سيف الدولة
منذ 4 سنوات

 العلم والدين لا يتعارضان

سؤالي يتعلق بكافة الأبحاث الطبية والفلكية والتاريخية والأنثروبولوجية والأركيولوجية الجديدة فهل يمكن أن تتناقض مع الدين؟ وهل يؤول الدين على أساسها أم ترفض تلك الأبحاث لمخالفتها للروايات الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة؟ فكثير من الروايات تتحدث عن خلق الكون وأنه أول ماخلق الله الكون خلق ياقوتة حمراء ومن الياقوتة خلق خلق آخر وهكذا وكذا بالنسبة لخلق آدم وبقية المخلوقات حتى أن هناك روايات تنص على أن خلق الخنزير أو الفيل كان بسبب دعاء النبي نوح أو ماشابه. وبالنسبة للأبحاث الطبية كذلك فهنلك من البحوث الجديدة التي تقول بأن الحبة السوداء مضرة وأن تناولها يؤثر على الكبد بينما في الروايات الواردة عن النبي وأهل بيته أن الحبة السوداء تنفع من كثير من الأمراض وكذا بالنسبة للعلاج بالكي والحجامة وغيرها. وفي الأبحاث التاريخية كذلك فهل يمكن للمرء أن يجمع بين العلم والايمان وكيف ذلك؟ وكيف يفرق بين العلم والدجل وبين صريح الدين وتأويله؟ وهل بالإمكان مثلا أن نقول بأن الله خلق السماوات والأرضين لا محالة وأن الخلق تم في سبعة أيام ولكن كيفية ذلك موكولة للعلم وأن الله خلق أول ماخلق من البشر آدم ثم حواء وبعد ذلك انتشر الناس ولكن كيفية ذلك وكيف نشأت الأعراق والشعوب والأجناس واللغات موكولة للعلم حتى لو قال العلم بأن منشأ ذلك هو النشوء والارتقاء والتطور وأن الله خلق بقية المخلوقات والحيوانات كالحصان والجمل والبقر والماعز واكلاب والذئاب وغيرها ونوع الخلق ففي كل نوع عدة أنواع فهناك الخيل العربي الرشيق والخيل الأوروبي السمين والخيل المغولي القصير والصغير وهكذا في النباتات أيضا فهناك التفاح الأحمر والأخضر والأصفر وهناك السكري وهناك كبير الحجم ولكن كيفية ذلك موكولة للعلم فإذا قال العلم بأن ذلك ناشئ عن التطور سلمنا به ولو قال بأن الكلب والذئب كان في الأصل حيوان واحد والجمل وحيوان اللاما كانا في الأصل حيوانا واحدا كذلك ثم اختلفا نظرا للظروف البيئية والمناخية فهل نسلم بذلك؟ ولو قال العلم بأن الإنسان الأول كان قردا أو أن الإنسان الأول نشأ في أفريقيا ثم انتشر في بقية القارات وأنه كان في بدايته أسودا كبير الحجم كثيف الشعر ثم لما هاجر للقارات المختلفة وتعددت بيئاته تغير لون بشرته ولون شعره ومالت عيون بعضهم للدقة كالخزر والترك ومالت أنوف بعضهم للتسطح كالأفارقة وقل الشعر في الأماكن الدافئة وكثر في الأماكن الباردة وتقتح لون البشرة في الأماكن الباردة وغير ذلك. وأن الإنسان الأول كان عاريا ولايجيد التحدث بأية لغة لامكتوبة ولا مسموعة بل كان يصدر الأصوات كالحيوانات ثم بدأ ينطق وبدأ يخربش على جدران الكهوف ثم بدأ يغطي نفسه واكتشف النار وبدأ في استخدام السلاح ونشأت من بعدها اللغات والحضارات وهكذا فهل نسلم بذلك السيناريو ونقر به ونخضع للعلم حتى ولو خالف ظاهر الدين وصريحه ونؤول الآيات والروايات شريطة أن نقرن ذلك بالإيمان بالله ونبيه وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن مرد ذلك التطور هو إرادة الله؟


الأخ سيف الدولة المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الاسئلة المثارة من قبلكم يمكن الإجابة عنها في مستويين: المستوى الأول: الإجمال، والمستوى الثاني: التفصيل، وبما أن التفصيل يفتقر إلى بحث مطول واستقصاء مستوعب لكافة الاشكالات والاطروحات الممكنة، ومثل هذا البحث لا ينهض به جواب على مسائل وردت عبر الأنترنت، لذا فإننا سنلجأ إلى الإجابة الإجمالية، ونعوّل على ثقافتكم وذكاءكم في فهم جوابنا، والله الموفق. لعل من المسلمات الأولى لدى كل مسلم صحيح الإيمان أن الدين لا يتعارض إطلاقاً مع العلم ، ولكن يجب أن ننبه على أن بعض