السَلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّٰهِ وَبَرَكاتُهُ.
أَهْلاً بِكُمْ فِي تَطْبِيقِ المُجِيبِ لِلمَعارِفِ الدِينِيَّةِ.
ابنتي الكريمة، راجعي نفسك وشخصي الأسباب التي جعلتهم بهذا النحو وعالجيها فإنّ الغالب في تصرفات الأبوين تجاه أولادهم تكون ناتجة من أفعال الأبناء فمن يحسن التعامل ويكون ناجحاً في أفعاله وتصرفاته يكسب رضى أبويه وقد يكون الولد رغم عدم تقصيره ونجاحه مبتلى بأبوين ظالمين له وعليه بالصبر وتذكر أنّ الله تعالى أمرنا أن نبر الوالدين ونحسن إليهما وأن نصاحبهما في الدنيا معروفاً رغم السوء الذي قد يبدر منهما فعلى الأولاد مراعاة المعاشرة بالمعروف مع الوالدين، فإنّ حقّهما من آكد الحقوق بشهادة الضمير الإنساني والفطرة السليمة، وقد أكّد الله تعالى على ذلك حيث ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد عبادته تعالى، وحينها لابد أن يكون موقفنا في التعامل مع الوالدين منسجماً مع مايريد الله تعالى منا فهو سبحانه يقول: ( وَ قَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً * وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً ) الاسراء: ٢٣–٢٤
وأثبت الله تعالى حقّهما حتّى وإن كانا كافرين رغم عظم هذه المعصية، وكما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ( من أحزن والديه فقد عقهما ). وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ( ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تؤخر إلى الآخرة : عقوق الوالدين ، والبغي على الناس ، وكفر الاحسان).
و قال الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام: ( ثلاث لم يجعل الله عزوجل لاحد فيهن رخصة : أداء الامانة إلى البر والفاجر ، والوفاء بالعهد للبر والفاجر ، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين).
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: ( من نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة ).
واعلمي أنّ للمعاشرة الحسنة مع الوالدين بركات وآثاراً في الدنيا والآخرة من حيث يحتسب المرء ومن حيث لا يحتسب، كما أنّ للمعاشرة السيّئة آثاراً سلبيّة سحيقة فيهما، فعلى المرء أن يحسن إليهما ويحذر عقوقهما، وتجب مصاحبتهما بالمعروف وعدم إيذائهم.
ويجوز للولد أن يناقش والديه فيما لا يعتقد بصحّته من آرائهما، ولكن عليه أن يراعي الهدوء والأدب في مناقشتهما، فلا يحدّ النظر إليهما ولا يرفع صوته فوق صوتهما فضلاً عن استخدام الكلمات الخشنة معهما وفي الرواية عنهم عليهم السلام ( وان ضرباك فلا تنهرهما وقل غفر الله لكما )
ونصيحتي لكِ ان تقرأي دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام المروي في الصحيفة السجادية تحت عنوان دعاؤه لوالديه والذي جاء فيه: ( ( اللَّهُمَّ خَفِّضْ لَهُمَا صَوْتِي ، وَ أَطِبْ لَهُمَا كَلَامِي ، وَ أَلِنْ لَهُمَا عَرِيكَتِي ، وَ اعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي ، وَ صَيِّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً ، وَ عَلَيْهِمَا شَفِيقاً .
اللَّهُمَّ اشْكُرْ لَهُمَا تَرْبِيَتِي ، وَ أَثِبْهُمَا عَلَى تَكْرِمَتِي ، وَ احْفَظْ لَهُمَا مَا حَفِظَاهُ مِنِّي فِي صِغَرِي .)
وتمعني جيداً بكلامه عليه السلام في رسالة الحقوق حيث يقول: ( أما حق أبيك، فتعلم أنّه أصلك وأنّك فرعه، وأنّك لولاه لم تكن. فمهما رأيت في نفسك ممّا يعجبك، فأعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه، وأحمد الله واشكره على قدر ذلك)
ابنتي العزيزة حاولي ان تتقربي إلى أبيك وأن تعبري دوماً عن احترامكِ وتوقيرك له وحاولي أن لا تخالفيه في شيء وأن تستقبليه بالإبتسامة والكلمات المعبرة عن حبكِ واحترامكِ له وإن كان مهموماً أو لا يعجبه شيء من أحوال البيت فحاولي أن تخففي عنه وتساعديه واحذري من تنمية شعور الحقد والكراهية في داخلك تجاهه وبدل ذلك حاولي أن تساعديه في تخليصه من تلك الحال التي تجعله يتصرف مع أسرته بهذا الشكل ومن المؤكد أنّ لسلوكه هذا أسباب تنمّي عنده تلك الحالة أو قد تكون سبباً في إيجادها فحاولي مع أفراد أسرتك أن تعالجوا تلك الأسباب حتى تتخلصوا ويتخلص هو معكم من هذا السلوك.
واسألي الله تعالى دوماً في صلاتكِ وخلاواتكِ أن تدعي له بالصلاح والاستقامة وحسن العاقبة وأن يكون بكم رحيماً عطوفاً وأن تكونوا به بارين وعليه مشفقين ولا ينقطع هذا الدعاء من لسانكِ دوماً والذي ورد في الآية المباركة: ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ ) ابراهيم: ٤١
وَدُمْتُمْ بِرِعايَةِ اللّٰهِ.