السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته
أرى كثيراً من الفتيات المراهقات لا يثقن بأنفسهن! فيرون أنهن قبيحات وغير جميلات، ومن صفات المؤمن نصح أخيه ومواساته.
كيف أقنعهن بأن خلق الله كله جميل وأن الله لا يخلق قبيحاً؟
فمن نعمته أن خلقنا بهيئة حسنة وأنعم علينا بنعمٍ لا تعد ولا تحصى وهو القائل في كتابه الكريم: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ فِىٓ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍۢ﴾ (التين: ٤).
وشكراً لكم ولجهودكم.
وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته
أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب
ابنتي العزيزة، زادكم الله جمالاً من جماله، وخلع عليكم من أنواره وبهائه حتى تدركوا حقيقة الجمال في نفسكم لا في الشكل والصورة.
يا جميلة المحيا، لأجل توضيح الحال في هذا الأمر المهم الذي بات يشغل أذهان الكثير من الناس ينبغي بسط شيء من الكلام حوله، ونقول:
تعريف الجمال: هو صفة تبعث في النفس الرضا والانجذاب نحو الشيء، وهذه الصفة تجدها مختلفة من شخصٍ لآخر، فالأم ترى صغيرها جميلاً مهما كان، وتستأنس به كيفما كان، وكذا العاشق يرى معشوقه من أشدِّ الناس جمالاً ولا شيء يضاهيه في الجمال.
وأما الجمال الحقيقي: فهو خلو الشيء من النقص، واتصافه بالكمال، ولذلك صار العقل هو الجمال التام لوجدانه جميع صفات الكمال من الخلق الإلهي، وصارت النفس جميلة لصدورها من المولى الحق سبحانه بالنسبة لجوهرها، وصارت الروح جميلة لتعلقها بالمعنويات والروحانيات، ولكونها من روحه جلّ شأنه وعزَّ.
وعليه، فالجمال الحقيقي هو المقياس وهو الأصل، وذلك:
لأنّ الله تعالى كامل، وجميل، وكلّه خير، والكامل والجميل والذي كلّه خير لا يصدر منه النقص، بل يصدر منه الخير الغالب والجميل، فما يكون في هذه البسيطة وفي هذا العالم بحسب النظرة الإلهية هو جمال وكمال بحسب العطاء الإلهي، يقول تعالى:﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ (طه: ٥٠)، ويقول سبحانه: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ فِىٓ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍۢ﴾ (التين: ٤)، وقال: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ (المؤمنون:١٤)، وأحسن الخالقين؛ يعني لا نقص فيما يعطي فلا ظلم من جهته ولا بخل في ساحته.
ولكن كيف ذلك، ونحن نجد من الناس من هو في خلقه نقصٌ ما؛ في بدنه في شكله ومظهره في ذكاءه أو ما شابه ذلك؟
أقول: أيها السائل هل توافقنا أن الله تعالى كامل مطلق، أو لا؟
نعم، هو كامل مطلق.
وهل توافقنا أنّه خيرٌ محضٌ ولا يصدر منه إلا الخير، أو لا؟
نعم، هو خير محض ولا يصدر منه إلا خيراً، وإلا لكان مجبراً لخلقه على ما يستكره لهم، وهذا يستلزم الظلم، والله غني عن الظلم وحاشاه تعالى.
ومع ذلك، هناك تدخل من نفس الإنسان واختيار منه كذلك فيما يكون عليه، وهذا الأمر يرجع إلى العرصة التي كانت قبل يوم الدنيا حينما خاطب الله تعالى خلقه وقال لهم ألست بربكم فقالوا بلى، ومن هناك لما قال لهم اخرجوا، هناك من طلب الكمال، الذي هو عين الجمال الحقيقي، وهناك من طلب الحسب والنسب والفضل، وجمال الصورة وما شابه ذلك، مما نجده من الأمور التي يتفاضل بها الناس في هذا العالم، أو مما يتباهى بها في هده الدنيا، فمن كان له حسب شريف فقد اختاره هناك، ومن كان له منبع لطيف فهو الذي طلبه، ومن كان في صورةٍ حسنةٍ فهو الذي رغبها وأرادها. وأما من لم يطلب أو يختار في ذلك العالم، كان له ما كان عليه في هذه الدنيا، حتى أنّ بعضهم مال إلى اختيار الدون والنقص وما شابه ذلك من التسافلات دون العلو، لأنّه أراد ذلك، ومال إليه، فمن كان في حسبٍ دني، أو موردٍ ضعيف، أو في صورةِ قبحٍ أو ما شابه ذلك، فهو الذي كان بارادته شاء ذلك وكان له، ما شاء. ولعلّ بعض النصوص الدينية تشير لذلك، كمثل ما ورد في قضية اختيار أهل البيت (عليهم السلام)، نحو: (اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك، الذين استخلصتهم لنفسك ودينك، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك، من النعيم المقيم، الذي لا زوال له ولا اضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك، وعلمت منهم الوفاء به، فقبلتهم وقربتهم وقدمت لهم الذكر العلي، والثناء الجلي، وأهبطت عليهم ملائكتك، وكرمتهم بوحيك…). وما ورد بصورةٍ عامة من أخبار الطينة أو ما شابهها من تلك الاخبار.
