أحياناً أشتهي أكلات وأشتريها وآكلها وأنا لست جائع هل هذا إسراف وهل علي إثم؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هذا يعبر عنه بالنهم، وهو من الأمور المبغوضة إخلاقياً، وصحياً، و وجه أهل البيت ( عليهم السلام )، و من قبلهم خط الأنبياء و الرسل في التاريخ وجهوا أتباعهم إلى قلة الأكل و الاجتناب عن البطنة و الشبع، لا من الحرام فذاك محرم قليله و كثيره، بل من الحلال المباح، و كانوا هم السباقين، في التطبيق، لا من باب التحريم الشرعي، بل لما تخلفه قلة الأكل من آثار على شخصية الإنسان من صحية و نفسية، و عبادية، مما اصطلح عليه في الأحاديث بميراث الجوع و ميراث الشبع و البطنة.
1 ـ قلة الفاعلية و الكسل عن الطاعة: يؤدي الإكثار من الطعام و الشراب إلى الثقل و التكاسل عن أداء المسؤوليات و الطاعات، و نستطيع أن نجد هذا بوضوح في سيرة الناس في المجتمع، فذلك الشخص الذي يتناول طعامه بتوسط، أو يقلل من أكله يبقى على حالة عالية من النشاط و الحركة، عكس ذلك الذي يأكل فوق شبعه، فيشعر بالنعاس عادة و يحل عليه الخمول.
ففي الحديث المروي عن المسيح ( عليه السلام ): ( يا بني إسرائيل لا تكثروا الأكل فانه من أكثر الأكل أكثر النوم و من أكثر النوم اقل الصلاة و من اقل الصلاة كتب من الغافلين ).
و عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ): إياكم و فضول المطعم فإنّه يسم القلب بالفضلة و يبطئ بالجوارح عن الطاعة و يصم الهمم عن سماع الموعظة.
و عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( في حديث جرى بين يحيى ( عليه السلام ) و إبليس ) : فقال له يحيى ؟! ما هذه المعاليق فقال إبليس: هذه الشهوات التي أصيب بها ابن آدم، فقال: هل لي منها شيء؟! فقال: ربما شبعت فشغلناك عن الصلاة و الذكر.
قال: فإن لله علي أن لا أملأ بطني من طعام أبدأ. و قال إبليس: لله علي أن لا أنصح مسلما أبداً. ثم قال أبو عبد الله ( عليه السلام ): لله على جعفر و آل جعفر أن لا يملؤوا بطونهم من طعام أبدا ولله على جعفر و آل جعفر أن لا يعملوا للدنيا أبداً.
2 ـ سوء الصحة و سقم البدن: ينصح الأطباء ـ دائما ـ للمحافظة على تعادل الجسم و بقاء الصحة، بالاعتدال في تناول الأطعمة، و القيام عن الطعام مع وجود الرغبة إليه و اشتهائه، ذلك أن أعضاء هذا الجسم قدرة محدودة في استيعاب الأطعمة الواردة إليه، فالمعدة لها قدرة محدودة، و الدم له قدرة محدودة على الاستفادة من فوائد الاغذية المهضومة. و يتصور البعض ـ خطأ ـ انه كلما زاد أكله، فإن بدنه يزداد قوة !! و ربما يستدل على ذلك بأنّ وزنه قد كسر المعدل الاعتيادي والميزان أحياناً بينما يجهل أنه يختزن في جسمه قنابل سمية و شحمية، تتفجر تدريجيا بعد الأربعين في صورة زيادة ضغط الدم، و الكوليسترول، و سائر الإمراض الأخرى التي تسمى ( أمراض المدنية ).
و قد يكون الأمر مثيرا للتعجب أننا نجد الفقراء و متوسطي الحال ـ عادة لا يمرضون لا بمقدار أمراض المترفين و لا بنوعية أمراضهم ، ذلك انه ( لا يجتمع الصحة و النهم ) . و قد أشارت الأحاديث إلى هذا الجانب: فعن أبي الحسن ( الكاظم ) ( عليه السلام )، لو أن الناس قصدوا في الطعام لاعتدلت ابدأنهم .
و حذرت من إدمان الشبع و البطنة لأنها لجلب الأسقام: فعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ): إياك و إدمان الشبع فانه يهيج الأسقام و يثير العلل، وإياك و البطنة فمن لزمها كثرت أسقامه.
و عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) موضحا أن زيادة الطعام لا تنفع لعدم استيعاب الجسم لها: من اخذ من الطعام زيادة لم يغذه ومن أخذه بقدر لا زيادة فيه و لا نقص في غذائه نفعه و كذلك الماء فسبيله ان تأخذ من الطعام كفايتك و ارفع يديك منه و لك إليه بعض القرم ( الشوق ) و عندك اليه ميل فإنه أصلح لمعدتك و بدنك و أزكى لعقلك و اخف لجسمك .
و لنقرأ ما يقوله الطب في هذا المجال :
مضار الإسراف بنوع من الأطعمة
1 ـ السمنة: و هو المرض الخطير الذي نجده غالبا في أبناء الطبقات الغنية و عند أصحاب الوظائف الكسولة، و يحصل نتيجة الإكثار من الطعام، و خاصة السكاكر و الدهون و بشكل خاص عند الإفراد الذين لديهم استعداد إرثي .
و السمنة في الواقع مرضق بشع يحدد من إمكانات الفرد و نشاطاته بشكل كبير، كما يؤهب أو يشارك بعض الأمراض الخطيرة ، كاحتشاء العضلة القلبية، و خناق الصدر ، و الداء السكري، و فرط توتر الدم و تصلب الشرايين و كل هذه الأمراض هي اليوم شديدة الشيوع في المجتمعات التي مالت إلى رفاهية الطعام و الشراب.
2 ـ نخر الأسنان: و هو أيضا من الأمراض الشائعة بسبب الإكثار من تناول السكاكر الاصطناعية خاصة التي تسمح بتخمرها للعصيات اللبنية بالنمو في جوف الفم .
3 ـ الحصيات الكلوية: و هي اكثر حدوثا ـ عند الذين يعتمدون بشكل رئيسي على تناول اللحوم و الحليب و الجبن.
4 ـ تصلب الشرايين و هو داء خطير يشاهد بشكل ملحوظ عند الذين يتناولون كميات كبيرة من الدسم، حيث يصابون بفرط تدسم الدم.
5 ـ النقرس " داء الملوك: و هو ألم مفصلي يأتي بشكل هجمات عنيفة و خاصة في مفاصل القدم و الإبهام . و يشاهد أكثر عند اللذين يتناولون كميات كبيرة من اللحوم .
و يرى الدكتور صبري القباني: أن ضعف الجسم و وهنه لا يأتيان ـ فقط ـ من قلة التغذية ، بل قد يتسبب الإفراط بالتغذية في النتيجة نفسها ، و كثير من الإمراض التي تدهم الإنسان على غير توقع و كثير من الليالي التي يقضيها مؤرقا أو تحت ضغط كابوس مخيف ، و كثير من الظواهر المرضية الدالة على اختلال توازن المعادن في الجسم ، كثير من هذا كله يكون مرده إلى الإفراط في التغذية.
ودمتم بحفظ الله ورعايته