أبو محمد رضا - ايسلندا
منذ 4 سنوات

 حدود علم الائمة (عليهم السلام) (1)

روى علماؤنا الأعلام عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً .. ويرد على هذا الحديث إشكال ، وهو أن النبي صلى الله عليه وآله قد قال : اللهم زدني فيك معرفة، اللهم زدني فيك تحيّراً .. فإن الحديث الأول يدل على بلوغه (ع) مرتبة لا يتصوّر عليها الزيادة في المعرفة، والثاني يدلّ على بلوغ مقام يتحمّل الزيادة، مع أن النبوة أعظم من الإمامة .. فما هو معنى الحديث الاول للامام (ع) وكيف يمكن الجمع بين الحديثين على فرض صحتهما معاً ؟


الأخ أبا محمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما ذكرته هو جواب العلامة (قدس سره) في دفع التناقض بين الكلامين، حيث قال: إن مادة النبي (صلى الله عليه وآله) لما كانت أكمل من مادة الإمامة، فطلب (صلى الله عليه وآله) زيادة المعرفة، وأما امير المؤمنين (عليه السلام) فقد حصل من مراتب المعرفة على ما لم يقبل الزيادة عليه فقال: (لو كشف الغطاء...). وذكر بهاء الملة والدين من أن قوله (عليه السلام): (لو كشف الغطاء) ليس إشارة إلى مراتب العرفان، بل المراد منه أحوال القيامة والجنة والنيران ، يعني ان أحوال تلك النشأة لو كشف الغطاء عنها لما استفدت زيادة علم في أحوالها. وذكر البعض ان (يقينا) منصوب على المعولية لا التمييز، أي: ما ازددت ولا حصلت يقينا يغاير يقيني ولا ينافي الإزدياد في ذلك اليقين , أما غيره (عليه السلام) ممن عرف الله تعالى بالظن والوهم والإنكار والجحود فيحصل لهم عند انكشاف الغطاء في الآخرة يقين يغاير ما كانوا عليه من الظنون والجحود، كما قال سبحانه : (( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غطَاءَكَ فَبَصَركَ الْيَوْمَ حَديدٌ )) (قّ: من الآية22) , أي بصيرتك أو عينك قوية الإدراك . وأما المؤمنين ممن عرف الله سبحانه على الجزم واليقين فالحاصل لهم في الآخرة من اليقين يغاير ما عندهم من الدنيا، لان يقين الدنيا قد حصل بالنظر والاستدلال والكسب وما يحصل لهم في الآخرة إنما هو بالبديهية والاضطرار والمشاهدة للآيات والمشافهة لها فاليقينان متغايران , أما يقينه (عليه السلام) في الدنيا فلم يكن مأخوذاً من تكلف الاستدلال بل هو مأخوذ عن المشاهدة والعيان. وفي (نور البراهين) للسيد الجزائري: إن علوم النبي (صلى الله عليه وآله) التي تكاملت بكمال عمره الشريف علمها علياً (عليه السلام) ساعة واحدة، فقال استناداً إلى هذا العلم: (لو كشف الغطاء لما ازددت يقيناً). ولا يلزم من هذا ازدياد علومه (عليه السلام) على علم النبي (صلى الله عليه وآله) حيث قال: (ما عرفناك حق معرفتك) , وقوله: (اللهمَّ زدني فيك معرفة), لأن هذا القول منه إنما كان زمان تزايد علومه فإن علومه (صلى الله عليه وآله) كانت تتزايد بتزايد عمره، ولما زق العلم زقا لعلي (عليه السلام) في ساعة واحدة في أواخر حياته وصل بذلك علي (عليه السلام) إلى درجة لو كشف لي الغطاء... وقال السيد محسن الامين العاملي لرفع هذا الاشكال: إن قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (لو كشف لي الغطاء...) معناه بلوغ أقصى درجات الإيمان بالله تعالى، وأقصى ما يمكن من معرفة الله تعالى، وقوله (صلى الله عليه وآله): (رب زدني علما) يدل على أن علمه قابل للزيادة، وهو لا ينافي بلوغه أقصى درجات الإيمان وأقصى ما يمكن من معرفة الله تعالى. فتكون هذه الإجابة داله على أن الذي طلبه (صلى الله عليه وآله) زيادة العلم فهو القابل للزيادة . ويقول السيد علي البهبهاني في (الفوائد العليه ج2 ص393) في رده على جواب العلامة الحلي والسيد الجزائري: أقول ولا يخفى ما فيهما: أما الاول: فلما ثبت بالكتاب والسنة انه (عليه السلام) نفس الرسول وأخوه في الدنيا والآخرة وهو قاضي بمساواتهما في القابلية والكمال بالضرورة. وأما الثاني: فلأن اخبار النورانية تدل على انهما (صلى الله عليهما وعلى آلهما) كان في عالم الارواح والاشباح كاملين عالمين بالعلم كله. والصواب في الجواب أنه لا منافاة بين الروايتين بوجه لأن العرفان إنما يرجع إلى ذات الشيء وحقيقته ولا يتصور للممكن الإحاطة بمعرفة ذات الواجب تعالى شانه وكنهه، وكل ما يتصوره المخلوق ويميزه بوهمه بادق معانيه مخلوق مثله مردود إليه ، فالكل متغير في معرفة كنه الباري تعالى وتقدس، وإنما يعرف تعالى شأنه بالوجه والآثار وتختلف معرفة طبقات الناس في هذه المرحلة بمراتب شتى. وأما اليقين فهو متعلق بوجود الباري تعالى شأنه ووجود القيامة والحساب والجنة والنار وعالم البرزخ وكيفياته، وهكذا مما غاب عن الأبصار وإستتر عن الأنظار, والوصول إلى أعلى مرتبة اليقين بحيث لا يتصور مرتبة فوقها لا يتنافى مع عدم معرفة الذات حق المعرفة ، فلا منافاة بين الروايتين بوجه وتوهم المنافاة إنما نشأ من عدم التدبر في معنى المعرفة واليقين. ودمتم في رعاية الله

1