذلك ؛ تارة بتأويل الآيات وتفسيرها بمعان لا يدل عليها شرع ولا عقل ، وتارة بالاحتجاج بالأحاديث الواهية والموضوعة . ولا يكتفون بذلك ؛ بل ويكذبون على أهل السنة بمختلف الأكاذيب ؛ فتارة يعزون حديثهم إلى "أصحاب السنن" - وهم : أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ؛ كما تقدم - ، ولا يكون الحديث رواه أحدهم ! كما صنع المدعو عبدالحسين الشيعي في الحديثين المتقدمين (4889،4951) . وقد يضمون إلى ذلك كذبة أخرى ؛ فيسمون "السنن" بـ : "الصحاح" ؛ كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبل هذا . وللعبد هذا أكاذيب أخرى متنوعة سبق التنبيه على بعضها تحت الحديث (4892) . ومن ذلك قوله في "مراجعاته" (ص 57) في هذا الحديث : "أخرجه غير واحد من أصحاب "السنن" ؛ كالإمام الواحدي ..." ! قلت : وهذا من أكاذيبه أيضاً ؛ فإن الواحدي ليس من أصحاب "السنن" عندنا ؛ كما تقدمت الإشارة إلى ذلك آنفاً ، وإنما هو مفسر من أهل السنة ؛ لا يلتزم في روايته الأحاديث الصحيحة كما تقدم بيانه في الحديث السابق ، فمن عزا إليه حديثاً موهماً القراء بذلك أنه حديث صحيح - كما فعل الشيعي هنا وفي عشرات الأحاديث الأخرى ، كما تقدم ويأتي - ؛ فهو من المدلسين الكذابين بلا شك أو ريب ! وقد عرفت حال إسناد الواحدي في هذا الحديث . وقد جرى على سننه الخميني فزعم في كتابه "كشف الأسرار" - (ص 149) :(إن هذه الآية (آية العصمة المتقدمة) نزلت - باعتراف أهل السنة واتفاق الشيعة - في غدير (خم) بشأن إمامة علي بن أبي طالب) قلت : وما ذكره من اتفاق الشيعة لا يهمنا هنا ؛ لأنهم قد اتفقوا على ما هو أضل منه ! وإنما البحث فيما زعمه من "اعتراف أهل السنة" ...تقدم أحدها في الحديث الذي قبله ، قال (ص 75) من "منهاجه" : "اتفقوا على نزولها في علي عليه السلام" ! فقال ابن تيمية في الرد عليه في "منهاج السنة" (2/ 14) - وتبعه الذهبي - : "هذا أعظم كذباً وفرية مما قاله في الآية السابقة : (.. ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ؛ فلم يقل هذا ولا ذاك أحد من العلماء الذين يدرون ما يقولون ..." إلخ كلامه المفصل ؛ في أجوية أربعة متينة مهمة ، فليراجعها من شاء التوسع والتفصيل . وإن مما يدل الباحث المنصف على افترائهم فيما ادعوه من الاتفاق : أن السيوطي في "الدر المنثور" - مع كونه من أجمع المفسرين للآثار الواردة في التفسير وأكثرهم حشراً لهل ؛ دون تمييز صحيحهما من ضعيفها - لم يذكر تحت هذه الآية غير حديث أبي سعيد هذا ؛ وقد عرفت وهاءه ! وحديث آخر نحوه من رواية ابن مردويه عن ابن مسعود ، سكت عنه - كعادته - ، وواضح أنه من وضع الشيعة كما يتبين من سياقه ! ثم ذكر السيوطي أحاديث كثيرة موصولة ومرسلة ، يدل مجموعها على بطلان ذكر علي وغدير (خم) في نزول الآية ، وأنها عامة ، ليس لهل علاقة يعلي من قريب ولا بعيد ، فكيف يقال - مع كل هذه الأحاديث التي ساقها السيوطي - : إن الآية نزلت في علي ؟! تالله إنها لإحدى الكبر ! وإن مما يؤكد للقراء أن الشيعة يحرفون القرآن - ليطابق هذا الحديث الباطل المصرح بأن الآية نزلت يوم غدير (خم) - : أن قوله تعالى : (والله يعصمك من الناس) ؛ إنما يعني المشركين الذين حاولوا منعه من الدعوة ، وقتله بشتى الطرق ، كما قال الشافعي : "يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حتى تبلغ ما أنزل إليك" . رواه عنه البيهقي في "الدلائل" (2/ 185) . فهؤلاء لم يكن لهم وجود يوم الغدير ؛ لأنه كان بعد حجة الوداع في طريقه إلى المدينة كما هو معلوم ! وإنما نزلت الآية