العلوم الحديثة لا تمتلك من مقومات الدقة والموضوعية ما يمكن أن نعدّها علوماً حقيقية، بل هي على الأرجح بحوث نظرية مؤسسة على مناهج غير يقينية كأن تكون وصفية أو استبطانية أو تنبؤية، حتى وإن سميت علوماً، فإن مجرد التسمية شيء وكونها بالفعل علوماً شيء آخر، فإن أغلب العلوم الإنسانية المعاصرة كعلم النفس وعلم الاجتماع والانتروبولوجيا والإثنولوجياً والألسنيات، وكذلك النظريات الفلسفية المعاصرة كالوجودية والبنيوية والتاريخانية والتفكيكية وأشباهها، هي من هذا القبيل. نعم، العلوم البحتة وبعض العلوم التطبيقية تتصف بالعلمية والتجريبية لاستجماعها للعناصر المشار إليها كالرياضيات وعلم الهيئة وعلم الفلك وعلم الطب والعلوم الهندسية وعلم الجيولوجيا وعلوم الذرة... الخ. ومع ذلك، فإن هذه العلوم تعد من وجهة نظر الدين علوماً لعمران الدنيا وهي مما يحتاج إليه الناس في حياتهم المادية اليومية ، وفي أغلب الأحيان فإن العلم كاصطلاح إذا ورد في لسان الشرع فإنه لا يراد به هذه العلوم، وإنما يقصد به علم الدين الذي يتفرع عنه جملة من العلوم كعلم الفقه وعلم أصول الدين أو أصول العقائد (علم الكلام) ويمكن أن يطلق العلم كذلك ويراد به كافة العلوم التي تدرس مفردات ما يتصّل بعقيدة المسلم كعلمي النحو والبلاغة الذين يساعدان على فهم كلام الله (القرآن) وكذا علم التفسير، وعلم أصول الفقه وعلم الأخلاق وعلم الحديث دراية ورواية، وسائر العلوم والأبحاث التي تدور في فلك العقيدة. فإن هذه العلوم تشترك في كونها علوماً غير دنيوية بل هي علوم دين يستطيع المسلم من خلالها أن يبلغ درجات الكمال والتكامل الروحي التي تؤهله لعالم آخر ليس هو الدنيا بطبيعة الحال بل عالم الآخرة. وسبب نظر الشارع إلى هذه العلوم الأخروية لا إلى العلوم الدنيوية الآنفة الذكر يعود إلى ان هذه العلوم تتعلق بعالم الدوام والخلود الذي لا انقطاع له، فهي أحرى بأن تسمى علوماً من العلوم التي تتعلق بعمران هذا العالم الزائل الفاني الذي هو عالم الدنيا. وقد أشرنا لك آنفاً ان الدين لا يتعارض مع العلوم الحقيقية سواء كانت علوماً دنيوية أم شرعية، وإنما سجّـل التعارض بين بعض النظريات الموصوفة بأنها علمية وبين ما ورد في لسان الشرع سواء في القرآن أم في السنة، ونحن هنا بإزاء سببين كل منهما أو كلاهما يساهم في الظن بوجود هذا التعارض، السبب الأول يتعلق بتلك النظريات العلمية إذ من الممكن أن تكون خاطئة فكم من نظرية قد تمت تخطئتها واستعيض عنها بنظرية أخرى، فالعلم في تطور مستمر وليست هناك نظرية علمية تتصف بأنها ثابتة ونهائية وإلا لكانت قانوناً لا نظرية؟ والسبب الثاني يعود إلى الروايات نفسها، فيمكن أن يكون بعض ما ذكرته أنت كشاهد على تفوق العلم المعاصر وخطأ الدين مصدره الأخبار الضعيفة أو الموضوعة كالإسرائيليات وما أكثرها في الموروث الثقافي الإسلامي هذا في حقل الحديث والسنّة , أما في القرآن فلعل ما تراه من التعارض يعود إلى عدم فهمك لأساليب القرآن البلاغية وأصناف آياته، فبعضها محكم ومتشابه,وبعضها ناسخ ومنسوخ, وبعضها مجمل ومبين,وبعضها مطلق ومقيد, وهلم جرّا، أو لعلك استندت في آراءك على أقوال بعض المفسرين التي أقحموها على مرادات الباري عز وجل بذريعة من الذرائع كالتأويل والتطبيق والجري وأشباها. وحيث أتضحت لك الصورة نعود إلى أسئلتك لنجيب عنها: أما خلق الكون من ياقوتة حمراء ـ على فرض صحة هذه الرواية ـ ألا يمكننا تبعاً للعلم الحديث أن نقول أنها تشير إلى ما يسميه علم الفلك بالأنفجار الكبير؟! وهي نظرية علمية تزعم أن الكون انفجر عن كتلة بقدر حجم البرتقالة، ألا يمكن فيمكن أن تدل هذه الياقوته وخلق الكون منها إلى هذه الفرضية العلمية؟! فتكون الياقوتة الحمراء تشير رمزياً على أصل الكون وهي أقرب في التشبيه من قول