وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إبنتي المحترمة: القول الفصل في هذه النقطة أنّ هنالك حركة من العبد وهنالك بركة من الله (سبحانه وتعالى)، وما ألطف قوله (تعالى): (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)، فهناك رابط جميل في هذه الآية وهي معروفة في باب التوفيق الذي لم يأتي من الفراغ فقد جاء التوفيق، لأنّ صاحبنا أناب إلى الله (عزّ وجلّ)، إذن غير المنيب غير الضائع لا ينبغي عليه أن يدّعي هذا المعنى أبداً حتى في ليالي القدر، فقد كان إمامنا زين العابدين (عليه السلام) وإمامنا الباقر(عليه السلام) يدعوان بدعاء في كل يوم من شهر رمضان يدعوان معاً، أي أنّ الأب وهو السجاد (عليه السلام) يجلس بجانب ولده ويدعوان معاً أو منفصلاً: اللهم صل على محمد وآله -طبعاً الصلاة على النبي وآله في أدعية أهل البيت ديباجة ونهاية قلّما رأينا حديثاً دعاءً لا يسبق بالصلوات ولا يحلق بالصلوات- ووفقني فيه- أي في شهر رمضان- لليلة القدر على أفضل حال تحب أن يكون أحد من أوليائك وأرضاها لك اللهم في تلك الليلة أجعلني على أفضل حال يكون فيه عبد من عبادك. فإذا الإنسان دعا بهذا الدعاء من الطبيعي في ليلة القدر يتجلى على شكل نفحة قدسية ترتفع بك إلى أعلى عليين.
وموجبات التوفيق هي:عرفنا فعل الله وما قام به لبنات شعيب لموسى (عليهما السلام)، ولآسيا ولأم موسى ولأهل الكهف ولجميع الأنبياء والمرسلين، لكن ماذا نعمل كي نحصل على توفيق الله (تعالى)؟
١- نصرة الدين: نصرة الدين بالحمية والغيرة على دين الله (عزّ وجلّ) والدفاع عن مقدسات المسلمين، الوقوف أمام الظالمين، كل هذا من موجبات التأييد الإلهي، القرآن الكريم يقول: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ)[٧]، النصرة الإلهية تنزل على الذين يغالبون أعداءه على الذين يقفون أمام الظالمين في كل عصر وفي أي ثوب وفي أي شكل، فنصرة الدين من موجبات نزول المدد، ولهذا رب العالمين في معركة بدر عندما رأى من اللازم أن يحفظ دينه بإنزال الملائكة أنزل ملائكة مسومين، وفيما قرأت في معركة بدر، الأسهم أسهم الملائكة كانت كالصواريخ الموجهة هذه الأيام، وأي توجيه في الروايات وفي التاريخ، أنَّ السهم في يوم بدر كان يخرج من كبد القوس وإذا بهذا السهم يمشي ويمشي ويتتبع الكافر ويرديه قتيلاً قال (تعالى): (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)[٨]، فإذا شاء رب العالمين أنْ يتدخل ويقلب الحسابات فالملائكة على أهبة الاستعداد لله، يوجد في معسكرات هذه الأيام هنالك فرقة من الجيش، مهمتها الضربة القاصمة، التدخل السريع، ولله (عزّ وجلّ) قواته المدخرة بالتدخل السريع في الوقت المناسب، وبحسب ما نفهم أن الملائكة لا موت لها في الحياة الدنيا، عند النفخ لهم حالة أخرى، فملائكة النصر في بدر لا زالت موجودة بأسلحتها وبتلك الأسهم الموجه.
