أبو عادل - الجزائر
منذ 4 سنوات

 تأثير العولمة على الإسلام

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته هل العولمة لها تأثير على الدين الإسلامي ؟


الأخ أبا عادل المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤالكم هل العولمة لها تأثير على الدين الإسلامي؟ سؤال واسع الدلالة! فالعولمة بأي مفهوم من مفاهيمها المتعددة وبأية آلية من آلياتها المتنوعة يمكن أن تكون مؤثرة على الدين؟ والدين في أي جانب من جوانبه يمكن أن يكون متأثراً بالعولمة؟ أفي العقيدة أم الفكر أم الفقه أم الأخلاق..؟ لا جرم أن العولمة كنظام اقتصادي وسياسي وثقافي كوني له تأثير كبير على مستوى البنى الفوقية للدين كالفكر والثقافة والفقه والأخلاق، ولعلّ من أوضح معالم العولمة هو الثورة المعلوماتية في شقيها الاتصالات والمواصلات الفائقة السرعة التي أدت إلى بروز حاجات غير معهودة قبل هذا العصر , واستدعى ذلك بالمقابل إلى استحداث محاور ومسائل إنسانية لم يكن معروفة من قبل، وبالتالي فإن استجابة الدين وتفاعله مع هذه المستجدات أكيدة، فإذا كانت العولمة غير مسيّسة ولا مسيطر عليها من قبل أعداء الدين الإسلامي فإنها إنجاز حضاري للبشرية جمعاء يمكن الانتفاع به، مثلاً في مضمار الدعوة ونشر المباديء الإسلامية وتوعية الجماهير، أما إذا كانت خاضعة لقوى معادية للإسلام فإنها تصبح إيدلوجية خطرة تؤثر على الدين (في بناه الفوقية) تأثيراً سلبياً، وقد ينسحب هذا التأثير حتى على العقيدة (البنية التحتية للدين) لأن بث الثقافة المضادة للدين وتغليفها بعناوين خادعة كالحرية وحقوق الإنسان وما أشبه يؤدي إلى زعزعة الاعتقاد. ولا ينبغي أن ننسى الدور الأخطر للعولمة خاصّة في الميدان الاقتصادي وظهور ما يسمى بالسوق المشتركة المسيطر عليها من قبل حفنة من الشركات الرأسمالية الكبرى المنفلتة من الرقابة والتي أدت إلى ضعف كيان الدول الإسلامية، وتبعيتها لدول الرأسمال (دول المركز) بحيث أصبح بامكان تلك الشركات أن تمارس نوعاً من الهيمنة ليس فقط الاقتصادية بل السياسية كذلك على كافّة دول الأطراف التي تعتبر دول الإسلام أهمها وأكثرها. وربما نتفق مع بعض الباحثين المعاصرين في توصيفه للعولمة بقوله: ((العولمة في مظهرها الأساسي تكتل اقتصادي للقوى العظمى للاستثمار بثروات العالم (مواده الأولية وأسواقه) على حساب الشعوب الفقيرة، واحتواء المركز للأطراف)). وبطبيعة الحال فإن هذه الشركات الكبرى العابرة للقارات لا تسعى إلا وراء الاستحواذ على ثروات البلدان بوسائل غير أخلاقية، وبالتالي فإن حقوق الناس التي تصل إليهم من جراء تدخل هذه الشركات والقوى سوف تكون منقوصة وهذا خلاف الدين وله تأثير سلبي على نظام المعاملات في الشريعة الإسلامية. إن ثورة الاتصالات على الرغم مما بها من إيجابيات عملية وسهولة الاتصال بين أرجاء المعمورة حتى لكأن العالم صار بمثابة قرية صغيرة، إلا أنها تظل في أيدي الشركات الكبرى في المركز، وتقوم على احتكار تكنلوجيا الاتصال، واحتكار المعلومات والاتجار فيها، فالمعلومات أصبحت سلعة وليست خدمة. ومن هنا فإن العولمة لا يمكن أن تكون بمعزل عن استغلالها السيء من قبل أعداء الإسلام، ولذلك فإننا نرجح أن يكون تأثيرها سيئاً على الدين. نعم، إذا تطورت العولمة باتجاه العدالة الإنسانية وانفصمت ثنائية (المركز/ الأطراف) بحيث تعم الفائدة ويزول الاحتكار وينتفي الحس الإيديولوجي المصاحب لثقافة العولمة فيمكن أن تكون للعولمة آثاراً إيجابية، ويمكن تفعيل المحاور المستحدثة وإعتبارها إغناء للدين سواء على مستوى الأصول بترسيخ العقائد الحقة في النفوس ودعمها مادياً ومعنوياً، أو على مستوى الفروع من خلال إيجاد آليات جديدة مناسبة في المعاملات، فضلاً عن تفعيل ثقافة العولمة بشكل عام باتجاه الدعوة ونشر الدين الإسلامي في كافة بقاع المعمورة وتنقية الأذهان من الفهم المغلوط للإسلام ويكون كل ذلك بعض ثمراتها. ونحن نرى أن ذلك مجرد أطروحة عصية على التحقيق ما لم يحصل تغيير جذري في موازين القوى. وبكلمة أخيرة، فإن العولمة كفكرة لا تتعارض مع الدين، بل قد يستفاد في كثير من الأخبار ـ ولا سيما أخبار المهدي وآخر الزمان ـ أن الإسلام يتجه في نظرته الشمولية واستراتيجيته المستقبلية إلى العولمة. ولكن العولمة التي نعيشها اليوم لم يراع فيها المقاييس الصحيحة الإنسانية وبالتالي تم استغلالها أبشع استغلال باتجاه مقاييس أخرى غير صحيحة قوامها الهيمنة والاستكبار والاستحواذ على حقوق الناس التي جعلها الله لهم في الأرض، فأصبحت العولمة مسخ للعولمة الحقة، ولذلك أشرنا في مطلع هذا الجواب إلى أن العولمة اليوم غير نزيهة بل هي مسيّسة ومؤدلجة، واحتملنا أن يصل العالم يوماً ما إلى تطبيق العولمة بشكلها الصحيح، ونحن نقصد بطبيعة الحال العولمة في ظل حكم الإمام المهدي(عج) لا العولمة تحت ظل العلمانية. ودمتم في رعاية الله

1