تقي الدين - مصر
منذ 5 سنوات

 بعض ما اتصف به

أعلق على شيء واحد : لا تصح قصة قطع سيدنا عمر رضي الله عنه لشجرة بيعة الرضوان عند المحققين من أهل السنة. والحافظ لو رجعتم إلى كلامه في الفتح لوجدتم أنه قال قد وجد القصة بإسناد صحيح عن نافع عن عمر عند ابن سعد . فالحافظ لم يصحح إلا إسناد القصة إلى نافع , لكن يبقى أن هناك انقطاعاً بين نافع وعمر فلا تصح القصة . هذا من حيث السند , وقد ضعفها غير واحد . ومن حيث المتن : فإن هذه الحادثة لا يمكن أن تكون صحيحة , لمخالفتها ما ثبت في الصحيحين , من أن مكان الشجرة قد خفي على الصحابة , وأن التابعين كانوا يبحثون عنها بعد وفاة سيدنا عمر, ولو كان قد قطعها لانتشر خبر ذلك بينهم . ففي صحيح البخاري :3929 : حدثني محمد بن رافع حدثنا شبابة بن سوار أبو عمرو الفزاري حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال لقد رأيت الشجرة ثم أتيتها بعد فلم أعرفها , قال أبو عبد الله : قال محمود : ثم أنسيتها بعد. 3930 : حدثنا محمود حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن طارق بن عبد الله , قال : انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون , قلت : ما هذا المسجد ؟ قالوا : هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان , فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته , فقال سعيد : حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة , قال : فلما خرجنا من العام المقبل أنسيناها فلم نقدر عليها , فقال سعيد : إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم . 3931 : حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا طارق عن سعيد بن المسيب عن أبيه : أنه كان ممن بايع تحت الشجرة , فرجعنا إليها العام المقبل فعميت علينا (البخاري : 4 /1528، مسلم: 3/1385). يقول ابن جرير الطبري : وزعموا أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة , فقال : أين كانت فجعل بعضهم يقول : هنا , وبعضهم يقول : ههنا , فلما كثر اختلافهم قال : سيروا , هذا التكلف فذهبت الشجرة وكانت سمرة إما ذهب بها سيل وإما شيء سوى ذلك (تفسير الطبري : 26 /87).ولم يرتض الحافظ إنكار سعيد حيث قال: لكن إنكار سعيد بن المسيب على من زعم أنه عرفها معتمداً على قول أبيه إنهم لم يعرفوها في العام المقبل لا يدل على رفع معرفتها أصلاً , فقد وقع عند المصنف من حديث جابر الذي قبل هذا : لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة , فهذا يدل على أنه كان يضبط موضعها , ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها , لأن الظاهر أنها حين مقالته تلك كانت هلكت إما بجفاف أو بغيره واستمر هو يعرف موضعها بعينه (فتح الباري 7 /448). قلت : حاصل ما ذكره الحافظ أن يقال : بأن مكان الشجرة كان خافياً على جماهير الصحابة , وليس هناك ما يدل على علم سيدنا عمر بمكانها .


