logo-img
السیاسات و الشروط
حُسَيّن ( 91 سنة ) - العراق
منذ سنة

تفسير حديث الإمام الرضا عن ذبح الحسين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عن حديث الإمام الرضا (عليه الاسلام) قال: «يا ابنَ شَبِيْبٍ، إنْ كُنْتَ بَاكِياً لشَيءٍ فابْكِ للحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طَالبٍ i، فإنَّهُ ذُبِحَ كما يُذْبَحُ الكَبْشُ، وقُتِلَ مَع...


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلاً وسهلاً بالسائل الكريم قال: «يا ابنَ شَبِيْبٍ، إنْ كُنْتَ بَاكِياً لشَيءٍ فابْكِ للحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طَالبٍ i، فإنَّهُ ذُبِحَ كما يُذْبَحُ الكَبْشُ، وقُتِلَ مَعَهُ مِنْ أهْلِ بَيْتِه ثَمانِيَةَ عَشَرَ رَجُلاً مَا لهُمْ في الأرْضِ شَبِيْهٌ». قوله: «فإنَّهُ ذُبحَ كما يُذْبَحُ الكَبْشُ». قد رُوي في معناه ما يؤيّده، ومنه ما رواه الصّدوق بإسناده عن عبد الله بن عبّاس عن رسول الله أنه قال: (..، وموضع مصرعه أرض كرب وبلاء وقتل وفناء، تنصرُه عصابةٌ من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة، كأنّي أنظر إليه وقد رُمِيَ بسهمٍ فخرَّ عن فرسه صريعاً، ثم يُذبح كما يذبح الكبش مظلوماً). ومن ذلك ما رواه بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرّضا g -في حديث إسماعيل g وفدائه بالكبش- أنّ الله تعالى قال لإبراهيم: (يا إبراهيم، فإنّ طائفةً تزعم أنّها من أمّة محمّد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش، ويستوجبون بذلك سخطي، فجزع إبراهيم g لذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي). وأمّا بالنسبة إلى دلالة هذه العبارة، فإنّه يُحتمل فيها معنيان: المعنى الأوّل: أنّ المراد بالذّبح كما يُذبح الكبش هو استهانة القوم بالحسين g عند قيامهم بقتله، وعدم مبالاتهم بهذه الجريمة التي اهتزّت لها السماوات والأرضون، وقد استُعمل هذا التعبير لأنّ العادة قد جرت أن لا يبالي الإنسانُ بالكبش عند ذبحه، وهو كاشف عن مدى الاستخفاف بحُرمة النبيِّe ومقام ريحانته سيّد شباب أهل الجنّة. المعنى الثاني: أنّ المراد هو الإشارة إلى كيفيّة الذّبح، وأنّه ذُبح من حلقه الشريف. ويمكن ترجيح إرادة المعنى الأوّل بما حاصله: إنّ العرب حينما يُطلقون التشبيه لا يريدون به تمام الجهات في المشبّه به، وإنّما يريدون جهةً خاصّةً منه، ومن أمثلة ذلك ما ورد في كتاب أمير المؤمنين وفي رسالةٍ له إلى معاوية: (وقلتَ إنِّي كنت أقاد كما يُقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، فلعمر الله لقد أردتَ أن تذمَّ فمدحتَ، وأن تفضحَ فافتضحتَ، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكّاً في دينه ولا مرتاباً بيقينه)، فتشبيه اقتياد أمير المؤمنين إلى البيعة كما يُقاد الجمل المخشوش لا يُراد به بيان كيفيّة الاقتياد بدقّة، وإنّما المراد هو بيان حال أمير المؤمنين g في ذلك الحين واستهانة القوم به واستضعافهم إيّاه. والتعبير بـ«كما يُذبح الكبش» دارجٌ في كلام العرب لوصف المستضعف المُستهان بشأنه، ومن ذلك ما رواه البرقيّ بإسناده عن النبيِّ صلى الله عليه واله: (لو أن عبداً عبد الله ألف عامٍ ما بين الرّكن والمقام، ثم ذُبح كما يذبح الكبش مظلوماً لبعثه الله مع النّفر الذين يقتدي بهم وبهداهم ويسير بسيرتهم، إنْ جنة فجنة وإنْ ناراً فنار)، وما رواه الصدوق بإسناده عن الصّادق عليه السلام: (والله لو أنّ عبداً عمّره الله فيما بين الرّكن والمقام ألف عامٍ، وفيما بين القبر والمنبر يعبده ألف عامٍ، ثمّ ذُبِح على فراشه مظلوماً كما يذبح الكبش الأملح ثم لقي الله عز وجل بغير ولايتنا لكان حقيقاً على الله عز وجل أن يكبَّه على منخريه في نار جهنم)، وليس المراد في هاتين الروايتين تقييد الذّبح بهيئةٍ معيّنةٍ، وإنّما المراد أن يكون الذّبح ظلماً وعدواناً باستخفافٍ واستهانةٍ. ويؤيّد وجود أصل هذا التعبير ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن عائشة بنت أبي بكر أنّها قالت حين قتل عثمان بن عفّان: (تركتموه كالثوب النقيّ من الدّنس، ثم قرّبتموه فذبحتموه كما يُذبح الكبش)، والمعلومُ أنّ عثمان قُتل طعناً في بطنه وصدره ولم يُقتل بالذّبح، كما أنّ عائشة لم تكن في مقام التفصيل حول تلك الجزئيّة. وحُكي عن مُرّة بن ذهل بن شيبان البكريّ قوله مخاطباً بني تغلب قوم كُليبٍ: (لكم عندي خصلتان: أمّا إحداهما فهؤلاء بنيَّ الباقون، فعلّقوا في عُنقِ أيّهم شئتم نِسعةً، فانطلقوا به إلى رِحالكم فاذبحوه ذبح الجزور، وإلّا فألفُ ناقةٍ) وحُكي في «سيرة ابن هشام» شعرٌ لسماك اليهوديّ قاله عند إجلاء بني النّضير: فإنْ نَسْلمْ لكم نتركْ رِجالاً ** بكعبٍ حولهم طيرٌ تدورُ كأنّهم عتائرُ يوم عيدٍ ** تُذَبَّحُ وهي ليس لها نكير والعتائر: جمعُ عتيرة، وهي الذبيحة التي كانت العرب تُقدّمها قرباناً للأصنام في الجاهليّة. والحاصل: إنّ التشبيه بالذّبح كما يُذبح الكبش أو الجزور أو مُطلق الذّبيحة قد استُعمل في كلام العرب لبيان معنى الاستضعاف والاستهانة. أمّا المعنى الثاني فقد يُعارَض بما رُوي أنّ الحسين عليه السلام قد ذُبِحَ من القفا كما في نُدبة السيّدة زينب: (وا مُحمّداه، بناتُك سبايا، وذريّتك مقتّلة تسفي عليهم ريح الصبا، وهذا حُسين محزوز الرّأس من القفا، مسلوب العمامة والرِّداء)، وخطبة الإمام زين العابدين عليه السلام: (أنا ابن المقتول ظُلماً، أنا ابن المجزوز الرّأس من القفا)، إلّا أنّه يمكن الجمع بحمل الذّبح من الحلق على كونه الحاصل أوّلاً عند قتله، ثمّ إنّهم لما أرادوا فصل الرأس الشريف عن الجسد قاموا بحزِّه من القفا ولعلّ التعبير بـ«المحزوز» يُشعر بذلك، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم. منقول.

4