العرادي - البحرين
منذ 4 سنوات

 حدود العصمة

بسم الله خير الأسماء نذهب نحن الشيعة الى عصمة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام أجمعين فإذا سلمنا بذلك فما هو تفسير خروج أبونا آدم و أمّنا حوّاء من الجنة وما هو تفسير بقاء نبي الله يونس في بطن الحوت مدة من الزمن وكذلك قصة نبي الله موسى التي ورد اجابة عليها في صفحتكم ،ألا ينافي ذلك عصمة الأنبياء أودّ معرفة الاجابة بمزيد من التفصيل ....


الاخ الفاضل العرادي المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يشير العلاّمة الحلي (رحمه الله) الى رأي الإمامية حول عصمة الانبياء (عليهم السلام) بقوله : ذهبت الإماميّة كافّة الى أنّ الانبياء معصومون عن الصغائر والكبائر منزّهون عن المعاصي قبل النبوة وبعدها على سبيل العمد والنسيان وعن كلّ رذيلة ومنقصة وما يدل على الخسة والضعة ، وخالفت أهل السنة كافة في ذلك وجوّزوا عليهم المعاصي …. وعلى هذا يمكن توجيه خروج أبينا آدم (ع) وأمّنا حوّاء من الجنة بأنّ الخروج من الجنّة ليس عقاباً ـ على معصيتهما وهما منزّهان منها ـ لأنّ سلب اللذّات والمنافع ليس بعقوبة وإنّما العقوبة هي الضرب والألم الواقعان على سبيل الاستخفاف والاهانة ، وكيف يكون من تعبدنا الله فيه بنهاية التعظيم والتبجيل مستحقاً منّا ومنه تعالى الاستخفاف والاهانة . فان قيل : فما وجه الخروج ان لم يكن عقوبة ؟ قلنا : لا يمتنع ان يكون الله تعالى علم أن المصلحة تقتضي تبقية آدم (ع) في الجنّة وتكليفه فيها متى لم يتناول من الشجرة فمتى تناول منها تغيّرت الحال في المصلحة وصار إخراجه عنها وتكليفه في دار غيرها هو المصلحة . وإنما وصف إبليس بأنّه مخرج لهما من الجنة ـ فأخرجهما مما كانا فيه ـ البقرة 36 ـ من حيث وسوس اليهما وزيّن عندهما الفعل الذي يكون عند الإخراج . ثم لا يخفى ان المعصية هي مخالفة الأمر ، والأمر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب والمندوب معاً فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم (ع) مندوباً الى ترك التناول من الشجرة ويكون بمواقعتها تاركاً نفلاً وفضلاً وغير فاعل قبيحاً ،وليس يمتنع أن يسمى تارك النفل عاصيا كما يسمى بذلك تارك الواجب . وفي هذا المجال نذكر هذه الرواية الشريفة : روى الصدوق أن المأمون العباسي جمع للامام علي بن موسى الرضا (ع) أهل المقالات من أهل الاسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وكان فيهم علي بن الجهم من أهل المقالات الاسلاميين فسأل الرضا (ع) وقال له : يا بن رسول الله أتقول بعصمة الانبياء؟ قال : بلى ، قال : فما تعمل في قول الله عز وجل : (( وعصى آدم ربَّه فغَوى )) وقوله تعالى : (( وذا النون إذ ذهبَ مغاضباً فظنَّ أن لن نقدرَ عليه )) … فقال مولانا الرضا (ع) : ويحك يا علي إتق الله ولا تنسب الى أنبياء الله الفواحش ، ولا تتأوَّل كتاب الله برأيك ، فان الله عز وجل يقول : ((وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم)) . أما قوله عز وجل في آدم : (( وعصى آدم ربَّه فغوى )) فإنّ الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفته في بلاده لم يخلقه للجنة وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الارض لتتم مقادير أمر الله عز وجل ، فلمّا أهبط الى الارض وجعل حجّة وخليفة عصمَ بقوله عز وجل : (( إنّ الله اصطفى آدمَ ونوحاً وآلَ إبراهيمَ وآلَ عمرانَ على العالمين )). وأما قوله عز وجل : (( وذا النون إذ ذهبَ مغاضباً فظنَّ أن لن نقدر عليه )) إنما ظنّ أنّ الله عز وجل لا يضيق عليه رزقه ألا تسمع قول الله عز وجل : (( وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه)) أي ضيّق عليه ولو ظنّ أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر …. (البحار 11 : 73 عن أمالي الصدوق / 55 وعيون الاخبار : 108) . وأما يونس (ع) إنما بقي في بطن الحوت الى مدّة من الزمن لا لمعصية صدرت منه ولا لذنب ارتكبه والعياذ بالله وإنّما لكون خرج من قومه ـ وهو معرضاً عنهم ومغضبا عليهم بعد ان دعاهم الى الله تعالى فلم يجيبوه إلاّ بالتكذيب والرد ـ ولم يعد إليهم ظانّاً ان الله عز وجل لا يضيّق عليه رزقه أو ظانّاً ان لن يبتلى بما صنع حتّى وصل الى البحر وركب السفينة فعرض لهم حوت فلم يجدوا بدّاً من أن يلقوا إليه واحداً منهم يبتلعه وتنجو السفينة بذلك فقارعوا فيما بينهم فأصابت يونس (ع) فألقوه في البحر فابتلعه الحوت ونجت السفينة ، ثم ان الله سبحانه وتعالى حفظه حيّا في الحوت مدّة من الزمن ، ويونس (ع) يعلم أنّها بليّة ابتلاه الله بها مؤاخذة بما فعل من عدم رجوعه الى قومه بعد ان آمنوا وتابوا فأخذ ينادي في بطن الحوت أن (( لا إله إلاّ انت سبحانك إني كنت من الظالمين )) ـ قيل أي لنفسي بالمبادرة الى المهاجرة ـ فاستجاب الله له ونجّاه من الحوت . وأما قتل موسى (ع) للقبطي فلم يكن عن عمد ولم يرده وإنّما اجتاز فاستغاث به رجل من شيعته على رجل من عدوه بغى عليه وظلمه وقصد الى قتله ، فأراد موسى (ع) ان يخلصه من يده ويدفع عنه مكروهه فأدى ذلك الى القتل من غير قصد اليه ، وكلّ ألم يقع على سبيل المدافعة للظالم من غير ان يكون مقصوداً فهو حسن غير قبيح ولا يستحق عليه العوض به ، ولا فرق بين ان تكون المدافعة من الإنسان عن نفسه وبين ان يكون عن غيره في هذا الباب والشرط في الأمرين ان يكون الضرر غير مقصود ، وأن القصد كلّه الى دفع المكروه والمنع من وقوع الضرر فإن ادى ذلك الى ضرر فهو غير قبيح . وفّق الله الجميع للخير والصلاح ودمتم سالمين

1