مرتضى حسين - بلجيكا
منذ 5 سنوات

 مصطلح العرفان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ما هي حقيقة العبودية؟ هل من توضيح قرآني وروائي لحقيقة العبودية؟ وهل خلقنا لأجل عبادة الله عزّ وجلّ, كما مفاد الآية الكريمة: ((وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالأِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ))(الذاريات (51): 56)، أم الغاية هي حصول اليقين (واعبد ربك حتى ياتيك اليقين)؟ وكذلك التقوى في قوله تعالى: ((يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون))( )، أم خلقنا الله عزّ وجلّ ليرحمنا, كما مفاد هذه الآية الكريمة: ((الا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنّة والناس اجمعين))( )؟ فما معنى هذه الرحمة التي لأجلها خُلقنا، وما كانت حاجتنا لها ونحن بعد لم نوجد؟ وبعد هذا نسألكم سؤالنا الأساسي وهو: لما كُنّي سيّد الشهداء(سلام الله عليه) بأبي عبد الله, وهل هذه الكنية أُعطيت له صلوات الله عليه من الله عزّ وجلّ, كما اسمه الشريف (الحسين), وأي عبودية هي المقصودة في هذه الكنية الشريفة حتى صارت هذه العبودية, محوراً ومناراً لعبودية الكائنات أجمع لله عزّ وجلّ في سيرهم نحو الكمال, وعلى ضوء هذا ما دلالة (عبادي) في قوله تعالى في سورة الفجر المباركة: ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي))(الفجر (89): 27 ــ 30), من هم هؤلاء العباد؟ وما معنى ودلالة الرجوع في هذه الآية الكريمة (( ارجِعِي إِلَى رَبِّكِ))؟ وشكراً لكم


الأخ مرتضى المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أوّلاً: سئل عنوان البصري الإمام الصادق(عليه السلام) عن حقيقة العبودية، فقال: (ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكاً، لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به، ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيراً، وجملة اشتغاله فيما أمره به ونهاه عنه، فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوّله الله تعالى ملكاً هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه، وإذا فوّض العبد تدبير نفسه على مدبّره هان عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه لا يتفرّغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس، فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هان عليه الدنيا وإبليس والخلق، ولا يطلب الدنيا تكاثراً وتفاخراً، ولا يطلب ما عند الناس عزّاً وعلوّاً، ولا يدع أيامه باطلاً، فهذا أوّل درجة التقى، قال الله تبارك وتعالى: تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرضِ وَلَا فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ))(القصص (28): 83) ... المزید)الخبر (بحار الأنوار 1: 24 حديث (17) كتاب العلم باب (آداب طلب العلم واحكامه)). وورد عنه(عليه السلام) في كتاب (مصباح الشريعة): (العبودية جوهرة كنهها الربوبية، فما فقد في العبودية وجد في الربوبية، وما خفي في الربوبية أصيب عن العبودية)(مصباح الشريعة: 7 الباب الثاني). وعلق السيّد الخميني(قدس) على هذا الحديث في كتاب (الآداب المعنوية للصلاة)، بقوله: ((فمن سعى بخطوة العبودية ووسم ناحيته بسمة ذلّ العبودية يصل إلى عزّ الربوبية، والطريق للوصول إلى الحقائق الربوبية هو السير في مدارج العبودية، فما فقد من الآنية والأنانية في عبوديته يجده في ظلّ الحماية الربوبية، حتى يصل إلى مقام يكون الحقّ تعالى سمعه وبصره ويده ورجله، كما في الحديث الصحيح المشهور عند الفريقين))(الاداب المعنوية للصلاة: 32 المقالة الأولى، الفصل الأوّل). ثانياً: أمّا بالنسبة إلى كون العلّة الغائية للخلق هي العبودية، كما هو صريح قوله تعالى: ((وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالأِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ))(الذاريان (51): 56). فقد فسّرت العبودية في جملة من الروايات بالمعرفة، ولعلّ السرّ في تفسيرها بذلك،هو لمعرفة أنّ ثمرة العبودية لله عزّ وجلّ هي حصول المعرفة، فقد ورد عن الإمام الرضا(عليه السلام) أنّه: (من أخلص لله أربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه)(عيون أخبار الرضا 2: 74 حديث (321) الباب (31))، وورد أيضاً عن أمير المؤمنين(عليه السلام): (ليس العلم في السماء فينزل عليكم، ولا في تخوم الأرض فيخرج لكم، ولكن العلم مجبول في قلوبكم، تأدبوا بآداب الروحانيين يظهر لكم)(موسوعة العقائد ال‘سلامية 2: 22 حديث (1285) القسم الرابع ، الفصل الأوّل: حقيقة العلم). فالمعرفة إذن ثمرة من ثمرات العبودية الحقّة لله عزّ وجلّ، وثمرة المعرفة هو حصول اليقين في القلب، فاليقين هو العلم الذي يقذفه الله نوراً في قلب من يشاء، ولا يحصل إلاّ بأعلى درجات العبادة من الورع والتقوى الموجبة لانفتاح بصيرة الإنسان التي تشاهد ما لا يشاهده البصر، ولذلك قال الله تعالى في حقّ إبراهيم(عليه السلام): ((وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ))(الأنعام (6): 75).. ولا شكّ أنّ اليقين من أعلى مصاديق الرحمة الإلهية.. فتكون علّة الخلق هي حصول جميع هذه المعاني من دون تنافي. ودمتم في رعاية الله