الأخ تقي الدين المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نود أن نذكركم بان المقام مقام بحث و رد وبدل , وقرع الحجة بالحجة , وليس المقام مقام ادلاء الكلام ورميه كيف ما كان , فالبدء بالدليل جز من البدء بغيره , لأن الزمن أصبح زمن الدليل وولى عصر الدعاوى التي لا تقوم على سند . بالنسبة لشجرة بيعة الرضوان , فالمروي عن نافع بسند صحيح أن عمر بن الخطاب هو الذي قطعها . يبقى الكلام في كون نافع (الذي لا يعرف له أب ولا أم ولا رسم) مولىً لابن عمر وان ابن عمر هو الذي أسره في بعض الغزوات فالرواية مرسلة هذا ملخص الاشكال ؟ والجواب : أولاً: الحديث المرسل لم يقل أحد بانه لا يصح مطلقاً , فهناك من فرق بين ارسال كبار التابعيين وبين غيرهم , فقد احتج بالمرسل مالك وأبو حنيفة , وأحمد بن حنبل ( راجع : الباعث الحثيث : 75) . ونافع من أئمة التابعين فيمكن الاحتجاج بقوله . ثانياً : إن نافعاً لم يسند الرواية الى عمر بن الخطاب حتى نقول بانها مرسلة , وانما جزم بأن عمر بن الخطاب هو الذي قطعها , وهذا لا يعني الارسال , لان نافعاً معاصر لابن عمر بن الخطاب وهو مولاه ولكثير من الصحابة فيكون هذا الامر معلوم عنده بواسطة الصحابة الذين عاصروا عمر بن الخطاب . ومن خلال معاصرته لزمن قريب من زمن عمر بن الخطاب , فقواعد الحديث اشبهت في تطبيقها هنا , وانما هو قول لنافع مولى ابن عمر في أن عمر بن الخطاب هو الذي قطع الشجرة . وثالثاً : على كل تقدير فقد قال الامام مالك في حق نافع : ( اذا قال نافع شيئاً فاختم عليه ) (سير أعلام النبلاء 5/98). وقال الخليلي : نافع من أئمة التابعين بالمدينة امام في العلم متفق عليه صحيح الرواية , منهم من يقدمه على سالم ومنهم من يقارنه به , ولا يعرف له خطأ في جميع ما رواه. (تهذيب التهذيب 10/415). وأما ما روي عن سعيد بن المسيب فهو مطروح لعدة أمور : أولاً : ان المبايعيين تحت الشجرة بشهادة ابن المسيب نفسه 1600 نفر أو 1500 نفر , فكيف تعقل أن هؤلاء جميعاً نسوا مكان شجرة بيعة الرضوان , مع أن مكان الشجرة يقع في الحديبية وهي تبعد مرحلة عن مكة , أي مسير نصف يوم (البداية والنهاية 4/126), وفي هؤلاء المبايعيين كثير من المهاجرين الذين هم من أهل مكة , وهم سكنة تلك المناطق . أقول مع هذا كله كيف نتصور انهم اضاعوا المكان ولا يعرفوه ؟!!! بل اننا نجد شخصاً أنصارياً وهو جابر بن عبد الله الانصاري يقول: لو كنت ابصرت اليوم لاريتكم مكان الشجرة , مع أنه كان في زمن بيعة الرضوان شاباً يافعاً , وهو مدني والحديبية تبعد عن المدينة تسع مراحل (البداية والنهاية 4/126), ومع ذلك يقول أنا أعرف مكانها وأعرف محلها , فما بالك بالمهاجرين والذين فيهم الكبار وهم أهل مكة كيف لا يعرفونها مع هذا العدد الضخم الذي لا يقل عن 1400 نفر من المبايعين ؟!!! فهذا كله يشهد لصحة كلام نافع مولى ابن عمر من أن عمر بن الخطاب هو الذي قطعها , ويبطل قول سعيد بن المسيب , بل لا يمكن تصحيح كلام سعيد بن المسيب بتاتاً . والقضية مشهورة عند علماء المسلمين واليك بعض كلماتهم : 1- ذكرها ابن أبي الحديد في (شرح النهج 12/101) فقال : (( وجدنا في الآثار والاخبار في سيرة عمر أشياء تناسب قول هذا في الحجر الاسود , كما أمر بقطع الشجرة التي بويع رسول الله (ص) تحتها بيعة الرضوان في عمرة الحديبية , لان المسلمين بعد وفاة النبي (ص) كانوا يأتونها فيقيلون تحتها , فلما تكرر ذلك أوعدهم عمر فيها ثم أمر بها فقطعت )) . 2- وأثبت هذا القول ابن الجوزي في (زاد المسير 7/167) . 3- ذكرها السيوطي في (الدر المنثور 6/73) . 4- ذكرها الشوكاني في (فتح القدير 5/52) . 5- ذكرها ابن سعد في (الطبقات 2/100) . 6- بل لشدة وضوح الأمر نجد أن علماء السلفية لا ينكرون ذلك , فهذا الشيخ محمد بن صالح العثيمين يقول : بان عمر بن الخطاب أمر بقطع الشجرة حتى لا يعبدها الناس من دون الله سبحانه وتعالى ! (راجع : شرح العقيدة الواسطية : ص 460) . وأما ما نقلته عن ابن جرير الطبري فلا ربط له بالمقام , إذ أن عمر مر بالمكان بعد أن ذهبت الشجرة , والكلام هو فيمن أذهب الشجرة ؟ لا بعد ذهاب الشجرة . ولا يوجد أي مستند على ذهاب السيل بها أو شيء آخر وانما هو كلام بلا سند . ثم إن في رواية سعيد بن المسيب عن أبيه عبارة وهي ( أنسيناها ) أو ( نسيناها ) والبخاري أورد ( أتيناها ) أي أن فعل الانساء خارج عن ارادتهم ولم يكن منهم , فكانما الله أنساهم مكان الشجرة , وهذا شيء فيه استفهام كبير , إذ ما السر في انسائهم مكان شجرة بايعوا تحتها بيعة الحديبية . وأما قولك أخيراً : ( قلت حاصل ما ذكره ... المزید )، فقد اتضح ما فيه بعد وضوح كون الصحابة الذين بايعوا أكثر من أربعة عشر مائة ومنهم من المهاجرين , والمكان لا يبعد عن مكة الا نصف يوم , فكيف خفي عليهم ؟! وكيف لم يخف على جابر بن عبد الله الانصاري الحدث السن في تلك الأيام والذي يبعد عن مكة أربعة أيام ونصف , ويخفى على المهاجرين أهل البلد ؟!!!! هذا ملخص ما جال في البال والا فللمقام كلام يطول به , أعرضنا عنه اختصاراً . ودمتم في رعاية الله