قبل حجته صلي الله عليه وسلم وهو في المدينة لا يزال يجاهد المشركين ؛ كما تدل الأحاديث الكثيرة التي سبقت الإشارة إليها قريباً ، ومنها حديث أبي هريرة المشار إليه في أول هذا التخريج . إذا عرفت هذا ؛ فإنك تأكدت من بطلان الحديث ، وبطلان قول الشيعة : إن المقصود بـ (الناس) في الآية أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم الذين كانوا معه في يوم الغدير ! بل المقصود عندهم أبو بكر وعمر وعثمان وكبار الصحابة ! لأن معنى الآية عندهم : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) : (أن علياً هو الخليفة من بعدك) (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) : كأبي بكر وغيره ! ونحن لا نقول هذا تقولاً عليهم ، بل هو ما يكادون يصرحون به في كتبهم ، لولا خوفهم من أن ينفضح أمرهم ! ويشاء الله تبرك وتعالى أن يكشف هذه الحقيقة ، فقد قال الخميني (ص 150) : "نزلت في حجة الوداع ، وواضح بأن محمداً (كذا دون الصلاة عليه ولو رمزاً ؛ ويتكرر هذا منه كثيراً !) كان حتى ذلك الوقت قد أبلغ كل ما عنده من أحكام . إذاً يتضح من ذلك أن هذا التبليغ يخص الإمامة . وقوله تعالى : (والله يعصمك من الناس) : يريد منه أن يبلغ ما أنزل إليه ؛ لأن الأحكام الأخرى خالية من التخوف والتحفظ . وهكذا يتضح - من مجموع هذه الأدلة والأحاديث - أن النبي (كذا) كان متهيباً من الناس بشأن الدعوة إلى الإمامة . ومن يعود إلى التواريخ والأخبار يعلم بأن النبي (كذا) كان محقاً في تهيبه ؛ إلا أن الله أمره بأن يبلغ ، ووعده بحمايته ، فكان أن بلغ وبذل الجهود في ذلك حتى نفسه الأخير ؛ إلا أن الحزب المناوىء لم يسمح بإنجاز الأمر" !! --------------- ما جواب هذا الشبهة ؟ وهل يوجد لهذا الحديث إسناد الصحيح؟


الأخ السيد مجيد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نقول وبالله التوفيق: 1. أقتصر الشيخ المحدث الألباني على طريق واحد في تخريجه لهذا الحديث وهذه الحادثة المهمة جداً وهذا مخالف حتى لقوله هو نفسه وانتقاده لمخالفيه في أنهم يقتصرون في التخريج أو الحكم على الحديث على بعض طرق الحديث دون بحث وتدقيق وتفتيش!! 2. حكم الألباني على الحديث بأنه (موضوع) مع عدم وجود كذاب أو متهم في سنده الذي ذكره واقتصر عليه, ونقول في بيان ذلك: أ ـ طعن في عطية العوفي وهو تابعي كبير ووصفه بأنه ضعيف مدلس أما ضعفه فنجيب عنه بأنه لا يطلق عليه بأنه ضعيف وإنما هو مختلف فيه ونذكر بعض ما قيل فيه: فقد قال ابن معين فيه: صالح كما في تاريخه برواية الدوري (1/ 6) وفي تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين نقل عن ابن معين قوله فيه: ليس به بأس. وذكره البخاري في (تاريخه الكبير 7/8) دون أي تضعيف أو طعن. وذكره العجلي في معرفة الثقات (2/ 140) وقال: عطية العوفي كوفي تابعي ثقة وليس بالقوي. وقال إبن أبي حاتم الرازي في (الجرح والتعديل 6/ 282): سألت أبي عن عطية فقال: ضعيف الحديث يُكتَبُ حديثه. وقال عنه ابن سعد في طبقاته (6/ 217): كان ثقة إن شاء الله وله أحاديث صالحة ومن الناس من لا يحتج به. وفي كامل ابن عدي (5/ 269): عن يحيى بن معين قال: ضعيف إلا أنه يُكتب حديثه. وقال ابن عدي في نهاية ترجمته بعد أن ذكر بعض أحاديثه: ولعطية عن أبي سعيد الخدري أحاديث عداد وعن غير أبي سعيد, وهو مع ضعفه يكتب حديثه وكان يُعَدُّ من شيعة الكوفة. وحَسَّن حديثه الترمذي (3680) وأخرج حديثه في سننه هو وأبو داود وابن ماجة إضافة إلى البخاري في الأدب المفرد. وروى المزي في (تهذيب الكمال 20 / 