عباس ( 32 سنة ) - العراق
منذ سنة

روايات زيارة الحسين والتقية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف نتعامل مع الروايات التي تحث على زيارات الإمام الحسين (عليه السلام ) في الخوف، كما في الظروف الأمنية المضطربة، والتي لا يأمن فيها الإنسان على نفسه، ولا على عرضه، ولا على أمواله، فهذا يتنافى وما دل على التقية للحفاظ على هذه الأمور؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته مرحبًا بك أيها السائل الكريم تضافرت النصوص الشريفة على الحث على زيارة الإمام الحسين عليه السلام حال الخوف وعدم تركها بسبب ذلك، ولا يبعد تواترها فلا يحتاج لملاحظتها سنداً، ولنشر لواحدة منها تيمناً وتبركاً فعن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: يا معاوية لا تدع زيارة قبر الحسين عليه السلام لخوف فإنّ من تركه رأى من الحسرة ما يتمنى أنّ قبره كان عنده، أما تحب أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي وفاطمة والأئمة عليهم السلام ودلالة النص واضحة جداً على أنّه لا ينبغي للمؤمن أن يترك زيارة الإمام الحسين عليه السلام بسب الخوف، ولم يحدد الإمام عليه السلام نوع الخوف الذي لا يمنع من الزيارة، مما يعني أنّها لا تترك أيّاً ما كان ذلك الخوف، سواء كان خوفاً على النفس، أم كان خوفاً على العرض، أم كان خوفاً على المال. وهذا يعني أنّ هذه النصوص المتضمنة لهذا المضمون تفيد عدم ترك الزيارة ولو كان ذلك يستلزم ضياعاً للمال وتلفاً للنفس، وما شابه ذلك. ولقائل أن يقول إنّه لا مجال للقبول بهذه النصوص، وبالتالي لا يمكن الاستناد إليها والعمل على طبقها، وذلك لأنّ مضمونها يتنافى وحكم العقل القاضي بحفظ النفس، ودفع كل ضرر محتمل عنها. وقد وردت نصوص عديدة تتحدث عن أنّ التقية ديني ودين آبائي وأجدادي، وأنّه لا دين لمن لا تقية له، وأضرابها من النصوص. وكيف كان، مّا يهمنا أنّ الغاية من تشريع التقية المستفادة من القرآن الكريم والنصوص الشريفة، وحكم العقل، هو حفظ النفس من التهلكة، وحفظ المال من النهب والسلب، والمحافظة على العرض، وصونه. ثم إنّه وبعد هذا البيان للتقية وما يرتبط بها، نعود لعرض الإشكال الوارد في بعض الأذهان، فيقال: إنّ الذهاب لزيارة المولى أبي عبد الله الحسين عليه السلام في ظل هذه الظروف الأمنية المضطربة، والتي لا يأمن فيها الإنسان على نفسه، ولا على عرضه، ولا على أمواله، يتنافى وما دل على التقية، لما عرفنا من أنّ أدلة التقية تدعو للحفاظ على هذه الأمور، وهذا يعني أنّ زماننا اليوم في ظل هذه الظروف التي أشرنا لها، وهي معلومة عند كل أحد، ليس زمان زيارة، وإنّما هو زمان تقية. ووفقاً لما تقرر لابد وأن يتصرف في النصوص التي تضمنت الدعوة والحث على زيارة الإمام الحسين عليه السلام حال الخوف بتأويلها بأحد التأويلات التي تقبل وترتضى، أو أن يعمد إلى اختصاصها بزمان خاص دون بقية الأزمنة، وإلا فلابد من طرحها وعدم العمل على طبقها، لمنافاتها لما عرفت من حكم العقل بدفع الضرر المحتمل الموجب للحكم بالتقية. والصحيح أن يجاب عن التساؤل المذكور من خلال أحد طريقين: الأول: أن يبنى على التوفيق بين ما دل على التقية، وبين ما دل على استحباب زيارة الإمام الحسين(ع) حال الخوف، وأنها حاله أفضل منها حال الأمن والاستقرار، بأحد صورتين: الأولى: أن يلتـزم بتخصيص ما دل على التقية من أدلة، سواء كانت من القرآن الكريم أم كانت من النصوص المعصومية بالنصوص الواردة عن المعصومين(ع) في شأن زيارة الإمام الحسين(ع)، فيقال: بأن ما دل على التقية عام يخرج من تحته زيارة الإمام الحسين(ع) حال الخوف، فلا تجري فيها التقية. الثانية: أن يحكم بأن النصوص الواردة في استحباب زيارة الإمام الحسين(ع) حال الخوف حاكمة على نصوص التقية، ومضيقة لموضوعها فلا تكون نصوص التقية شاملة للزيارة حال الخوف، مثل ما دل على أنه لا ربا بين الوالد وولده، فإنه حاكم ومضيق للنصوص التي دلت على حرمة الربا. الثاني: لقد نص علمائنا على أن هناك أشياء قد استثنيت مما دل على التقية، بمعنى أنه لا تجري التقية فيها، وقد ذكروها في البحوث المخصصة للحديث عن التقية، مثل: لا تقية في فساد الدين، ولا تقية في توهين المذهب، ولا تقية في أصل من أصول الإسلام أو المذهب، أو ضروري من ضروريات الدين، كما لو أراد المنحرفون تغيـير أحكام الإرث أو الطلاق والصلاة والحج، وغيرها من أصول الأحكام، فضلاً عن أصول الدين أو المذهب، فإنه لا تجوز في مثلها التقية، كما لا تقية في الدماء. والحاصل، لا خلاف بين أعلامنا في أصل الكبرى، وهي أن هناك أشياء قد استثنيت من تحت عموم ما دل على التقية، وأنه لا تجري فيها التقية، كما لا يخفى. وعندها يقرر بأن محل بحثنا وهو زيارة المولى أبي عبد الله(ع) يصلح أن يكون صغرى لهذه الكبرى، فيقرر أنه مما يستثنى من تحت ما دل على التقية، فيحكم بعدم جريان التقية فيه، ويمكننا تصوير استثنائه من تحت التقية بنحوين: أحدهما: إن التقية في زيارة الإمام الحسين(ع) من التقية المحرمة، وذلك لأنها تتضمن فساداً للدين، ومحواً للشعائر وتقوية الكفر. ثانيهما: أن يقرر أنها بنفسها مستثناة مما دل على التقية، فتكون قسيمة لما قدمنا ذكره، وليست مصداقاً من مصاديق هذه الكبرى، كما لا يخفى. وبالجملة، فالذي يستفاد من خلال التأمل في النصوص، وجمع بعضها مع بعضها الآخر أن زيارة الإمام الحسين(ع) حال الخوف، وإن كان في ذلك ضرر محتمل على النفس، أو على المال، فليس المورد من صغريات التقية، ويشهد لهذا ما رواه يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله(ع) قال: قلت له: جعلت فداك زيارة قبر الحسين(ع) في حال التقية، قال: إذا أتيت الفرات فاغتسل ثم البس ثوبيك الطاهرين، ثم تمر بإزاء القبر، ثم قل: صلى الله عليك يا أبا عبد الله، ثلاثاً وقد تمت زيارتك . فإن المستفاد منه أنه لم ينهه عن الزيارة مع أن المورد من موارد التقية، نعم أمره بأن يعمد لتغيـير منهجية الزيارة، إلا أن الكون في الحائر الشريف، أمر لابد منه، والله سبحانه وتعالى هو العالم العاصم. منقول بتصرف. دمتم في رعاية الله