ما هو تعريف الفاسق وهل هو عكس العدالة؟ ومتى نعتبر الشخص فاسقا هل حينما يتهاون بأوامر الله ونواهيه ويغلو في المعصية؟ أم مجرد وقوع أي ذنب وخروج العبد عن طاعة الله يعتبر فاسقا؟
الأخ عبد الله المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفاسق هو عكس العادل وفي تعريف العدالة اختلاف ذكره السيد الخوئي في كتاب الاجتهاد والتقليد شرح ص252 حيث قال:
وقع الكلام في أن العدالة المعتبرة في جملة من الموارد كالتقليد، والشهادة والقضاء، والطلاق، وإمام الجماعة وغيرها ما حقيقتها ؟ واختلفت كلماتهم في بيانها إلى أقوال: " منها ": ما نسب إلى المشهور بين المتأخرين من أن العدالة ملكة، أو هيئة راسخة، أو حالة، أو كيفية باعثة نحو الإطاعة بالاتيان بالواجبات وترك المعاصي والمحرمات.
و" منها ": أن العدالة هي الاتيان بالأعمال الخارجية من الواجبات واجتناب المحرمات الناشي عن الملكة النفسانية فهي - على ذلك - أمر عملي، وليست من الصفات النفسانية، وإن كان ذلك العمل مسببا عن الصفة النفسانية وباقتضائها، فهذا التعريف ناظر إلى المسبب والمقتضي، كما أن التعريف السابق ناظر إلى السبب والمقتضي، بمعنى أن العدالة - على التعريف المتقدم - هو السبب والمقتضي للعمل، وعلى هذا التعريف هو العمل المسبب والمقتضي للملكة النفسانية التي هي السبب هذا ويمكن أن يقال: التعريفان راجعان إلى شئ واحد لأن الملكة بما هي ليست هي العدالة التي تعتبر في جملة من الموارد في الشريعة المقدسة. بل المعتبرة هي الملكة المتلبسة بالعمل أي المقترنة بالاتيان بالواجبات وترك المحرمات وذلك لأن ارتكاب المعصية في الخارج - لغلبة الهوى على الملكة - يستتبع الفسق من غير نكير، وبناء على أن العدالة هي الملكة بما هي يلزم اجتماع العدالة والفسق في شخص واحد في زمان واحد.
ومن هنا يصح أن يقال: العدالة هي الأعمال الخارجية الناشئة عن الملكة النفسانية فالمراد بالتعريفين شئ واحد وإن كان أحدهما ناظرا إلى بيان اعتبار التلبس بالعمل دون الآخر.
و" منها ": أن العدالة نفس الأعمال الخارجية من فعل الواجبات وترك المحرمات من دون اعتبار اقترانها بالملكة أو صدورها عنها فالعدالة هي الاستقامة - عملا - في جادة الشرع وعدم الجور والانحراف عنها يمينا ولا شمالا.
و" منها ": أن العدالة هي الاسلام وعدم ظهور الفسق في الخارج، وعلى ذلك لا بد من الحكم بعدالة أكثر المسلمين، وإن لم نعاشرهم بوجه، وذلك لاسلامهم وعدم ظهور الفسق منهم عندنا.
و" منها ": أن العدالة هي حسن الظاهر فحسب، وعلى ذلك لا يمكننا الحكم بعدالة أكثر المسلمين كما على التعريف المتقدم لتوقفه على احراز حسن الظاهر المتوقف على المعاشرة في الجملة ولو برؤيته آتيا بالواجبات وغير مرتكب للمعاصي مرتين أو ثلاثا أو أكثر هذا.
والصحيح أن حسن الظاهر، والاسلام مع عدم ظهور الفسق معرفان للعدالة، لا أنهما العدالة نفسها، لامكان أن يكون الفاسق - في أعلى مراتب الفسق باطنا - متحفظا على جاهه ومقامه لدى الناس فهو مع أنه حسن الظاهر محكوم بالفسق - في الواقع - لارتكابه المعاصي، ولا مساغ للحكم بعدالة مثله بوجه لقوله عز من قائل: أولئك هم الفاسقون مشيرا إلى مرتكبي المعاصي ولو في الباطن.
وكذلك الحال في الاسلام، وعدم ظهور الفسق، فإن هذا العنوان بنفسه يدلنا على أن الفسق أمر واقعي قد يظهر وقد لا يظهر، فمع أن المكلف فاسق في الواقع لارتكابه المعصية في الباطن كيف يمكن أن يكون عادلا من جهة عدم ظهور الفسق منه؟! إذا هما طريقان ومعرفان للعدالة، لا أنهما العدالة نفسها، ويأتي الكلام على معرف العدالة وطريق استكشافها قريبا إن شاء الله.
وعلى الجملة القولان الأخيران ساقطان، ومعه لا بد من التكلم في أن العدالة هي الأعمال الخارجية من دون اعتبار صدورها عن الملكية النفسانية، أو أنه يعتبر في العدالة أن تكون الأعمال صادرة عن الملكة ؟ فنقول: لم تثبت للعدالة حقيقة شرعية، ولا متشرعية، وإنما هي بمعناها اللغوي أعني الاستقامة وعدم الجور والانحراف وهي قد تستند إلى الأمور المحسوسة فيقال هذا الجدار عدل أو مستقيم، أو أن العصا مستقيم، فتكون العدالة والاستقامة من الأمور المحسوسة.
وقد تسند إلى الأمور غير المحسوسة فيراد منها الاستقامة المعنوية وذلك كالعقيدة والفهم، والأخلاق فيقال: عقيدة فلان مستقيمة أي غير مشوشة أو أن فهمه مستقيم في قبال اعوجاجه، أو أخلاقه مستقيم أي لا افراط فيه ولا تفريط.
وقد تسند إلى الذوات فيقال زيد عادل ومعناه أن مستقيم في الخروج عن عهدة التكاليف المتوجهة إليه، وحيث أن الشارع يراه مستقيما في جادة الشرع فهو عادل شرعا وغير منحرف عن جادته. فالعدالة المطلقة - وهي المنسوبة إلى الذوات - هي الاستقامة العملية كما يقتضيه معناها اللغوي، مع قطع النظر عن الروايات والمتحصل أن العدالة ليست لها حقيقة شرعية وإنما استعملت في الكتاب والأخبار بمعناها اللغوي أعني الاستقامة وعدم الاعوجاج والانحراف وغاية الأمر أن موارد استعمالها مختلفة. كما ظهر أن العدالة ليست من الأوصاف النفسانية، وإنما هي صفة عملية لأنها في اللغة - كما عرفت - هي الاستقامة وعدم الجور، وفي الشرع هي الاستقامة في جادته وإلى ذلك أشير في جملة من الآيات المباركة كما في قوله عز من قائل: فإن خفتم أن لا تعدلوا وقوله: (( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء )) لإضافة العدالة فيهما إلى الذات بلحاظ استقامتها في جادة الشرع وتطابق أعمالها لأحكامه .
ودمتم في رعاية الله