الفلكيين بأنها كانت بحجم البرتقالة. أما بخصوص الحبة السوداء وكونها مضرة بالكبد، فلربما كانت نتيجة هذا البحث متوافقه مع العينة التي تم إجراء البحث عليها وغير متوافقه مع عينة أخرى لم يجر البحث عليها, أو ربما تعود إلى أختلاف الأمزجة أو عدم اعتدالها، فالمزاج المعتدل لا تظهر عليه آثار الضرر الكبدي. ثم إن العلم الحديث قد أثبت أن الحبة السوداء تؤدي إلى تقوية جهاز المناعة، وهذا ما يفسر ما ورد عن النبي(ص) من أنها شفاء من كل داء لأن مناعة الإنسان إذا قويت قلـّت إصابته بالأمراض فلماذا لم تذكر هذا الاكتشاف المؤيد كما ذكرت الاكتشاف المعارض؟ وبخصوص الفرق بين العلم والدجل وبين الدين والتأويل، نقول: إن التأويل هو المعنى الباطن الغير ظاهر من النص، أو هو الأمر الذي ينطبق عليه النص في نفس الأمر، والتأويل بأي من هذين المعنيين لا يعارض الدين، بل هو مؤيد له، لأن النص القرآني لا يجب أن نأخذ بظاهره دائماً فإن ذلك يستلزم أحياناً تناقضاً، خذ على سبيل المثال قوله تعالى: (( الرَّحمَن عَلَى العَرش استَوَى )) (طـه:5), حيث يفهم من ظاهره أن الرحمن كائن ما يجلس على عرش كما يجلس الإنسان، بينما قوله تعالى: ((ليس كمثله شيء)) يناقضه، فوجب أن نأول الآية الأولى طبقاً لقواعد خاصة وإذا وافقنا على هذا التأويل فنقول أن المقصود بالعرش في الآية هو العلم مثلاً، لئلا يلزم التناقض. أما فرق العلم عن الإيمان، فإن العلم هو حصول صورة الشيء في الذهن بينما الإيمان هو عقد القلب على أمر, كوحدة الخالق وصدق النبي، وهذا العقد يترتب عليه حصول اليقين الذي هو الجزم بالمطابقة وعدم احتمال الخلاف. والعلم يمكن أن يكون مورداً لليقين كذلك، ومن هنا عدم التعارض بينهما ـ أي في خصوص اليقينيات من المسائل ـ بينما الدجل هو ادعاء العلم أو الدين، فهناك دجل علمي كمن يزعم بأنه يفعل كذا وكذا ويدل عليه بأمر يوهم الآخرين بأنه محق وهو في الواقع مبطل كالساحر والمشعوذ مثلاً. والدجل في الدين هو ادعاء مقام الأنبياء أو الأولياء او الصالحين توصلاً إلى اغراض فاسدة ومصالح موقوته كأغلب مدعي النبوة والإمامة عبر العصور. وبخصوص خلق السماوات والأرض في ستة أيام، فلا يراد الأيام الزمانية بل المراحل الوجودية كالعلم والمشيئة والإرادة والقدر والقضاء والإمضاء، أو مراحل التكوين كيوم النطفة ويوم العلقة ويوم المضغة ويوم العظام ويوم إكساء اللحم ويوم انشاءه خلقاً آخر، أو غير ذلك وربما أريد بها أزمنة الأيام ولكن ليست أيام الدنيا بل أيام الآخرة التي يعدل اليوم الواحد منها ألف سنة مما تعدون, أو خمسين ألف سنة. وأما بخصوص كيفية خلق آدم وحواء ونشوء الخلق وانتشارهم في الأرض، فقد ذكرت بعض الأخبار ان الله خلق ألف عالم وألف أدم والحديث في ذلك عظيم التفصيل فلا نطيل. وأما نشوء اللغات، فهناك عدة آراء، والرأي المقبول الذي يؤيده القرآن والسنة أن الواضع لجميع اللغات هو الله تعالى وقد ألهم الله تعالى آدم وبعض ذريته النطق باللغات في أزمان متعددة ومتباعدة، فآدم اول من نطق بالسريانية واسماعيل أول من نطق بالعربية.. وهكذا. وأخيراً، فيما يتعلق بنظرية النشوء والارتقاء لدارون، فإن النتائج التي توصل إليها قد عورضت وفندت من قبل العلوم الحديثة كعلم الوراثة، ومن غير المحتمل طبقاً لهذه العلوم أن تحصل الطفرة بين نوع وآخر بحيث يكون النوع الأخير ناشيء من نوع سابق تجمعه به بعض أنحاء التشابه الخارجي في الشكل كالعظام والشعر والفكوك وما أشبه، ولا توجد في الوراثة طفرة يتحقق بواسطتها نوع جديد مستقل، وما قيل في عالم الحيوان يقال كذلك في عالم النبات، فالتشابه لوحده لا يؤسس صحة النتائج التي توصل إليها دارون، ولذلك فإن نظريته يمكن أن تنفع في تصنيف الكائنات لا في أصل الخلق وحدوث التنوع. ودمتم في رعاية الله

3