148) عن ابن عدي قوله: وقد روى عنه جماعة من الثقات، ولعطية عن أبي سعيد أحاديث عدد، وعن غير أبي سعيد وهو مع ضعفه يُكتب حديثه وكان يُعُّد مع شيعة أهل الكوفة. فتنبين بأن ضعفه ليس شديداً بل غير متفق عليه بل نرى بأنه ضُعِّف لأجل مذهبه تارة ولرميه بالتدليس أخرى وأكثر العلماء على جواز كتابة حديثه أي أنه يتقوى حديثه إن وجد له متابع ليس إلاّ. ووصفه الحافظ ابن حجر في تقريب تهذيبه (1/ 678) بقوله: صدوق يخطأ كثيراً وكان شيعياً مدلساً من الثالثة/ بخ دت ق. فكما نرى لم يصل الطعن فيه إلى درجة التكذيب والاتهام بوضع الحديث هذا من جهة تضعيفه. وأما مشكلة التدليس فالكل يجمع على أن المدلس إن صرح انتفى عنه الطعن والرد لروايته وينتفي تدليسه فتقبل روايته حينئذٍ وقد صرّح في هذا الحديث بأن ما يرويه هنا هو عن أبي سعيد الخدري الصحابي لا الكلبي. ب ـ طعن الألباني في الراوي الآخر في سند هذا الحديث وهو علي بن عابس فنقول في الرد عليه: 1. اختلف قول ابن معين في تضعيفه فمنها قوله: ليس بشيء/ ضعيف/ كأنه ضعيف/ كأنه يضعفه. 2. وضعّفه النسائي كما نقله ابن عدي في كامله ووهاه السعدي الجوزجاني الناصبي كعادته في تضعيف الشيعة وأهل الكوفة عموماً ولذلك لم يعبأ العلماء بتضعفيه لهم عموماً. أما ابن حبان فقد قال فيه كما في كتابه المجروحين (2/ 105): روى عنه العراقيون كان ممن فحش خطؤه وكثر وهمه فيما يرويه فبطل الاحتجاج به. فهذا كل ما قيل فيه عن المتقدمين كابن عدي فلم نر أحداً اتهمه بالكذب أو الوضع، ولذلك لا يمكن قبول قول الألباني بأن حديثه موضوع وأنه هو المتهم فيه، وأولوية تعصيب الآفة به على حد قول الألباني 3ـ بل لم نر أحداً من المتأخرين أيضاً يصف حديثاً من آحاديثه بأنه موضوع. 4ـ بل حتى المتقدمين من المحققين كابن عدي (ت 365) قد خلص إلى القول فيه: ولعلي بن عابس أحاديث حِسانٌ، ويوروي عن أبان بن تغلِب وعن غيره أحاديث غرائب وهو مع ضعفه يُكتبُ حديثه. نقول: وهذا الكلام واضح في تحسين أحاديثه وخصوصاً مع وجود المتابع له أو الشاهد وكذلك كون تضعيفه خفيف حيث صرح ابن عدي بجواز كتابة حديثه وتحسينه لبعض رواياته. وقد روى وأخرج لعلي بن عابس هذا كل من الإمام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه (سننه) والحاكم في مستدركه والطبراني في معاجمه بكثرة وكذا الدارقطني روى عنه في سننه ناهيك عن تحديث كبار المحدثين عنه وتحديثه عنهم مع اتفاقهم على عدم جواز كتابة حديث الكذاب أو الرواية والتحمل والتحديث عنه. والخلاصة: إن هذا الحديث لا يمكن الحكم عليه بالوضع بحسب قواعد الحديث حديث والرجال فلا يمكن وصفه بالوضع إلا ممن أتبع هواه وزيف الحقائق. ويشهد لصدروه تعدد طرق هذا الحديث والشواهد على نزول هذه الآية يوم غدير خم ونذكر منها: 1. ما ذكره العلاّمة العيني في عمدة القارئ شرح صحيح البخاري (18 / 206) دون أي استنكار أو رد أو تضعيف لحديث أبي سعيد الخدري هذا، حيث قال: ((باب: (يا آيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربِّك) (المائدة: 67). أي: هذا بابُ في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (سورة المائدة: 67). أي: هذا بابُ في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} يوم غدير خم في علي بن أبي طالب (عليه السلام). ثم ذكر سبعة أقوال أخرى في سبب نزولها وقال بعد ذلك: 2. وقال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين: معناه بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فلما نزلت هذه الآية أخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. وذكر قولاً عاشراً في حجة الوداع بتبليغ حقوق المسلمين وقولاً حادي عشر لابن الجوزي في الرجم والقصاص. فلا ندري كيف أصبح لهذه الآية أحد عشر معنى أو سبباً للنزول. إلاّ لأجل تضييع الحقيقة والسبب الصحيح للنزول مع كون أكثر تلك الأسباب إما مردودة بشكل واضح كإدعاء نزولها في مكة مع كونها في سورة المائدة وهي آخر سورة نزلت بالاتفاق أو لا تتعارض مع سبب النزول في ولاية أمير المؤمنين لكونها تدل عليها بالإشارة والتلميح لا التصريح وخصوصاً مع إمكان رد إدعاء عموم تبليغ الرسالة لقريش أو اليهود والنصارى بسهولة لكون الأمر بالتبليغ قد صدر قبل أقل من ثلاثة أشهر على وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد أن بذل جهوده الكبيرة ثلاثة وعشرين عاماً دون أي توانٍ أو تردد فتهديده (ص) وأمره بالاستمرار على الدعوة والتبليغ طعن بالنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وإساءة له وتشكيك بجهوده الكبيرة والواضحة لكل أحد. بالإضافة إلى وجود إيراد وإشكال على من يّدعي عموم تبليغ الدين دون خصوص التبليغ بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو ظهور ألفاظ الآية الكريمة نفسها التي لا يمكن ادعاء دلالتها على العموم لأنه سيكون من باب تحصيل الحاصل ولا معنى له بل سيكون معنى الآية الكريمة متهافتاً والعياذ بالله ولتوضيح ذلك نقول: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} لو فَسّرنا (مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) بعموم الرسالة سيكون معنى الآية: (يا أيها الرسول بلغ رسالتنا وإن لم تبلغها لا تعتبر مبلغًاً لرسالتنا) وهذا المعنى لا يمكن أن يقبله عاقل ناهيك عن صدوره عن رب العالمين وأحكم الحاكمين في كتاب تحدى به البشر أجمعين. 3. والشاهد الثالث على نزول هذه الآية في أمير المؤمنين: ما رواه السيوطي في الدر المنثور (2/298) عن ابن مردويه في تفسيره عن ابن مسعود حيث قال: كنا نقرأ هذه الآية على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك أن علياً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) وذكر ذلك أيضاً الشوكاني في تفسيره فتح التقدير(2/60). 4. ورود حديث في استحباب صوم يوم الغدير كما روى ذلك الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/284) بسنده عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً وهو يوم غيدير خم لما أخذ النبي(ص) بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه فقال عمر: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم فأنزل الله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة: 3). ويشهد على بطلان القول بعموم التبليغ بالإضافة إلى ما قلناه قول الكثير من المفسرين وبعض الأقوال والأحاديث وأسباب النزول بالتخصيص ما أمر الله تعالى رسوله تبليغه وليس بعموم الرسالة ونذكر منها: 1. ما رواه البخاري (8 / 219) ومسلم (1/ 110) عن عائشة حيث قالت: من حدثك أن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) كتم شيئاً من الوحي فلا تصدقه (وفي مسلم: من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية) والله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} واستدلال عائشة واضح وفهمها للآية بأن المراد منها أن الله تعالى يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبليغ كل شيء وعدم إخفاء أيِّ أمرِ من الرسالة فالله تعالى يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدم إخفاء شيء والنبي يمتثل أوامر الله تعالى قطعاً لأنه معصوم بالإجماع ولذلك قالت عائشة بأن الآية تدل على عدم كتمان النبي لأيِّ شيء ولم تفهم من الآية ما يُدعى ويُزعم من أمر الله تعالى لنبيه بتبليغ اليهود والنصارى والكفار الرسالة وعدم التواني والتقصير والتوقف عن ذلك التبليغ بسبب الخوف على النفس والعياذ بالله. 2. قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره (6/ 414): قوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} يعني: إن كتمت آية مما أُنزل عليك من ربك لم تبلغ رسالتي. وقول الطبري هذا (ما أُنزل عليك) واضح في تبليغ شيء خاص وليس كل الرسالة. 3ـ وروى قول الطبري هذا ابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 117) عن ابن عباس قوله: إن كتمت آية مما أُنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالتي. 4ـ قول أبي الليث السمرقندي في تفسيره (1/ 428): {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} من القرآن {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ} يعني: إن لم تبلّغ جميع ما أُنزل إليك: { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} ، يعني: كأنك لم تبلغ شيئاً من رسالته لأن أمره بتبليغ جميع الرسالة فإذا ترك البعض صار بمنزلة التارك للكل كما أنَّ من جحد آية في كتاب الله تعالى صار جاحداً للجميع. 5ـ وقال الثعلبي في تفسيره (4/ 92) بعد أن ذكر عدة أقوال في تفسيرها ومعناها: وقال أبو جعفر محمد بن علي: معناه: بلِّغ ما أُنزل إليك في فضل علي بن أبي طالب، فلما نزلت الآية أخذ (عليه السلام) بيد علي فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه). 6ـ ثم ذكر الثعلبي في تفسيره (4 / 92) بسنده عن البراء بن عازب قال: لما نزلنا مع رسول الله (ص) في حجة الوداع بغدير خم فنادى: إن الصلاة جامعة وكسح رسول الله عليه الصلاة والسلام تحت شجرتين وأخذ بيد علي فقال: .... هذا مولى من أنا مولاه. فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. 7ـ وذكر الثعلبي سنداً آخر إلى ابن عباس في قوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} قال: نزلت في علي (رضي الله عنه) أُمِر النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبلِّغ فيه فأخذ (عليه السلام) بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. 8ـ وأخرج الحاكم الحسكاني بأسانيده في (شواهد التنزيل 1/ 250) عن أبي هريرة وعن أبي سعيد الخدري وعن أبن عباس وعن عبد الله بن أبي أوفى وذكر ذلك عن الحسن البصري ورواية عن ابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري وقال الحاكم الحسكاني (الذي يمدحه الذهبي كما في ترجمته عنده في سير أعلام النبلاء) وفي أثناء تخريجه لطرق هذا الحديث (1/ 252): وطرق هذا الحديث مستقصاة في كتاب (دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة) من تصنيفي في عشرة أجزاء. نقول: فأين ذهبت كل هذه الطرق عن المحقق والمدقق! الألباني حتى في تخريجه لهذا الحديث من طريق أبي سعيد الخدري فهل تبقى مصداقية له بعد فعله هذا؟! فالحديث في الفضائل وفي أسباب النزول ولا ندري لماذا هذا التشديد والتكذيب للحديث مع عدم وجود كذاب وضاع شديد الضعف متهم في سند طريق أبي سعيد ناهيك عن نقل العلماء لتفسير الإمام الباقر (عليه السلام) والطرق العديدة للحديث عن الكثير من الصحابة بالإضافة إلى رواية أبن مسعود وقراءته للآية التي ذكرناها ونقلناها آنفاً. ودمتم في رعاية الله