حسين حيدر - ألمانيا
منذ 5 سنوات

زواج النبي (صلى الله عليه وآله) من عائشة وحفصة

لماذا تزوج النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من عائشة وحفصة إذا كانتا بهذا السوء؟


أولا: في البدأ لابدّ من التأكيد على أنّ معرفة الحِكمة من زواج النبيّ (صلى الله عليه وآله) أو عدم معرفتها لا يؤثّر في التقييم الموضوعيّ للشخصيّة الحقيقيّة لعائشة وحفصة، ولا علاقة لزواجهن من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما عليه حالهن من الصلاح أو الفساد، فليس بين أيدينا قاعدة تجزم بأنّ زوجات النبيّ (صلى الله عليه وآله) معصومات من الانحراف والضلال، بل القاعدة على عكس ذلك حيث يقول تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}، فاختيار النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأيّ زوجة ليس فيه ضمان مستقبليّ لها. وثانياً: يقول تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}، لماذا ضرب الله لنا مثلاً بزوجة نوح(عليه السلام)وزوجة لوط(عليه السلام )؟ فإمّا أن يكون هذا المثل له علاقة بأمّة محمّد (صلى الله عليه وآله)، وإما أن لا يكون له علاقة؟ فإنْ لم يكن له علاقة، فلماذا ضربه الله لنا مثلاً؟ وما هي فائدته إذا لم يكن له أثر على هذه الأمّة؟ أمّا إذا قلنا أنّ المقصود من هذا المثل هو أمّة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله)، فحينها لابدّ أن نقطع بأنّ المقصود من هذا المثل هو بعض زوجات النبي (صلى الله عليه وآله) دون غيرهما من نساء الأمّة، فنوح ولوط (عليهما السلام) كانا من الأنبياء، ومع ذلك لم يغنيا شيئاً عن زوجتيهما، وإخبار الله لنا بذلك فيه تحذير مباشر لهذه الأمّة بأن لا تغترّ بعنوان (زوجات النبيّ)، ومع الأسف لم تستوعب الأمّة هذا التحذير، ووقعت بالفعل في الانحراف بسبب هذا العنوان. وثالثاً: إن استمالة قلوب بعض الصحابة الذين لهم شأن عند قومهم، أو سيكون لهم شأن عند المسلمين بالزواج من بناتهم من أجل المحافظة على مسار تلك الرسالة، وديمومتها يُعدُّ هدفاً سامياً وتضحيةً كبرى، ذلك أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) صبر كل ذلك الصبر وتحمل، كل ذلك البلاء من بعض نسائه لأجل إرادة السماء في استمرارية هذه الرسالة. ثم إن الارتباط بين أعلى شخصية في سلّم التكامل وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع امرأة في الدرجات السفلى يحتاج إلى صبر كبير، وفي نفس الوقت يُعدُّ من أفضل الطرق لإتمام الحجة على أولئك القوم كونه قريب منهم، فلا عذر لهم بعدم وصول شيء من تعاليم الإسلام إليهم، ثم الأهم من كل هذا إننا لا نعلم ماذا سيفعل أولئك القوم لو لم يحصل مثل هكذا زواج، وهم الذين تعاهدوا على إرجاع الأمر إلى عهد الجاهلية في الصحيفة التي كتبوها وقرّروا الالتزام بها. إن لهذا الزواج وأمثاله تخفيف لغلواء القوم، وإن المودة والرحمة التي تحصل من وراء الزواج لابد أن تأخذ أثرها في سلوك القوم ولو بنسبة قليلة.

7