احمد الجبوري - ايسلندا
منذ 4 سنوات

 علم الرجال عند الشيعة

هل أبو حنيفة النعمان المغربي الذي كان قاضياً أيام الدولة الإسماعيلية هل كان شيعياً إثني عشرياً


الأخ أحمد الجبوري المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ج 1 /26 - 32 لو أعرضنا عن اتهام الزندقة الذي وجهه إلى القاضي النعمان, ابن العماد الحنبلي (ت/ 1089 ه‍) كما في شذرات الذهب 3/ 47, والذي هو نابع عن الخلاف المذهبي بلا ريب, نجد المؤلف قد خدم الدولة الفاطمية, وكتب لها كتب الدعوة الإسماعيلية التي تلتقي في خطوط عريضة مع المذهب الامامي, فهو إما إسماعيلي أو إمامي. وأما عن مذهبه قبل صلته بالفاطميين, فيرى ابن خلكان (ت/ 681 ه‍) أنه كان مالكيا ثم تحول إماميا ولم يذكر مستنده في ذلك وربما لشيوع المذهب المالكي في المغرب. بينما ابن تغري بردى (ت/ 874 ه‍) يرى أنه كان حنفيَّ المذهب ويعلله بقوله: (لان المغرب كان يوم ذاك غالبه حنفية) وهذا لا يصح فيما عدا الأسرة الحاكمة آنذاك - عهد بني الأغلب (212 290 ه‍) فإن المذهب المالكي كان هو الغالب, كما يشهد بذلك شهرة الاعلام المالكية كسحنون صاحب المدونة المتوفى سنة 240 ه‍, وأبى زكريا يحيى بن عمر الكتاني (ت/ 289 ه‍) وعيسى بن مسكين (ت 295 ه‍) وسعيد بن محمد الحداد (ت/ 302 ه‍) وغيرهم, وطبيعي أن تنعكس آثار المذاهب المختلفة التي وجدت في الشرق في المغرب الاسلامي أيضا. إسماعيليته: يقول الكاتب الإسماعيلي فيض: (إن النعمان كان إسماعيلي المذهب منذ نعومة أظفاره). والإسماعيلي المعاصر مصطفى غالب يقول: (لقد أدى القاضي النعمان للدعوة الإسماعيلية خدمات علمية جلى كان لها الفضل الأكبر في تركيز دعائم الدعوة, ولا غرو, فقد كان اللسان الناطق للامام, واستحق ان يتربع على عرش الدعوة العلمية وان يورث أبناءه هذه الزعامة). ولو أهملنا عامل التقية, التي كان يؤمن بها المؤلف وكان عارفا بأساليبها وقد نسبت إليه حين صلته بالفاطمية, لكانت كتبه حجة على كونه إسماعيليا. إماميته: ذهب جمع من أعلام الشيعة إلى أن المؤلف النعمان كان إماميا على مذهب الشيعة الاثني عشرية, وأنه تستر بالتقية في خدمته للفاطميين, وأظهر كونه إسماعيليا خوفا من بطشهم. ويعتبر العلامة المجلسي (ت/ 1111 ه‍) أول من أبدى هذه الفكرة وتبعه جمع من الاعلام, قال ما نصه:(كان مالكيا أولا ثم اهتدى وصار إماميا, وأخبار هذا الكتاب (دعائم الاسلام) موافقة لما في كتبنا المشهورة, لكن لم يرو عن الأئمة بعد الصادق عليهم السلام خوفا من الخلفاء الإسماعيلية وتحت ستر التقية أظهر الحق لمن نظر فيه متعمقا وأخبار تصلح للتأييد والتأكيد). وذكر السيد بحر العلوم(ت/ 1222 ه‍)ما نصه: (نقل صاحب تاريخ مصر(ابن زولاق(ت/ 387 ه‍)) أن القاضي نعمان كان غاية في العلم والفقه والدين والنبل على ما لا مزيد عليه (ثم عقبه السيد بحر العلوم بقوله:)وكتاب الدعائم كتاب حسن جيد يصدق ما قيل فيه, إلا أنه لم يرو عمن بعد الصادق من