السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحن نعلم بأن ّ النبي (ص) لا ينطق عن الهوى أن هو ألا وحي يوحى ...يعني النبي الكريم (ص) يتلقّى الأمر الالهي من الله عن طريق الوحي .. لكن الائمّة عليهم السلام ...
كيف يتلقّون الأمر الالهي؟ وعن طريق من ؟
كما في كيفية تلقي الامام المهدي(عج) امر الظهور
ودمتم سالمين وبارك الله في سعيكم لخدمه المذهب الحق
الاخ حسام المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ينبغي الملاحظة ان لكلمة (الوحي) استعمالات متعددة ومختلفة يجمعها المعنى اللغوي الكلي، وهو الإعلام بخفاء , وهذا المعنى الجامع موجود في بعضها حقيقة, وفي البعض الآخر مجازاً وادعاءً, كما لو كان الموحى إليه جماداً أو حيواناً لا يعقل. وهذا يمكن استفادته من التدبر في الموارد القرآنية التي ورد فيها استعمال هذه اللفظة كقوله تعالى: (( وأوحى في كل سماء أمرها)) (فصلت:12), فالمراد أنه سبحانه أودع في كل سماء السنن والنظم الكونية, وقدّر لها دوامها, والمناسبة بهذا التعبير هنا انه بعد أن كان ايجاد السنن والنظم في بواطن السموات ومكامنها على وجه لا يقف عليه إلا المتدبر في عالم الخلقة, أشبه الإلقاء والإعلام بخفاء بنحو لا يقف عليه إلاّ الملقى إليه, وهو الوحي, كان ذلك كافياً في استعارة لفظ (الوحي) إلى مثل هذا التقدير والتكوين للسنن. وأيضاً يأتي لفظ (الوحي) في مورد الإدراك بالغريزة كقوله تعالى: (( وأوحى ربّك الى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ً)) (النحل:68)، فما يقوم به النحل من اتخاذ البيوت بهذه الاشكال الهندسية المتقنة والعجيبة الصنع إنما هو نتاج غزيرة إلهية مودعة في مكامن خلقته وصميم وجوده, وحيث إن هذا الايداع للغرائز في مكامن الخلقة أشبه بالالقاء الخفي, وتلقي النحل له بلا شعور وإدراك أطلق عليه سبحانه الوحي.
وأيضاً يأتي الوحي بمعنى الالهام والالقاء في القلب كقوله تعالى: (( وأوحينا إلى أمَّ موسى أن أرضعيه ))(القصص:7), وحيث إن تفهيم أمّ موسى مصير ولدها كان بإلهام وإعلام خفي, عبر عنه بالوحي, ومثله قوله تعالى: (( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي.. ))(المائدة:111), وقوله تعالى (( إذ يوحي ربّك الى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا..)) (الأنفال :12).
وأيضاً يأتي الوحي بمعنى الاشارة كما في قوله تعالى: (( فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبـّحوا بكرة وعشياً ))(مريم :11), والمعنى أشار اليهم من دون أن يتكلم, فأشبه فعله إلقاء الكلام بخفاء, لكون الاشارة أمراً مبهماً.
وأيضاً يأتي الوحي ويراد به الالقاءات الشيطانية, كما في قوله تعالى: (( وان الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم )) ، وقوله تعالى : (( وكذلك جعلت لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غروراً )) (الأنعام :112). وأيضاً يأتي الوحي فيراد به كلام الله تعالى المنزل على نبي من أنبيائه كما في قوله تعالى: (( كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم )) (الشورى:2). وقد غلب استعمال الوحي في المعنى الأخير, فكلما أطلق الوحي وجرد عن القرينة كان يراد منه ما يلقى الى الانبياء من قبل الله تعالى.. لذا وجبت الملاحظة بأنَّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لا يتلّقون وحيّاً إلهياً بالمعنى الأخير, فقد انقطع الوحي بهذا المعنى وتبليغ الرسالات بعد رحيل النبي الاعظم(صلى الله عليه وآله), وإنما هي علوم اختصوا بتلقيها لما يدخل في مهمة إمامتهم وقيادتهم للأمة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتسمى وحياً لما سبق بأن الالهام والالقاء في القلب يسمى وحياً. وقد وردت جملة من الروايات التي تبين لنا كيفية تلقي الإمام (عليه السلام) لهذه العلوم.
روى الصفار في (بصائر الدرجات ص336) عن الحرث بن المغيرة النضري قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك الذي يفسأل عنه الإمام وليس عنده فيه شيء من أين يعلمه قال ينكت في القلب نكتاً أو ينقر في الإذن نقراً. وعن عيسى بن حمزة الثقفي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أنا نسألك أحياناً فتسرع في الجواب وأحياناً تطرق ثم تجيبنا قال: (إنه نعم ينقر وينكت في اذاننا وقلوبنا فإذا نكت أو نقر نطقنا واذا أمسك عنا أمسكنا).
وعن الحرث بن المغيرة النضري قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما علم عالمكم جملة يقذف في قلبه وينكت في اذنه قال فقال: (وحي كوحي أم موسى) .
وعن محمد بن الفضيل قال قلت لأبي الحسن (عليه السلام) روينا عن أبي عبد الله أنه قال: (إن علمنا غابر ومزبور ونكت في القلب ونقر في الاسماع قال فأما الغابر فما تقدم من علمنا وأما المزبور فما يأتينا, وأما النكت في القلوب فالهام وأما النقر في الاسماع فإنه من الملك)ز وروى زرارة مثل ذلك عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قلت كيف يعلم أنه كان من الملك ولا يخاف أن يكون من الشيطان إذا كان لا يرى الشخص قال: (إنه يلقى عليه السكينة فيعلم أنه من الملك ولو كان من الشيطان لاعتراه فزع وإن كان الشيطان يا زرارة لا يتعرض لصاحب هذا الأمر) (انتهى) .
وقد جاء في (بحار الأنوار ج 52/ص283) عن غيبة الشيخ الطوسي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام ) أنه قال : ( أما تقرأ كتاب الله ((فإذا نقر في الناقور )) إن منا إماما ً مستترا ً فإذا أراد الله إظهار أمره نكت في قلبه نكتة فظهر فقام بأمر الله ) (انتهى ) .
ودمتم في رعاية الله