٢- حفظ التجارب: الإنسان عليه أن يكون من المعتبرين دائما من أخطائه، فمن منا لا يخطئ؟ ولكن خاصية المؤمن ألّا يلدغ من جحر مرتين!، اللدغة الأولى لك بتعبيري واللدغة الثانية عليك، فإذا أقرضت مؤمناً وتبين زيف كلامه تبين أنه إنسان مماطل ويكذب عليك أنت مأجور بلا شك في هذا الدين من أفضل أنواع الدين ذلك الدين الذي يماطل فيه الإنسان، تعذيب نفسي أراد خيراً وإذا به وقع في عذاب وفي حالة من حالات الغليان الباطني فهذا أجره مضاعف، ولكن إذا طلب منك مرة ثانية وخدعك وأخذ منك المال فلا أجر لك! أو جاء إنسان شبيه له ولم تحقق في أمره فلا أجر لك! إذن حفظ التجارب والكلام لإمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام) من التوفيق حفظ التجربة.
٣- حالة الاحتياط والتوقف: في قسم من الناس يقتحم في كل ميدان يثار كلام عن شخصية سياسية أو دينية إنسان سوقي ترى بعض الناس تحليلاته جاهزة هجوم سريع قطع بما يقول أنا أقطع أن فلان كذا وكذا تريث من أين لك هذا اليقين؟ من أين جاء لك هذا القطع؟ يقول الامام علي (عليه السلام): (من التوفيق الوقوف عند الحيرة)[٩]، فإذا تحيّر إنسان في تقييم شيء أو تقييم شخص عليه أنْ لا يسارع في الحكم فإن هذا من موجبات الخذلان وسلب التوفيق.
٤- تعذر المعاصي: أن يعيش الإنسان في بيئة إذا أراد أن يعصي فلا مجال للمعصية، الأجواء لا تساعد على المعصية وهذا من موجبات التوفيق، عامة الناس عندما يتكلمون عن هذه النقطة، يقولون: التوفيق الإجباري، إنسان مجبور كجار المسجد مجبور على صلاة الجماعة فهذا توفيق إجباري.
٥- أن يبتعد الإنسان عن الأجواء التي يسهل فيها الوغول في المعاصي: فمن موجبات التوفيق طلب التوفيق بكل بساطة من الله (سبحانه وتعالى) فمن الجميل أن تقوم وتصلي ركعتين لله (عزّ وجلّ)، في زاوية في مسجد العمل أو في مسجد المطار أو في المزرعة أو في الحديقة وقل: (يا ربي أنت مسبب الأسباب يا سبب من لا سبب له ويا سبب كل ذي سبب)، قبل أن تذهب للوزارة وتطرق باب المسئول الذي اتصل به صديقك ما يسمى بالواسطة، اذهب إلى المسجد، إلى المصلى داخل الوزارة أو في خارج الوزارة، ركعتان مقتصدتان، وأنتم تعلمون أنّ صاحب الحاجة يركز في صلاته، قل يا ربّ منك التوفيق أنت المسبب للأسباب يا سبب من لا سبب له، حقيقة دعاء جميل ويا سبب كل ذي سبب ويا مسبب الأسباب من غير سبب سبب لي سببا لن أستطيع له طلبا؛ يعني لن أستطيع له طلبا بجهدي، أنا لا أعلم الحل فالحل إليك، فلو وقع المؤمن بين جبلين واقترب الجبلان إلى أن يتلاصقا قبل أن يتلاصقا، يقول: يا ربي الأمر إليك، فقطعاً هنالك فرج، وما هو معروف فإنَّ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) في غار ثور، هذه النسبة المعروفة للنبي (صلى الله عليه وآله)، العنكبوت والحمامة وما شابه ذلك، ما حصل مع نبي الله موسى (عليه السلام) لم يخطر ببال بشر، فهو على شاطئ البحر وفرعون القاسي القاتل خلفه أين الحل؟ كما تعرفون البحر أمامكم والعدو ورائكم، الحل كان (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)[١٠]، جعل الله لهم طريقاً في البحر يبسا قال (تعالى): (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى)[١١]، ضرب عصاه وإذا في البحر طريق كأنه معبد والمياه على جانبي الطريق كأنهما جداران حائلان إذن هكذا في الحديث من أستنصح الله حاز التوفيق[١٢]، وهذا أيضاً عن إمامنا علي (عليه السلام) منبع الحكم وصاحب درر الكلم