الأئمة خوفا من الخلفاء الإسماعيلية, حيث كان منصوبا من قبلهم بمصر, لكنه قد أبدى من وراء التقية مذهبه كما لا يخفى على اللبيب). وللكاظمي (ت/ 1237 هـ) وصفه بأنه (من أفاضل الامامية وأنه لم يرو كتابه إلا عن الصادق ومن قبله من الأئمة). والمحدث النوري (ت/ 1320 ه‍ـ) وهو أكثر هم تأكيدا وأوسعهم استدلالا على إماميته قال:(إنه أظهر الحق تحت أستار التقية لمن نظر فيه متعمقا, وهو حق لامرية فيه بل لا يحتاج إلى التعمق والنظر). ويظهر أن المحقق المامقاني قدس سره ظن تعقيب السيد بحر العلوم تتمة لكلام صاحب التاريخ فقال(فما في معالم ابن شهرآشوب من أنه لم يكن اماميا اشتباه قطعا, فإن أهل البيت وهم المؤرخون المذكورون أدرى بما في البيت (ثم) ولا معنى لتصنيف غير الامامي كتابا في مثالب الغاصبين للحق, وكتابا آخرين في فضائل الأئمة الأطهار, وكتابا ثالثا في الإمامة, كما اعترف به هو بقوله: وكتبه حسان). وأوضح شيخنا العلامة (ت/ 1389 ه‍ـ) أسلوب التقية المذكورة قائلا ": (ولما كان قاضيا " من قبل الخلفاء الفاطميين المعتقدين بإمامة إسماعيل بن جعفر عليه السلام ثم أولاد إسماعيل, كان يتقي في تصانيفه من أن يروي عن الأئمة بعد الإمام الصادق صريحا لكنه يروي عنهم بالكنى المشتركة, فيروي عن الرضا بعنوان أبي الحسن, وعن الجواد بعنوان أبي جعفر ). والشيخ محمد تقي التستري المعاصر قال:(روى عن الجواد بلفظ أبي جعفر موهما إرادة الباقر عليه السلام به, يظهر ذلك من خبر في آخر كتاب وقف دعائمه). قال الجلالي: يظهران مستند كلمات القوم أمران. الأول: تصريح ابن خلكان (ت/ 681 ه‍) أن النعمان انتقل من المذهب المالكي إلى مذهب الإمامية, وحيث إن (الامامية) أصبحت علما للمذهب الشيعي الاثني عشري, بخلاف سائر الفرق التي يعرف كل منها باسم خاص كالإسماعيلية والزيدية, لذلك اعتبروه إماميا. ولكن الحق خلاف ذلك, فإن وصف الامامية قد يراد به الخاص وقد يراد به المعنى العام, أي مطلق من يعتقد بالإمامة, بخلاف من لا يعتقد بها, فلا ينافي أن يكون المؤلف إماميا إسماعيليا بهذا المعنى العام. والعقيدة الشيعية في المغرب في بداية الدعوة لم تتحدد بأبعادها وخصوصياتها بل كانت دعوة مجملة لأحقية أهل البيت عليهم السلام ومن نفى كونه إماميا إنما قصد المعنى الخاص, وأقدم هؤلاء هو ابن شهرآشوب (ت/ 588 ه‍ـ) حيث قال: (انه ليس بإمامي) , ثم الأفندي (ت/ 1325 ه‍ـ) ثم الخونساري (ت/1313هـ). الثاني: التقية وقد استدل على ذلك بتفصيل المحدث النوري (ره ) (ت/ 1320 ه‍ـ) بوجوه أقواها: أن المؤلف روى عن الأئمة الذين لا يعتقد الإسماعيلية بإمامتهم فإن الإسماعيلية يعتقدون بالأئمة من نسل إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام دون غيرهم. ثم ذكر المحدث النوري هذا الروايات بنصوصها الواردة في دعائم الاسلام: (منها) الحديث الوارد في الوقوف, عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال النوري:(إلى آخر السند