(ثُمَّ اَسْكَنْتَنِى الاَْصْلاَبَ، آمِناً لِرَيْب الْمَنُونِ، وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ والسِّنِينَ، فَلَمْ اَزَلْ ظَاعِناً مِنْ صُلْب إلى رَحِم فِي تَقَادُم مِنَ الاَْيَّامِ الْمَاضِيَةِ، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، لَم تُخْرِجْنِي لِرَاْفَتِكَ بِي، ولُطْفِك لي).
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل كلنا نحن البشر نزلنا على الارض في صلب آدم و ظللنا ننتقل جيل بعد جيل من أب الى أم الى أن خرجنا ام هذا شيء مختص بمحمد و اله عليهم السلام فقط؟
فهل ظللنا في عالم الارحام آلاف السنين الى أن خرجنا الى الدنيا؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أهلاً وسهلاً بالسائل الكريم
نقل الدُّعاء المجلسي (رحمه الله)، جزء (٥٧)، صفحة (٣٧٣)، وعلق عليه ما هو لفظه: ((الاقبال: عن الحسين بن علي عليهما السلام في دعاء يوم عرفة: ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا، وخلقتني من التراب، ثم أسكنتني الأصلاب، أمنا لريب المنون واختلاف الدهور، فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم في تقادم الأيام الماضية والقرون الخالية، لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك إلي في دولة أيام الكفرة الذين نقضوا عهدك، وكذبوا رسلك، لكنك أخرجتني رأفة منك وتحننا علي للذي سبق لي من الهدى الذي (2) يسرتني وفيه أنشأتني، ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك، وسوابغ نعمتك، فابتدعت خلقي من مني يمنى، ثم أسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم وجلد ودم، لم تشهرني بخلقي، ولم تجعل إلي شيئا من أمري ثم أخرجتني إلى الدنيا تاما سويا، وحفظتني في المهد طفلا صبيا، ورزقتني من الغذاء لبنا مريئا، وعطفت علي قلوب الحواضن، وكفلتني الأمهات الرحائم، وكلأتني من طوارق الجان، وسلمتني من الزيادة والنقصان، فتعاليت يا رحيم يا رحمان. حتى إذا استهللت ناطقا بالكلام، أتممت علي سوابغ الانعام، فربيتني زائدا في كل عام حتى إذا كملت فطرتي، واعتدلت سريرتي، أوجبت علي حجتك، بأن ألهمتني معرفتك، وروعتني بعجائب فطرتك، وأنطقتني لما ذرأت لي في سمائك وأرضك من بدائع خلقك، ونبهتني لذكرك وشكرك، وواجب طاعتك وعبادتك، وفهمتني ما جاءت به رسلك، ويسرت لي تقبل مرضاتك، ومننت علي في جميع ذلك بعونك ولطفك، ثم إذ خلقتني من حر الثرى لم ترض لي يا إلهي نعمة دون أخرى، ورزقتني من أنواع المعاش وصنوف الرياش، بمنك العظيم علي، وإحسانك القديم إلي، حتى إذا أتممت علي جميع النعم، وصرفت عني كل النقم، لم يمنعك جهلي وجرأتي عليك أن دللتني على ما يقربني إليك، ووفقتني لما يزلفني لديك - إلى آخر الدعاء -)).