وببيانٍ آخر، نقول:
الصورة التي يكون عليها الإنسان تتبع في ذلك الأمور المادية أيضاً، فقد تدخل في تكوينه جميع المؤثرات المادية وما لها من خواص، فالمكان والزمان، والبيئة والوقت الذي يكون عليه الإخصاب، ونوع الطعام الذي يتغذاه الأبوين، وما شابه ذلك، لهو العامل الكبير والرئيسي في صناعة الإنسان، فمثلاً أكل السفرجل والتفاح واللبان ( الكندر) له التأثير الكبير في تحسين الولد، وأكل اللحوم له تأثيره الخاص، وأكل الطين والتراب، وما شابه ذلك له التأثير على الصورة وعلى الروح كبيراً.
ويعني ذلك أنّ ثقل ولطافة الغذاء له التأثير الكبير في صناعة الإنسان شكلاً وقالباً وروحانيةً، وقد جرب ذلك مع أطفال أتبع آبائهم وأمهاتهم نظاماً خاصاً من الأكل فخرج المولود يحمل من الصفاء الروحي والجمال الصوري بقدر ما كان من إلتزامهم بالنظام الخاص. وثبّت ذلك أيضاً العلم الحديث.
وهناك بيان آخر، وهو سرّ وشريف:
أنّ الله تعالى لا ينظر إلى الصورة والجسم، بل ينظر إلى القلوب، وهو سبحانه قد ابتلى كلّ منّا ببلاء معينٍ، فمنهم من ابتلاه بحسن الصورة، وقد تكون بلاءً عليه إن لم يكن في طاعة الله وفيما يُريد منه، مثلما ابتلى من ابتلي بسوء أو قبح المنظر، هل يتحمل ويصبر، ويُعلي من قيمته وشرافته أو لا؟
والجميع خضعوا تحت الميزان، والامتحان والاختبار، فمثلاً لو كان عبداً له فنٌ معين وعلم خاص وله كمال صفات وما شابه ذلك، هل يا ترى أنفسنا تجده قبيحاً؟
كلا، بل نجده في أحسن وأبهى صورة. أعني لو كان باطن هذا العبد نورانياً، وخلقه إلهياً، وهو متصلاً على الدوام ببارئه، فإنه سيكون له بهاءاً إلهياً لا يمكن أن نغمض عيوننا عنه دون أن نكحلها بالنظر إليه، وعلى العكس من كان جميل الصورة، ولكن له باطن مظلم وأسود، وما شابه ذلك، فإن القبح سوف يبدو عليه ظاهراً وجلياً، وجميعنا يجد ذلك في نفسه عند نظره إلى الظلمة والطغاة، وإن كانت لهم صور متناسقة المظهر، ولكنها حقيقة قبيحة سوداء مظلمة.
فنحن نجد أولياء الله تعالى، والصالحين من عباده لهم نورانيةً وبهاءاً لم نجد عند غيرهم مثل ما عندهم، وكذلك المؤمنين لهم مثل ذلك، وإن بدا منظر صورهم من حيث التشكيل غير مرغوباً عند أهل الظاهر.
والأمر الآخر الذي نقوله، هو:
أنّه سبحانه لا ظلم في ساحته ولا يظلم أحداً، وما كان أو يكون عليه العبد، هو بسبب حركة جوهره، وهو العقل الشريف والنفس السالكة إلى ربها في كدحها، والجميع خاضع لحكمة المولى، ومع ذلك، لو قلنا أنّ هذا كان قضاءً من المولى تعالى، فهو قطعاً سيحازي ما يكون من ابتلاء منه لعبده ويثيبه يوم القيامة عطاءً كبيراً، وعند ذلك لا يكون مما نسميه من القبح مورد نقص يُعاب عليه العبد، ما دام له عطاءً كبيراً يوم القيامة.
هذا، والعلم الحديث يسمي ذلك، هو الخضوع لقانون الوراثة وتأثير الجينات من الطرفين من الآباء والأمهات.
والحمد لله على جمال العقل وما وهبنا من النعم العظيمة.
ودمتم موفقين