المروي في الكافي والتهذيب والفقيه مسندا عن علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام. . ., وعلي من أصحاب الجواد والرضا لم يدرك قبلهما من الأئمة أحدا ). قال الجلالي: ليس في المطبوع عنوان كتاب الوقوف, وإنما هو مدرج تحت عنوان كتاب العطايا والحديث هو برقم 1290 ويبتدئ هكذا:(وعنه (أبي جعفر محمد بن علي) إن بعض أصحابه كتب إليه أن فلانا ابتاع ضيعة. .. ). وما أكثر الروايات المتفقة نصا والمختلفة اسنادا, فإن وجود تخريج للحديث في كتبنا لا يعني اتحادهما.(ومنها)الحديث الوارد في باب الوصايا عن ابن أبي عمير, عن أبي جعفر في امرأة استأذنت على أبي جعفر في حكم فقيه العراق. .. ثم قال النوري:(والمراد به أبو جعفر الثاني قطعا, لان ابن أبي عمير لم يدرك الصادق فضلا عن الباقر عليه السلام بل أدرك الكاظم ولم يرو عنه وإنما هو من أصحاب الرضا والجواد وهو من مشاهير الرواة. .). قال الجلالي: الحديث المذكور وارد نصا في دعائم الاسلام ولكن ليس في سند المطبوع ابن أبي عمير بل روي عن الحكم بن عيينة قال: كنت جالسا على باب أبي جعفر عليه السلام إذ أقبلت امرأة. .. إلى آخر الحديث . ومن هنا نجد أن للدعائم روايتان رواية شيعية وأخرى إسماعيلية, وأن عوامل التعصب للمذهب دعى إلى تحريف النسخة, وهذا يحتاج إلى مقارنة دقيقة عسى أن يقوم بها بعض طالبي الحقيقة. والقول بأن المؤلف استخدام التقية, يستلزم القول بأنه استخدمها بتطرف, فإنه كثيرا ما يحاول تأسيس أصول المذهب الإسماعيلي بما لا يلتقي مع الفكر الامامي, ولعل أهمها مسألة الاعتقاد بالمهدي وتطبيق الأحاديث الواردة فيه على الخليفة الفاطمي الأول الذي أظهر الدعوة واستولى على (رقادة) في 4 ربيع الأول 297 ه‍. وبقى كذلك حتى وفاته في 14 ربيع الأول سنه 322 ه‍. وعلى سبيل المثال: فقد ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله:(يقوم رجل من ولدي على مقدمه رجل يقال له: المنصور يوطأ له - أو قال: يمكن له ـ, واجب على كل مؤمن نصرته - أو قال: إجابته ). ثم عقبه بقوله: وكان بين يدي المهدي (الخليفة الفاطمي) , خرج أبو القاسم صاحب دعوة اليمن وكان يسمى المنصور وهو وطأ ومكن للمهدي, ولان أبا عبد الله صاحب دعوة المغرب الذي وطأ ومكن للمهدي. (وأيضا)روى عنه صلى الله عليه وآله: (لابد من قائم من ولد فاطمة من المغرب بين الخمسة إلى السبعة, يكسر شوكة المبتدعين ويقتل الظالمين ). ثم عقبه بقوله: وكذلك قام المهدي, وفي المغرب ظهر فيه أمره بعد أن كان مستترا, بوصول صاحب دعوته بالمغرب بجموع عساكر أوليائه المستجيبين لدعوته إليه في سنة 296). ولم يكتف بذلك بل ألف كتابا خاصا أسماه(معالم المهدي)لم تصل إليه يد التتبع بعد. والتحقيق: لمعرفة حقيقة مذهب النعمان يلزم ملاحظة أربعة أمور هي: دور المذاهب في المغرب, ومذهب الامامية بالذات, وموقف الأسرة منها, وموقف المؤلف بالذات . وللمزيد ارجع الى شرح الاخبار 1/26. ودمتم برعاية الله