بيان: " ثم أسكنتني الأصلاب " أي جعلت مادة وجودي مودعة في أصلاب آبائي، فإن نطفة كل ولد كانت في صلب والده، وكلهم كانوا من علل وجوده. وريب المنون: حوادث الدهر، ذكره الجوهري، و " أمنا " مفعول له، أي حفظت مادة وجودي في الأصلاب لأكون آمنا من حوادث الدهر " واختلاف الدهور " وهو معطوف على " ريب " أو " المنون " والظاعن: السائر، وقال الجوهري: قدم الشئ - بالضم - قدما فهو قديم، وتقادم مثله (انتهى) فهو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأيام المتقادمة، والخالية: الماضية. " للذي " متعلق بقوله " أخرجتني " ويحتمل أن يكون اللام للظرفية وللعلة. " الذي يسرتني " أي جعلتني قابلا له، كما قال تعالى " فسنيسره لليسرى ". " بين لحم وجلد ودم " الظاهر أنه ليس تفسيرا للظلمات الثلاث، أي كونتني أو حال كوني بين لحم الرحم وجلدها والدم الذي فيها، أو كنت بين تلك الأجزاء من بدني، والأول أظهر. " لم تشهرني بخلقي " أي لم تجعل تلك الحالات الخسيسة ظاهرة للخلق في ابتداء خلقي لأصير محقرا مهينا عندهم، بل سترت تلك الأحوال عنهم وأخرجتني بعد اعتدال صورتي وخروجي عن تلك الأحوال الدنية والطفل: المولود، والصبي: الغلام، وهما متقاربان في المعنى، فالصبي إما تأكيد أو إشارة إلى اختلاف مراتب المولود، بأن يكون الطفولية قبل الصبا، والأول أظهر إذ يطلق على المولود حين كونه في المهد طفلا وصبيا، فيكون الجمع بينهما إشارة إلى حالتي المولود، فاعتبار نعومة بدنه طفل، وباعتبار قلة عقله صبي، فلذا قال تعالى " كيف نكلم من كان في المهد صبيا " وما قيل من أن الصبي أعم من الطفل لان المولود إذا فطم لا يسمى طفلا، يضعفه قوله تعالى " أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ".
قال الراغب: الصبي من لم يبلغ الحلم، قال تعالى " كيف نكلم من كان في المهد صبيا ". وقال: الطفل: الولد ما دام ناعما، وقد يقع على الجمع، قال تعالى " ثم يخرجكم طفلا " وقال " أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء " وقد يجمع على أطفال، قال عز وجل " وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم" وباعتبار النعمة قيل امرأة طفلة (انتهى).
والغذاء: ما يتغذى به من الطعام والشراب، والمري إما من المهموز أي الموافق للطبع فخفف، أو من المعتل من قولهم " مريت الناقة مريا " إذا مسحت ضرعها لتدر والمري - على فعيل -: الناقة الكبير اللبن. والعطف: الشفقة والإمالة، يقال:
عطف العود، أي ميله، وعلى الأول يكون على بناء التفعيل. والحواضن: النساء اللاتي يقمن بتربية الصبيان، والحضن ما دون الإبط إلى الكشح، وحضن الطير بيضه لأنه يضمه إلى نفسه تحت جناحه، ولما كانت الأمهات يحضن الأولاد سمين حواضن. والكافل: الحافظ لغيره، قال تعالى " وكفلها زكريا ". و " كلأتني " أي حفظتني " من طوارق الجان " أي جماعة من الجن يطرقون بشر على الأطفال كأم الصبيان. والطارق - في الأصل -: الذي يأتي بالليل لاحتياجه إلى طرق الباب ثم استعمل في كل شر نزل سواء كان بالليل أو بالنهار، والمراد بالزيادة والنقصان ما يصير منهما سببا لتشويه الخلقة وضعف البنية. والاستهلال: رفع الصوت، واستهلال الصبي صياحه عند الولادة. وكما الفطرة إشارة إلى قوة الأعضاء والقوى الظاهرة، واعتدال السريرة إلى كمال القوى الباطنة. " أوجبت " أي ألزمت وأتممت، و " روعتني " أي أفزعتني وخوفتني، والعلم بعجائب الفطرة يصير سببا للخوف للعلم بعظمة الرب سبحانه ووفور نعمه وتقصير المكلف في أداء شكره، كما قال تعالى " إنما يخشى الله من عباده العلماء" وقال " والذين هم من خشيه ربهم مشفقون " أو المعنى: ألقيت في روعي أي قلبي عجائب الفطرة، لكنه بعيد عن الشائع في إطلاق هذا اللفظ بحسب اللغة. وقال الفيروزآبادي: الحر - بالضم -: خيار كل شئ، ومن الطين والرمل الطيب، ومن الرمل وسطه. والثرى: التراب الندي)).
ودمتم بحفظ الله ورعايته.